كثر الجدل حول جزئية وردت في كلام الرئيس الدكتور رشاد العليمي تحدث فيها عن محبة (آل البيت) في سياق حوار عام، وهذا الجدل يعد أمرًا طبيعيًّا لولا استغلال البعض لهذا الموضوع لتصفية حسابات خاصة ليس لها علاقة بمعركة اليمن واليمنيين ضد العنصرية السلالية.
أقول بأن الجدل حول تصريحات الرئيس ردة فعل طبيعية لأن هذه القضية تحديدًا في اليمن لها خصوصية شديدة، ولدى اليمنيين حساسية عالية جدا من مصطلح (آل البيت) لما تعرضوا له من ظلم وقهر وتدمير وقتل وتهجير ونهب منذ قرون تحت لافتة "محبة آل البيت"، وعلى يد من يقولون إنهم ينتسبون إلى آل البيت، وتلك المعاناة لم تحدث في أي قطر عربي أو إسلامي آخر بطبيعة الحال ولهذا يستغرب بعض اخواننا العرب والمسلمين من ردة فعل اليمنيين هذه عندما يتم ذكر عبارة "آل البيت".
مصطلح "آل البيت" مثقًلا بالدلالات التي تجعل الشعب اليمني يرفضها ويتخذ موقفًا حادا منها، لكن من الواضح في المقابلة أن الرئيس العليمي كان يخاطب مجتمعات عربية وإسلامية مراعيا رواسب التراث العالقة والمتعلق بها، وأن مراده الدلالة المنطقية للمصطلح وهو محبة أهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام يعني زوجاته وبناته وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم وقد توقف الأمر عندهم وانتهى وهذا لا إشكال فيه. ولم يرد بكلامه الولاء والمحبة لقبيلة بني هاشم أو من يقولون إنهم من ذرية علي بن أبي طالب حتى اليوم كما يعتقد البعض.
وتحليل المقابلة يجب أن ينجز في سياقها، فالرئيس العليمي كان يخاطب مجتمعًا عربيًّا كبيرًا ومهمًّا ومؤثرًا ما يزال متأثرًا بالخطاب الديني الذي يعتقد بهذه الخرافة التي علقت بتراثنا وجرى تناقلها لنجني نتاجها اليوم بالنموذج الحوثي.
شخصيا أتفهم كلام الرئيس العليمي وأعرف جيدا ماذا يقصد، ولا يجب تحميل الأمر أكثر مما يجب. أقول هذا لأني شخصيًّا أعرف أن الرئيس يؤمن بما يؤمن به كل قيل جمهوري يمني، لكن للسياسة ظروفها ومفاهيمها وأساليبها وخطاباتها العقلانية التي تؤثر في الجمهور العربي والإسلامي دون استفزازهم عبر المساس بمعتقداتهم وإن كنا نراها باطلة، إضافة إلى أن ذلك يؤدي إلى الفصل والترابط والتعاطف الذي تريد الجماعة الحوثية الحصول عليه تحت ذريعة كراهة وعداء آل البيت كعادتها في المتاجرة بالشعارات.
أعرف أن هذا المنشور قد لا يروق لبعض من سيقرأه أو سيصل إليه من رفاقي وأصدقائي وعامة اليمنيين الذين يؤمنون ببطلان هذه الخرافة العنصرية، لكني أصدقكم القول وأؤكد لكم أن الرئيس صاحب تاريخ في تفنيد هذا الفكر ومواجهته، فكيف يتصور من كلمة قالها إنه يمتدح هذه الخرافة؟ وقد خضت نقاشات موسعة قبل سنوات معه حول هذه القضية، فوجدته واحدًا من السياسيين اليمنيين القلة الذين يدركون خطورة هذا الفكر السلالي العنصري، بل وله أدوار كبيرة في دعم الأعمال الفكرية المناهضة له. ونادرا ما نجد سياسيين يدعمون المعركة التنويرية ويدركون أهميتها لأنهم يخافون من تبعات ذلك والضريبة التي سيدفعونها بسبب هذا الموقف المحترم.
لا يجب الاستهانة بالعامل الدولي الذي يؤثر بشكل كبير في الأحدث، وعلينا أن نعلم أن مخاطبة المجتمعات الأخرى عملية معقدة تحتاج إلى حذر شديد ومفاهيم ومصطلحات مختلفة عن تلك التي يتم تناقلها في مواقع التواصل على سبيل المثال.
في كتابي الجريمة المُركّبة سبق وأشرت إلى أن من ينسبون أنفسهم إلى ما يسمى آل البيت في كثير من الدول العربية لكنهم لم يقتلوا أحدًا ولم يدمروا أوطانهم من أجل الحكم ولم يمارسوا العنصرية ضد الشعوب التي استضافتهم كما يفعل من يقال عنهم "آل البيت" الرسّيون في اليمن ولهذا لا مشكلة معهم ولسنا معنيين بتصحيح معتقداتهم. نحن نؤمن إنها خرافة نعم.. لكن وإن كنا نعتقد بأن المعتقد هذا أو الدين ذاك على باطل وليس حقا فليس من مهمتنا تصحيحه ما دام أصحابه لم يؤذونا ولم يسرقوا حقنا ويحترمون قناعاتنا.. "مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ". صدق الله العظيم.
لسنا معنيين بإقناع غير اليمنيين بأنها خرافة، ما علينا أن نقوم به هو أن نواجه أصحاب هذه الخرافة في اليمن لأنهم كانوا سببا في تدميره، ونقنع غير اليمنيين بأننا -في اليمن- نواجه عصابة إجرامية وترفع شعار "آل البيت" للمتاجرة وشرعنة جرائمهم ضدنا وسرقتهم لأموالنا وأرضنا، وسواء كانوا من آل البيت أم من آل المريخ، فهذا أمر لا يهمنا؛ لأننا أهل الأرض وأصحاب حق، ولا يمكن أن نتعايش مع هذه الخرافة العنصرية التي تذبحنا وتسرقنا منذ أكثر من ألف سنة.
مع ذلك.. يجب التأكيد على أن النخبة السياسية والثقافية في اليمن مطالبة بمراعاة النفسية اليمنية ونقمة وكراهية عامة اليمنيين لهذه الخرافة وعدم الاستهانة بهذا الموضوع الذي كان سببًا وما يزال بخراب ومعاناة وتخلف اليمن عن بقية الشعوب؛ فاليوم ليس كالأمس.
خطاباتنا ومواقفنا وحياتنا يجب أن تكون منسجمة مع قضيتنا وبما يضمن تحقيق أهداف اليمنيين وتطلعاتهم في إيجاد يمن خالي من العنصرية ويحقق العادلة الاجتماعية والمواطنة المتساوية.
-->