كنت استمع لإحدى المساحات الحوارية ذات ليلة وكان أحد الاخوة المتحدثين من أبناء حضرموت يحاول إقناع أحد الحضارم المتعصبين المتحاورين معه بأن حضرموت واليمن هي كيان واحد جهوياً واصول قبلية واحدة ويكفينا أننا بإذن الله سنشرب جميعاً يوم القيامة من الحوض الذي بشّر به نبينا محمد عليه الصلاة والسلام اليمنيين، فكان الرد المفجع من ذلك الرجل (روح اشرب انت وإياه).
هنا وقفت مذهولاً امام هذا التعصّب السياسي الأعمى الذي وصل اليه البعض وهو نتاج النظم السياسية الفاسدة والمتعاقبة ونتاج ما يبثه من قاذورات بعض الناشطين في وسائل الاعلام البديل (وسائل التواصل الاجتماعي) التي لم يسلم من روائحها النتنه أحد.
فقلت نحن حضارم ولن ينكر حضرميتنا أحد وإن كنا تخلّينا عن القيادة والريادة لأسباب كثيرة فهذه مشكلتنا نحن، ولكن علينا أن نتذكر كيف كان اسلافنا الاقدمين الذين كانوا قادة ومؤثرين وكان المهاجرون ايضاً مؤثرين في المجتمعات والبلدان التي قدموا اليها، ومازال تاريخ الحضارم مُشرقاً في كافة البلدان التي وطأتها أقدامهم سواء في جنوب شرق آسيا او شرق افريقيا وكذلك نجاحاتهم الاقتصادية في المملكة العربية السعودية وغيرها من البلدان الأخرى،
فمن الذي أوصل دولنا ومجتمعاتنا الى التشرذم والتعصب المناطقي الأعمى وأصبحت طموحاتنا محدودة ونظرتنا قصيرة جداً وأصبحنا لا نرى الا ما هو تحت أقدامنا فقط فلهذا طغت العصبية واستعدنا من كتب وروايات التاريخ كل المفردات العصبية الجاهلية وبطريقة أسوأ مما كان عليه أولئك القوم لأنه كانت لديهم شيئا من النخوة والكرامة ونصرة المظلوم التي لم تعد موجودة لدينا على الاطلاق للأسف الشديد، وأصبح ينطبق علينا ما قاله شاعر الحرية العراقي المبدع احمد مطر:
أيها الناس قفا نبكي على هذا المآل رأسنا ضاع فلم نحزن و لكنا غرقنا في الجدال
عند فقدان النعال لا تلوموا نصف شبر عن صراط الصف مال فعلى آثاره يلهث أقزام طوال كلهم في ساعة الشدة آباء رغال
لا تلوموه
فكل الصف أمسى خارج الصف
وكل العنتريات قصور من رمال.
وحقيقة الأمر أننا نسينا ما قاله امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه (نحن قومٌ أعزّنا الله بالإسلام فاذا ابتغينا العزّةَ في غيره أذلّنا الله) وللأسف الواقع المعاش يؤكد أننا نسينا أسباب العزة وسرنا خلف من جزأنا وشرذمنا بينما هم متماسكون انظروا الى رأس الأفعى خمسون ولاية أمريكية او قل خمسون دولة تعيش تحت ظل دولة واحدة وهوية واحدة وننظر الى المركز الأم للمؤامرات والدسائس بريطانيا العظمى كم دولة وكم هوية تجمعوا تحت مسمى المملكة المتحدة وأيضاً الاتحاد الاوربي مثال حي.
وهنا أعود للسؤال الذي جعلته عنواناً لهذا المقال
(هل حضرموت من اليمن؟)
وهو عبارة عن بحث للشيخ الفاضل عمر ابوبكر باذيب الشبامي الحضرمي نزيل المدينة المنورة،
وقد تفضّل جزاه الله خيراً مشكوراً بإرساله إلي والذي كان رداً على من يقول ان حضرموت ليست من اليمن وسأضعه هنا استكمالاً لما نشر في الأسبوعين الماضيين، ونظراً لضيق مساحة العمود الأسبوعي في الصحيفة سأضطر الى تجزئته على أسبوعين وبعدها سأعود لبحث آخر أرسل الي من أحد الاخوة الأفاضل ربما يكون مخالفاً لما قاله الشيخ صالح باكرمان والشيخ عمر ابوبكر باذيب.
(كثر الكلام في هذه الآونة عن حضرموت الإقليم، وأنه إقليم مستقل، وليس له اتصال باليمن واستدلوا على ذلك بما ورد في سورة الأحقاف وان المسمّى الأصلي
لحضرموت انما هو (الأحقاف)، كما ورد في القرآن الكريم وأنها أرض عاد وأنّ قوم عاد هم أول الناس الذين سكنوا الأحقاف. وهو كون حضرموت ليست من اليمن كلام غير صحيح وترده الشواهد التاريخية تقول المصادر التاريخية: إنه بعد الطوفان اجتمع أبناء نوح النبي عليه السلام في مكان قرب الجودي،
في منطقة باقردى الواقعة بين تركيا والعراق، وقد أطلق على هذا المكان اسم (قرية السبعين) نسبة إلى السبعين فرداً الذين كانوا في السفينة ثم تفرق أبناء نوح الثلاثة الذين هم أصل البشرية سام وحام، ويافث. قال الله سبحانه (وجعلنا ذريته هم الباقين)
وهنا سأتوقف عن استكمال بحث الشيخ عمر باذيب
(هل حضرموت من اليمن) على أمل أن نكمله الأسبوع القادم بإذن الله.
-->