زوال إسرائيل (5)

توفيق السامعي
الأحد ، ١٢ نوفمبر ٢٠٢٣ الساعة ١٠:٣٠ مساءً

الزوال عند بعض علماء اليهود

عقد كثير من المفكرين والسياسيين الصهاينة مقارنة بين مملكة الفرنجة والصليبيين حينما أقاموها في القدس في القرن العاشر، ووجهوا بدراسة أسباب اندثار المملكة ومشكلات الاستيطان والهجرة التي لاقاها الفرنجة ومحاولة فهم عوامل الإخفاق والفشل التي أودت بالكيان الفرنجي.. "ففي سبتمبر 1970م عقد إسحاق رابين وموشي ديان مقارنة بين ممالك الفرنجة والدولة الصهيونية حيث توصلا إلى أن الخطر الأساسي الذي يهدد (إسرائيل) هو تجميد الهجرة، وأن هذا الذي سيؤدي إلى اضمحلال الدولة بسبب عدم سريان دم جديد فيها"(عبدالوهاب المسيري (نهاية إسرائيل) الجزيرة نت – 8/4/2009م. ).

وعندما اندلعت انتفاضة الأقصى عام 2000م بدأت الهجرة العكسية في تزايد من (إسرائيل) إلى الإقامة في الولايات المتحدة وبريطانيا وعموم أوروبا، رغم أن الهجرة العكسية بدأت من الانتفاضة الأولى عام 1986م، وازدادت مع وصول الصواريخ العراقية عام 1991م التي كان يطلقها صدام على (إسرائيل)، ونظر كثير من اليهود أن تلك الصواريخ علامة على أن العرب قد يقومون في أية لحظة برمي (إسرائيل) في البحر، وكذلك الصواريخ اللبنانية في حرب تموز 2006، وكذلك صواريخ المقاومة في غزة منذ ظهورها عام 2009.

أخفقت كل الوسائل الدفاعية لإسرائيل في تحقيق الأمن الداخلي للشعوب اليهودية المستوطنة أرض فلسطين باسم إسرائيل، وبات الأمن الإسرائيلي الذي بني على أنه أكثر أمناً في العالم لجذب مزيد من المهاجرين اليهود والمستوطنين، بات في مهب الريح، وباتت المخاوف تساور اليهود داخل الأراضي الفلسطينية بعد أن بلغت صواريخ المقاومة قلب تلأبيب.

كشفت عملية #طوفان_الأقصى هشاشة كل النظريات والمقولات والبروبجاندا الصهيونية التي بنيت طيلة سبعة عقود ماضية، ويكرسها المسؤولون الإسرائيليون في الذهنية الإسرائيلية ودعاياتهم الانتخابية، وخلال يوم واحد، وبيد قلة قليلة من مقاومة بسيطة، انهارت كل تلك النظريات (الجيش الذي لا يقهر، وأمن إسرائيل).

مجدداً بدأت الهجرات الإسرائيلية العكسية من فلسطين إلى دول داعمة لإسرائيل، وقد رأينا بعض المسؤولين الإسرائيليين السابقين الكبار وعلى رأسهم ايهود باراك (رئيس الوزراء الأسبق) وغيرهم في مطار تلأبيب راحلين بحقائبهم.

لم تنفع القبة الحديدية هذه المرة في التصدي لصواريخ المقاومة، وتلك القبة تكلف الاقتصاد الإسرائيلي أثماناً باهظة؛ إذ يكلف الصاروخ الواحد للقبة ما يزيد عن مليون دولار، بينما لا يكلف صاروخ المقاومة ثلاثة آلاف دولار!

بما أن اليهود مهاجرون ومستوطنون أرض فلسطين جاؤوا من دول شتى يملكون جوازات وجنسيات مزدوجة، ظهر الأسرى والرهائن منهم في هذه الحرب يقولون إنهم من دول أخرى قدموا منها لإسرائيل للسياحة، وهذا محض كذب يعلمه الجميع.

لكن هذا الأمر بدا مؤشراً حقيقياً على هشاشة الاستيطان والذريعة التي سيستخدمها المستوطنون مع كل هجوم أو أسر فلسطيني لهم، مع أنهم مستوطنون مسلحون حكمهم حكم الجيش الإسرائيلي القاتل، ومؤشر على أن الهجرة في مخيلتهم لم تفارقهم.

"وعاد هاجس النهاية مرة أخرى بعد الحرب السادسة وبعد الصمود اللبناني العظيم في وجه الهمجية الإسرائيلية وبعد إبداع المقاومة اللبنانية، اكتشف الصهاينة حدود القوة ووصلوا إلى مشارف النهاية، وكما قال المثقف الإسرائيلي مشولمو رايخ: إن (إسرائيل) تركض من نصر إلى نصر حتى تصل إلى نهايتها المحتومة، فالانتصارات العسكرية لم تحقق شيئاً، لأن المقاومة مستمرة، ما يؤدي إلى ما سماه المؤرخ الإسرائيلي يعقوب تالمون "عقم الانتصار"(المصدر السابق).

ترى لو كان الدكتور المسيري حياً وشهد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة (عام 2009)..(وحربها اليوم على غزة 11-2023) ماذا كان سيقول؟ مقاومة بإمكانيات متواضعة تكسر الجيش الإسرائيلي العتيد وتصمد غزة المحاصرة 23 يوماً وهو ما لم تصمده أربع دول عربية بكامل قواتها وجيوشها في 6 أيام عام 1967م!

لقد جاء العدوان على غزة والانكسار الذليل للجيش الإسرائيلي بأكثر من دليل على إمكانية تحقيق النصر المبين عليه، وشاهدٌ على نهاية (إسرائيل) خاصة وأن صواريخ المقاومة المتواضعة أضحت تصل إلى تلأبيب وتدمر قلبها، وقذائفها تدمر دبابات إسرائيل!

 قال الحاخام أمعرون كوهين عضو جماعة "نيتوري كاتا" التي تؤمن بأن أي جهود لإيقاف العقاب الإلهي لليهود.. مصيرها الفشل، يقول: "أستطيع أن أرى اليوم الذي ستسقط فيه دولة (إسرائيل).. عندها  لن يذرف عليها أحد دمعة واحدة"(في محاضرة له بلندن حول زوال إسرائيل – قناة الجزيرة انترناشيونال).

واليهود الذين يخالفون الصهيونية في المبادئ والاعتقاد أكثر اليهود تشبثاً باعتقاد زوال الدولة الإسرائيلية كونها أساساً قامت مخالفة للشرع اليهودي ونصوصهم الدينية التي تحرم على اليهود العودة إلى فلسطين وإقامة الدولة اليهودية قبل مجيء مسيحهم المنتظر ومنهم الحاخام كوهين السابق ذكره، وأن مخالفتهم لتلك النصوص والشروط الدينية سيعاقبهم الله بفنائهم.

"وقد نقلت روت بلاو زوجة أحد كبار الحاخاميين في القُدس في كتابها الذي نشرته باللغة الفرنسية تحت عنوان "حراس المدينة" سنة 1978م وفي الصفحة 61، حيث نقلت عن التلمود: أن الله استحلف الشعب اليهودي قبل أن ينفيهم من الأرض المقدسة ثلاثة أيمان: 

أولاً: أن لا يعود إلى الأرض قبل المسيح في جماعات أو بالقوة.

ثانياً: أن لا يتمردوا على شعوب العالم.

ثالثاً: أن لا يحاول اليهود القتال من أجل تقصير مدة الشتات (ليعودوا قبل ظهور المسيح). 

وأن الله قد جعل عقوبة الذين ينقضون هذه الأيمان فقال: "وإذا لم تحافظوا على هذه الأيمان فسوف أبيح دماءكم كما أبحت دماء الغزلان في الغابات؛ وأن الله سيسحق جميع الأمم التي ستساعد شعب (إسرائيل) على تمرده"( ).

وهناك ما يشبه هذه الوصايا ويعضدها في التلمود، وجاءت مفصلة وخاصة في سفر الأحبار: "من: "أن الرب سيلقي السلام عليهم في الأرض إن حفظوا وصاياه"، كما جاء في الفقرات 3 – 6 من هذا السفر والفصل (26) من.. وأما إن لم يعملوا بجميع هذا الوصايا – الفقرة (25) ويبددهم فيما بين الأمم، ويجرد وراءهم السيف – الفقرة (33) ويبددهم بين الأمم، وتأكلهم أرض أعدائهم – الفقرة (38)"(أمريكا وإسرائيل- ص 108- للدكتور محمد معروف الدواليبي).

وفصّل روبرتسون في كتابه "الألفية الجديدة" 1990، شيئاً من نهاية (إسرائيل) "وانطلق من القناعة بأن (إسرائيل) سوف تفنى في الأيام الأخيرة قبل الدينونة؛ ولكن السيناريو الذي اقترحه كان أشدّ إثارة من أي نظير آخر في التراث المعمداني الأمريكي حول علاقة دولة (إسرائيل) بمجيء المخلّص: "هذه الأمّة الصغيرة القليلة العدد ستجد نفسها معزولة عن العالم. وعندها، كما جاء في التوراة، سوف يضرع اليهود إلى ذاك الذي انتبذوه على الدوام". لكنّ تدمير (إسرائيل) لن يتمّ إلا حين يثور الأمريكي المسيحي، ذات يوم، "ضدّ اليهود الكوزموبوليتيين الليبراليين والعلمانيين، الذين يطالبون بحرّية قصوى للبذاءة والبورنوغرافيا وقتل الجنين"(المصدر السابق). 

"وقال الحاخام "اسرائيل هيرش" الأب الروحي لحركة (ناطوري كارتا) اليهودية: إن كتب التوراة المقدسة لدى اليهود تتضمن نصوصا واضحة وصريحة تشير الى أن دولة الكيان الصهيوني ستنهار وتزول عن الوجود وتختفي في غضون سنوات قليلة.

وأوضح هيرش، في حديث صحفي نشر في عمان 21 مارس 2007م: "أن لدينا علامات ونبوءات تظهر قرب انتهاء دولة اسرائيل وأن هذه النهاية ستكون قريبة". 

وعبر الحاخام هيرش الذي يقيم في مدينة القدس المحتلة عن استنكاره للمجازر التي تقوم بها سلطات الصهاينة ضد سكان فلسطين، وقال: "إن جرائم الصهاينة ستجر عليهم الغضب الرباني في فترة قريبة"(صبحي حديدي: صحيفة القدس العربي – 12/6/2009م).

ولقد كان في كل مرة يتجمع فيها اليهود في دولة ويقيمون هيكلهم يأتي من يدمر ذلك الهيكل ويدمر كيانهم ودولتهم، مثلما حدث لهيكلهم الأول على أيدي البابليين وملكهم نبوخذ نصر أو بختنصر واقتادهم وملكهم أسرى لدولة بابل في العراق ولم يعودوا من الأسر إلا مع الملك الفارسي قورش، وما حدث لهيكلهم الثاني الذي دمره الرومان على يد إمبراطورهم قسطنطين الأول واقتادهم أسرى وعبيداً إلى مصر وبيزنطة وضم فلسطين إلى الإمبراطورية الرومانية. وهكذا إن هم وصلوا إلى بناء الهيكل الثالث فإن ذلك من أكبر علامات زوال دولتهم وملكهم.. وهو ما نأمل حدوثه قريباً –إن شاء الله- على أيدي المقاومة الإسلامية التي ستتوحد تحت راية واحدة، (وليتبروا ما على اليهود تتبيرا)، كما أخبرنا ربنا -جل وعلى- بذلك. .... يتبع

الحجر الصحفي في زمن الحوثي