زوال إسـرائيل (الحلقة الرابعة)

توفيق السامعي
الخميس ، ٠٩ نوفمبر ٢٠٢٣ الساعة ٠٨:٠٠ مساءً

 

 

 

الزوال عند المفكرين واليهود (4)

 

 

منذ أن بدأت فكرة توطين اليهود في فلسطين مع بداية إحياء التراث اليهودي في القرن الخامس عشر بعد ثورة الإصلاح الديني في أوروبا، وبداية استحضار النصوص والأفكار التوراتية للتوطين في (أرض الميعاد)؛ كان اليهود يدركون أن إقامة دولة لهم يعني قرب زوالهم وهلاكهم نهائياً - كما مر بنا - في ذكر معركة هرمجدون وكيفية إبادة ثلثيهم.

 

 

ومع قيام الدولة الإسرائيلية في عام 1948م زاد توطيد هذا الأمر (الزوال) في أفكار اليهود أنفسهم والعالم، باعتبار قيام الدولة تحقيق نبوءة توراتية. لكن هذه النبوءة تكتمل بعودة مسيحهم الكذاب ومن ثم إبادة ثلثيهم.

 

 

"وقد قال الكاتب العراقي والمفكر الإسلامي محمد أحمد الراشد أنه عندما أُعلن عن قيام دولة (إسرائيل) عام 1948م دخلت امرأة عجوز يهودية إلى عند أمه وهي تبكي.. فلما سألتها عن سبب بكائها وقد فرح اليهود بقيام دولتهم، فقالت: "إن قيام هذه الدولة سيكون سبباً في ذبح اليهود" ثم إنه سمعها تقول: سنبقى هذه الدولة 76 عاماً فقط"( ).

 

 

إن موضوع نهاية (إسرائيل) متجذر في الوجدان الصهيوني، فحتى قبل إنشاء الدولة أدرك الصهاينة أن المشروع الصهيوني مشروع مستحيل وأن الحلم الصهيوني سيتحول إلى كابوس. وبعد إنشاء الدولة وبعد أن حقق المستوطنون الصهاينة (النصر) على الجيوش العربية تصاعد هاجس النهاية.  ففي العام 1954م قال موشيه ديان، وزير الدفاع والخارجية الإسرائيلي، في جنازة صديق له قتله الفدائيون الفلسطينيون: "علينا أن نكون مستعدين ومسلحين، أن نكون أقوياء وقساة حتى لا يسقط السيف من قبضتنا وتنتهي الحياة. النهاية ماثلة دائماً في العقول، فالضحايا الذين طردوا من ديارهم تحولوا هم وأبناؤهم إلى فدائيين يقرعون الأبواب يطالبون بالأرض التي سلبت منهم"(الجزيرة نت – من مقال "نهاية إسرائيل" للكاتب والمفكر د: عبدالوهاب المسيري – بتاريخ 8/4/2009م. ).

 

 

و"في اجتماع مغلق في مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية في الأهرام، أخبرنا الجنرال الفرنسي أندريه بوفر، الذي قاد القوات الفرنسية في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، أي بعد انتهاء الحرب بعدة أيام، وبينما كانا يحلقان في سماء سيناء والقوات الإسرائيلية المنتصرة في طريق عودتها إلى (إسرائيل) بعد أن أنجزت مهمتها، قام الجنرال بوفر بتهنئة رابين على نصره العسكري، ففوجئ به يقول: "ولكن ماذا سيبقى من كل هذا؟! في الذروة أدرك الجنرال المنتصر حتمية الهوة والنهاية. ومع انتفاضة الأقصى عام 2000م تحدثت الصحف الإسرائيلية عدة مرات عن نهاية (إسرائيل) فقد نشرت جريدة يديعوت أحرونوت في 27 يناير 2002م مقالاً بعنوان (يشترون شققاً في الخارج تحسباً لليوم الأسود)، اليوم الذي لا يحب الإسرائيليون أن يفكروا فيه، أي نهاية (إسرائيل)"(الجزيرة نت – من مقال "نهاية إسرائيل" للكاتب والمفكر د: عبدالوهاب المسيري – بتاريخ 8/4/2009م.).

 

 

بل إن مجلة "نيوزويك" في 12 أبريل 2002، صدرت وقد حمل غلافها صورة نجمة (إسرائيل) وفي داخلها السؤال التالي (مستقبل إسرائيل: كيف سيتسنى لها البقاء؟)، وقد زادت المجلة الأمور إيضاحاً حين قالت: "هل ستبقى الدولة اليهودية على قيد الحياة؟ وبأي ثمن؟ وبأية هوية؟".

 

 

أما أبراهام بورج فيقول في مقال له في يديعوت أحرونوت في 29 أغسطس 2003م: "إن نهاية المشروع الصهيوني على عتبات أبوابنا، وهناك فرصة حقيقية لأن يكون جيلنا آخر الجيل الصهيوني"( المصدر السابق).

 

 

أتذكر أنني قرأت في إحدى الصحف ذات مرة مقولة لـ موشي دايان بعد احتلال القدس عام 1967م، بينما كان يحاور أحد الأسرى الفلسطينيين قال هذا الأسير: "إننا نجد في ديننا أن نهايتكم ستكون على أيدينا وسنذبحكم عن بكرة أبيكم"، فرد عليه ديان يومها وهو يقترب منه: "نعم.. ولكن ليس جيلكم وليس جيلنا سيكون ذلك عندما لا نكون متدينين، وعندما يكون جيلكم عدد المصلين في صلاة الفجر كعددهم في صلاة الجمعة"، والمقصود هنا صحوة دينية ملتزمة الكتاب والسنة.

 

 

"ثم أطل الموضوع برأسه مجدداً في مقال ليرون لندن في يديعوت أحرونوت في 27 نوفمبر 2003م بعنوان (عقارب الساعة تقترب من الصفر لدولة إسرائيل)، وجاء فيه: "في مؤتمر المنحة الاجتماعية الذي عقد هذا الأسبوع [5/4/2009]، علم أن معدلاً كبيراً من الإسرائيليين يشكون فيما إذا كانت الدولة ستبقى بعد 30 سنة.

 

 

وهذه المعطيات المقلقة تدل على أن عقارب الساعة تقرب من الساعة 12.(أي خط النهاية). وهذا هو السبب في كثرة الخطط السياسية التي تولد خارج الرحم العاقر للسلطة"(المصدر السابق).

 

 

أمر زوال (إسرائيل) لم يكن فقط أمنية المغلوبين والمنكوبين الفلسطينيين، ولكنه هاجس الإسرائيليين أنفسهم أينما كانوا، بل وحتى الدوائر الغربية والمعتقدات الأخرى. ولذلك يحاول الغرب الداعم للمشروع الصهيوني في المنطقة حماية هذا الكيان بكل إمكاناته كونه يمثل رأس المشروع الصليبي الجديد ويمده بكل أسباب القوة عسكريا وسياسيا وماليا، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم نفسه وأكد عليه (وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا) الإسراء 6.

 

 

هناك بعض الطوائف اليهودية تعارض قيام دولة لإسرائيل باعتبارها ضد إرادة الله ومحاربة له لأنه قضى عليهم عقوبة أبدية لا بد أن يتطهروا منها، وأنه لا يجوز عندهم إقامة دولة قبل مجيء المسيح (الدجال).

 

 

ومن هذه الحركات والطوائف التي تعارض قيام دولة لليهود، وتعارض الصهيونية العالمية:

 

 

1- الحركة (الحريدية)، وعلى عضو هذه الحركة أن يلتزم بالأسس الثمانية عشرة التي تعتبر دستور الطائفة، وهي: الإنصياع لأوامر حاخامية ومحكمة الطائفة، ومعارضة الصهيونية ومقاطعة نشاطات الدولة وعدم المشاركة في انتخابات الكنيسيت أو الانتخابات البلدية؛ والإيمان القاطع بأن إقامة الدولة الصهيونية – قبل قدوم المسيح- إنما هو عقاب من الله، وأن الكنيسيت تدنيس لأوامر الله وإهانة للتوراة لأن قوانينها تتناقض مع شريعة موسى...إلخ" (  - الدين والسياسة في إسرائيل – ص521- مصدر سابق.

 ).

 

 

2- حركة (حراس المدينة): ناطوري كارتا: وتضم هذه الحركة معظم يهود العالم الذين يرفضون الصهيونية ويعارضون الدولة، ويقدر عددهم –حسب مصادر الحركة ذاتها- بأكثر من نصف مليون نسمة في الخارج، وعشرات الآلاف في (إسرائيل)، فيما تؤكد مصادر أخرى أن عددهم لا يتجاوز بضعة آلاف في (إسرائيل). تتمحور عقيدة هذه الحركة في عدم الاعتراف بالصهيونية ومقاطعة الدولة بشكل نهائي.

 

 

إن الصهيونية- في عقيدة هذه الحركة- مروق من الدين، لأنها أقامت دولة لليهود، وتعمل على جمع المنفيين، وهذان أمران من شان المسيح المخلص الذي سيرسله الرب إلى اليهود، لذا فالدولة – في نظر أتباع هذه الحركة- ثمرة المروق من الدين وانتهاك التوراة، لأنها قامت على أيدي نفر من الكافرين الذين تمردوا على مشيئة الإله، وهي خيانة للشعب اليهودي الذي تأسس كجماعة دينية في سيناء (لا في أرض الميعاد)"( ).

 

 

"ويلخص الحاخام "موشيه هيرش" –سكرتير الطائفة للشؤون الخارجية- موقف الحركة من الصهيونية ومن الدولة في مقال نشره في صحيفة "الواشنطن بوست" في مطلع اكتوبر 1978 بقوله: "إن الصهيونية تتعارض تعارضاً كاملاً مع اليهودية، فالصهيونية تريد أن تُعرّف الشعب اليهودي باعتباره وحدة قومية، وهذه هرطقة، فقد تلقى اليهود الرسالة من الرب، لا لكي يفرضوا عودتهم إلى الأرض المقدسة ضد إرادة سكانها، فإن فعلوا ذلك فإنهم يتحملون نتائج فعلتهم، والتلمود يقول: (إن هذا الانتهاك سوف يجعل من لحمكم فريسة للسباع في الغابة)، وأن المذبحة الكبرى ستكون نتيجة من نتائج الصهيونية"( ). 

 

 

3-حركة حباد الحسيدية: تخوض هذه الحركة صراعات عنيفة مع التيارات اليهودية الأخرى في الولايات المتحدة خاصة المؤيدة للصهيونية و(إسرائيل)، لكنها تراجعت عن مقارعة الصهيونية و(إسرائيل) وأصبحوا يعترفون بها.

 

 

بعض اليهود يتنبأون بزوال الدولة بعد 80 عاماً من إقامتها، ويشكل لهم هذا الرقم فوبيا ورعباً، وهي عقدة العقد الثمانين التي أشار إليها الناطق الرسمي باسم كتائب القسام أبو عبيدة، في موجزه العسكري.

 

 

هناك تقرير صدر مؤخراً جهاز المخابرات الأمريكي الـ(CIA) يشكك حول قدرة (إسرائيل) على البقاء خلال العشرين عاماً المقبلة. "وكشف المحامي الدولي فرانكلين لامب في مقابلة مع "برس.تي.في" أن هناك أكثر من نصف مليون من الإسرائيليين يحملون جوازات سفر أمريكية: وأكثر من 3 آلاف آخرين يعيشون في محيط كاليفورنيا وحدها. وقال إن أولئك الذين لا يملكون جوازات سفر أمريكية أو غربية، قاموا فعلاً بتقديم طلبات للحصول عليها. وزاد أنه على يقين بأن عدداً لا يستهان به من الإسرائيليين اليوم باتوا على قناعة بأن المشروع الاستيطاني للاحتلال الإسرائيلي ساقط تاريخياً ولا يملك فرصة للاستمرار. وقال لامب إن تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية يتوقع لـ(إسرائيل) ذات المصير الذي واجهه كل من نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والاتحاد السوفييتي السابق".

 

 

وقد أفاض الدكتور عبدالوهاب المسيري في مسألة نهاية (إسرائيل) وقال: "إن (إسرائيل) تشعر اليوم بالورطة التاريخية التي ألقيت فيها على يد الغرب عندما وعدوهم بأنهم ذاهبون إلى أرض بلا شعب ولو وجدتم شعباً فسوف يباد. لكن (إسرائيل) اكتشفت أن الشعب الفلسطيني ليس كقبائل الهنود الحمر ولم ينخدع ولم يتنازل عن حقه".

 

 

وقال المسيري مؤلف "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية": "إن نهاية (إسرائيل) ليس أمراً من ابتكاري أو تفاؤلاً متزايداً مني، لكنه حقيقة تؤكدها الصحف الإسرائيلية والأبحاث والمقالات والدوريات وحتى النكبات والأغاني الصهيونية، الذين باتوا يتحدثون في الآونة الأخيرة عن زوال (إسرائيل) بأنه أمر قادم لا محالة". واستدل المسيري على رأيه بمقولة موشي يعلون رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق "بأن الشعب الإسرائيلي كخيوط العنكبوت الواهية"( إسلام أون لاين: 6/3/2008م. ).

 

 

ويعد التناقص الديموغرافي السكاني اليهودي من العوامل المهمة في اختفاء (إسرائيل) عن الوجود "ومن المعروف أن الفترة ما بين عامي 1967 و 1982م شهدت تناقص عدد يهود العالم مليوناً، فانخفض من 13.837.500 إلى 12.988.600 دون حدوث إبادة ودون حالة حرب أو أوبئة.

 

 

وقد تناقص عددهم لمركب من الأسباب أدى إلى ما يسمى "موت الشعب اليهودي"(الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ: د. عبدالوهاب المسيري – ص116. ).

 

 

وقد كان وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق جورج مارشال أول من تنبأ بخطر القنبلة الديموغرافية على (إسرائيل) عند قيامها عام 1948م، "ولذا قال الرئيس الأمريكي هاري ترومان يومها "إن الاعتراف الأمريكي بـ(إسرائيل) سيؤدي إلى إلحاق أضرار قد لا يكون ممكناً إصلاحها بعد ذلك وربما للأبد في علاقات أمريكا بالعالم العربي. ورأي مارشال: أن ذلك الاعتراف يتناقض مع الحقائق الديموغرافية بين العرب و(إسرائيل)، وأن وجود ملايين قليلة من اليهود في وسط بحر من عشرات الملايين من العرب لن يؤدي سوى لنتيجة سوف تحزن أمريكا، وهي أن العرب سيقومون بإلقاء اليهود في البحر في نهاية المطاف"( بول كيندي: العربية نت – 24/10/2007م. ).

الحجر الصحفي في زمن الحوثي