خواطر في الذكرى السابعة لاستشهاد الشدادي

موسى المقطري
السبت ، ٠٧ اكتوبر ٢٠٢٣ الساعة ٠٢:١١ صباحاً

 

ما إن يمر بك اسم "الفريق الركن عبدالرب الشدادي" إلا ينتقل ذهنك مباشرة الى الأيام الأولى لانطلاق مشروع مقاومة الانقلاب الحوثي ، وفيها يتواجد الشدادي مع ثلة من الرفاق المؤمنين بأهمية الحفاظ على الشرف العسكري  وضرورة الانحياز إلى صف الوطن وايقاف تغول المليشيات الحوثية الانقلابية التي تخيلت في لحظة زهو كاذب وانتفاشة خادعة أن لاشئ يحول بينها وبين تحقيق حلمها باستعادة مشروع الإمامة المقيت ، ولم يكن في حسبانها أن حفيد "القردعي" سيسلك نهجه ، وأن وطناً كاليمن المجبول ابنائه على الحرية لا ولن يستكين في وجه الإمامة الجديدة ، فانتفض "الشدادي" ورفاقه من شرفاء الجيش وأحرار المقاومة الشعبية ليعلنوا الانطلاقة العظيمة لصد هذا الانقلاب وتحطيم أحلامه .

كان للبلد جيشاً بكل سلاحه ورجاله وعتاده - أو كنا كذلك نعتقد - لكنا استفقنا على حقيقة مُرّة مختصرها ذاك الجيش كمؤسسة لا يمت للوطن بصلة ، وفي لحظة المواجهة مع الانقلاب الحوثي تلاشى وتحول غالبه انقلابياً في خيانة واضحة للجمهورية ، لكن الشرفاء الذين يدركون المعنى الحقيقي للشرف العسكري أبو أن يسيروا مع الركب ويسبحون مع التيار ، وذهبوا في مخاطرة عجيبة ومهمة تكاد تكون انتحارية لبناء جيش جديد لا يوالي شخصاً ولا أسرة بل وطناً كبيراً عظيماً تحلو لأجله التضحيات ، وهنا كان "الشدادي" الفارس الأول والرقم الاصعب فحمل على عاتقه هذه المهمة في وقتٍ كانت كل الظروف والأحداث تسير بالاتجاه المعاكس لهذا الهدف السامي ، ومع تقدم الأيام بدأت ملامح ظهور الجيش الوطني تبدو واضحةً جلية وبدأت جهود "الشدادي" ورفاقه تؤتي أكلها ، وتشكلت المناطق العسكرية والألوية والكتائب بعقيدة عسكرية جديدة وهمة وطنية فريدة .

لم يكن هذا الحدث هو بداية التاريخ العسكري للشدادي بل هو حلقة في سلسلة طويلة من الاحداث التي تظهر جلياً اعتزاز الرجل بشرفه العسكري والحرص على عدم تلويثه ، ولعلي هنا اسوق ما يؤكد هذا المنحى فخلال خدمته العسكرية في معسكر خالد بتعز في حقبة الثمانينات قرر عدم التماهي مع عصابات التهريب التي تنشط هناك ، ورفض أوامر عسكرية كانت تتصادم مع المصلحة الوطنية وتخدم هوامير التهريب فأحالوه إلى المحاكمة وسجنوه وحكموا عليه بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى! ثم خُفف الحكم الى الفصل من القوات المسلحة ليستوعبه لاحقاً "القائد على محسن" ضمن قوام الفرقة الأولى مدرع .

وبحسب ما يذكر زملائه فمع انطلاق ثورة الشباب 2011م استدعت وزارة الدفاع وقتها الشدادي وكلفته بنقل كتيبتين من اللواء 72حرس جمهوري إلى العاصمة صنعاء في إطار مساعيها لمواجهة الثوار الشباب وفض اعتصامهم ، لكنه اختار عصيان هذه الأوامر وانحاز للثوار وفضل عدم تلويث شرفه العسكري وزد على ذلك أن قرر المشاركة في حمايتهم من المعتدين والانحياز لمطالبهم في التغيير السلمي . 

اختار "الشدادي" الوقوف في صف الوطن في كل المحطات التي كان جزء منها ، وظل وفياً لهذا الاختيار الصعب في أحلك الظروف ، وحين اطلت الإمامة الجديدة بوجهها البائس حمل بندقيته لحربها ، وله معها ثأر قديم فوالده قاسم أحمد عبدربه الشدادي وعددا من إخوته استشهدوا وهو في الخامسة من عمره في حرب  الملكيين على الجمهورية الوليدة في الستينات ، وفي صرواح التي سبقه إليها القائد السبتمبري "علي عبدالمغني" رابط في الصفوف الأولى مع جنوده كعادة القادة العظام الذين الذين يديرون المعارك من وسط غبارها ، وارتقى شهيداً مجيداً لم يتلوث شرفه العسكري يوماً ولم يسمع أو يطيع إلا لداعي الوطن دون سواه . 

لم يكن الشدادي فرداً ينتهي دوره ودروسه برحيله ، بل مثل مدرسة وطنية في العسكرية اليمنية التي تحترم شرفها وقسمها العسكري ، وتنحاز للشعب وتضحي من أجله، وهذه القيم والبصمات أصبحت متداولة ومسكونة في أذهان اليمنيين الذين يعرفونه ويقدرونه ، وسيظل تاريخه نبراساً يهتدي به كل الشرفاء في طريق الحرية ومقاومة الإمامة ومخلفاتها وهاهي الأحداث تؤكد أن من صنعهم الشدادي بيده سيسقِطون هذا المشروع ويرمون به إلى مزبلة التاريخ ذليلاً مهاناً كما فعل الثوار الاوائل من قبل .

دمتم سالمين .

الحجر الصحفي في زمن الحوثي