لماذا حسم معاوية المعركة لصالحه.. قراءة في موازين القوة بين علي ومعاوية (7)

توفيق السامعي
الأحد ، ١٣ أغسطس ٢٠٢٣ الساعة ٠١:٤٦ مساءً

 

خامساً: وهي القاصمة.. استقالة رئيس وزراء علي وابن عمه

على الرغم من أن عبدالله بن عباس كان ابن عم علي -رضي الله عنهما-، ومن المناصرين له المشاورين له أيضاً، وهو أهم عمود في دولة علي بعد علي؛ فهو يعتبر الرجل الثاني في الدولة، وهو البنك المركزي لدولة علي وبمثابة رئيس الوزراء أو وزير المالية، إلا أنه خذل علياً في اللحظة الحاسمة، وقدم استقالته وانسحب من صفوفه في أكثر الأوقات حرجاً، ومثل انسحابه من صف علي أكبر ضربة قاصمة لدولة علي، وعلى ما يبدو من خلال الأسباب التي ساقتها بعض الروايات لذلك فقد نفهم أنه ربما كان ينتظر أدنى سبب، أو مأخذاً من طرف علي لينسحب من صفوفه، فكان يبدو أنه مل من الوقوف إلى جانبه وعدم استماعه إلى نصحه ومشاوراته وخططه، وتطويل الحروب في الأساس يؤدي إلى الملل والتذمر واليأس والكسل والاسترخاء يريد الجميع معها الخلاص من حالة الحرب إلى حالة الاستقرار.

ولكم أن تتخيلوا رئيس وزراء دولة في حالة التأسيس وشدة المعارك يستقيل ولا يكتفي بالاستقالة وإنما يأخذ بعض الأموال معه التي تمثل عمود المعركة ويستفيد منها أكبر قدر من الجيش!

فقد ذهب ابن عباس ببعض المال الذي كان يسند علي ويدعم جيشه ونفقته، واستقر بمكة، ولما رأى الناس ابن عمه ووزير خزانته انتهب جزءاً من المال مع أخواله، هب كثير من الناس إلى بيت المال وانتهبوها، وهذا يعتبر في مقاييس السياسات والتكتيك العسكري والحكومات هو القاصمة لأية جبهة؛ فكما لو كانت إشارة للآخرين بانتهاء عهد علي، ولم يلحق علي يلملم شتاته هذا حتى قام ينتدب أهل العراق للحرب فلم يخرج منهم أحد، ثم صادف ذلك مقتله على يد الخارجي عبدالرحمن بن ملجم. 

ففضلاً عن كون ابن عباس كان وزير خزانة علي وعمود اقتصاده، فقد كان يمثل مستشاره السياسي والحربي والديني كذلك، وهو ابن عمه قبل كل شيء، لذلك لم يكن خلافه مع علي شيئاً عادياً بل القاصمة التي قصمت ظهر دولة علي فعلاً.

فإذا كان القدوة والرجل الثاني بهذا الموقف مع علي فكيف بالبقية، وهنا يكون قدوة للكثير من الأتباع لخلخلة الصف وترك المعركة والتخلي عن القضية والمشروع والقائد.

لقد ترك ابن عباس خزانة علي شبه فارغة، وترك الجيش دون تمويل، وهذا أضعف علياً كثيراً، بل وجه له الضربة القاصمة لم يلبث بعدها إلا قليلاً حتى اغتاله عبدالرحمن بن ملجم من الخوارج.

يبدو فعل ابن عباس هذا كان مبرراً من وجهين؛ الأول: أن علياً لم يكن يأخذ برأيه قط ويتصلب عند موقفه مع أن كل الأحداث أثبتت صوابية آراء ابن عباس في كل شيء؛ فقد كان رجل كمن يرى الأحداث من وراء حجاب، ويتحقق كل ما يشير به على علي، ومع ذلك لم يأخذ علي الدرس من تحقق كل مشورات ابن عباس موقفاً بعد آخر وواقعة بعد أخرى.

أما الوجه الآخر: فقد اتهمه علي في أخذ مال الخزانة أو التصرف فيه بغير وجه حق، أو غمزه في أمانته، وهنا غضب ابن عباس وقد تراكمت عنده المبررات للترك وهو يرى خسارة علي ونهاية دولته على الأبواب فنجا بنفسه وتركه.

هناك إشارة خفيفة ونادرة تلمح إلى أن معاوية هو من حاك أمر الخلاف بين علي وابن عباس، كما فعل بالضبط بينه وبين قيس بن سعد بن عبادة، وأنه هو من زور رسالة إلى علي يذكر فيها أن ابن عباس يتلاعب بأموال الخزانة ويلمزه في أمانته، فأخذ علي من ذلك موقفاً من ابن عباس حتى تم الإيقاع بينهما. وبهذا الإيقاع يكون معاوية كسب موقفاً قوياً لنفسه وخلخل جبهة علي وضربها في مقتل.

ومع اغتيال علي من قبل الخوارج إلا أن الحقيقة تقول أنه لم يكن مستهدفاً وحده، بل كذلك معاوية، تأولاً منهم أنهم بقتل الاثنين سيخلصون الأمة من شرهما وخلافهما ووأد الفتنة وحقن الدماء، وهو الأمر الذي أدى إلى مقتل علي ونجاة معاوية، وكان حظ معاوية النجاة ليأخذ الخلافة  والولاية من أتباع علي.

حتى الحظ أو القدر كان واقفاً إلى جانب معاوية في هذا الأمر منذ البداية وحتى النهاية، فقد كان رجلاً يأخذ بسنن الحرب والنصر والواقع.

ما أشبه مواقف شرعيتنا اليوم من موقف علي، وموقف الحوثة مع موقف معاوية في جانب المكر والخديعة ووحدة القرار والأخذ بسنن النصر.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي