لماذا حسم معاوية المعركة لصالحه؟.. قراءة في موازين القوة بين علي ومعاوية (5)

توفيق السامعي
الاربعاء ، ٠٩ أغسطس ٢٠٢٣ الساعة ٠٥:٥١ مساءً

 

ثالثاً: جَلَد أهل الشام وتخاذل أهل العراق

من خلال قراءة الحالة العسكرية بين الطرفين؛ طرف أهل الشام مع معاوية، وطرف أهل العراق مع علي، لم يسجل المؤرخون حادثة ناهيك عن حوادث لأهل الشام أنهم تخلوا عن معاوية، أو تذمروا عليه، أو خذلوه، بل على العكس من ذلك تماماً فقد كانوا ملتفين حوله أيما التفاف، وتعاضدوا معه تعاضداً كبيراً، والقوم ليسوا أهل بيع وخذلان، وقد خبرهم معاوية منذ زمن بعيد حين تولى ولايتهم فقرب وأبعد، وأسس وألف واستقطب وجمع حوله أهل الرأي والمشورة والقوة، فقد كان رجلاً كثير المشورة رغم دهائه المعروف به، وكان لا يستنقص رأياً ولا يكتفي برأيه، بعكس علي -رضي الله عنه- الذي كان يكتفي برأيه ومشورته قليلة جداً.

هناك روايات قليلة تذكر بعض الانحيازات البسيطة من جيش معاوية لعلي بعد مقتل عمار بن ياسر على رواية "تقتلك الفئة الباغية" كعلامة من علامات أن معاوية لم يكن معه الحق في ذلك، رغم أن كثيراً من علماء الحديث يضعفون هذا الحديث، ولم يسعَ علي للاستقطاب منهم كما فعل معاوية مع أتباع علي. لقد مثل أهل الشام لمعاوية نواة صلبة يصعب إسقاطها أو اختراقها، وقد كانوا متحمسين بشكل قوي للقتال مع معاوية كما تقول الروايات أيضاً، وحتى شهد بذلك علي نفسه وهو يخاطب أتباعه ويقارنهم بهم، وهو الأمر الذي أدركه فيما بعد الحسن بن علي -رضي الله عنهما- وتصالح مع معاوية، ولم يدركه الحسين الذي دفع حياته ثمناً لتخاذل أهل العراق.

على الجانب الآخر فقد كان أهل العراق نكاثين عهود ومواثيق، خاذلين لأمرائهم، لا يتم الوثوق بهم؛ يستنهضهم علي فلا ينهضون، ويأمرهم فلا يأتمرون، لا يركن عليهم بمواقف، ويسهل بيعهم وشراؤهم من قبل من يدفع أكثر، كما فعلوا مع علي ومع الحسن ومع الحسين ومع زيد بن علي ومع غيرهم، فقد استنهضهم لمناصرة محمد بن أبي بكر حتى لا تسقط أهم إمارة في خلافته وهي مصر، فتركوه وسقطت مصر بيد عمرو بن العاص لصالح معاوية.

فقد كان علي -رضي الله عنه- قد ملهم وملوه، وتذمره منهم وتذمرهم منه، حتى إنه خاطبهم بالقول: "ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي، ما أنتم بركب يصال بكم، ولا ذي عز يعتصم إليه. لعمر الله لبئس حشاش الحرب أنتم!

إنكم تكادون ولا تكيدون، وينتقص أطرافكم ولا تتحامثون، ولا ينام عنكم وأنتم في غفلة ساهون، إن أخا الحرب اليقظان ذو عقل، وبات لذل من وادع، وغلب المتجادلون، والمغلوب مقهور ومسلوب..." إلخ. (تاريخ الطبري: صـ874، وكذلك  نهج البلاغة).

فقد كان علي - رضي الله عنه - كلما أمر أتباعه بأمر، وكلما ندبهم إلى أمر، أو استحثهم إلى حرب كانوا يتثاقلون إلى الأرض، ولا يلبون دعوته، بل ويخالفون أوامره في أحيان كثيرة. ولم يجد له من المخلصين، وخاصة من القادة سوى عمار بن ياسر والخارجي قاتل عثمان بشر بن كنانة التيجيبي، والقعقاع بن عمرو، والأشتر النخعي إلى حد لا بأس به، وابن عباس في معظم أيامه، قبل أن يوجه له ولخلافته الضربة القاضية في نهاية الأمر.

يقارن علي بين أتباعه وأتباع معاوية فتصيبه الحسرة على ذلك، فيقول لهم: "أوليس عجباً أن معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه على غير عطاء ولا معونة، ويجيبونه في السنة المرتين والثلاث إلى أي وجه شاء، وأنا أدعوكم – وأنتم أولو النهي وبقية الناس- على المعونة وطائفة منكم على العطاء، فتقومون عني وتعصونني، وتختلفون علي؟!"( المصدر السابق: صـ881).

الحجر الصحفي في زمن الحوثي