لماذا حسم معاوية المعركة لصالحه؟.. قراءة في موازين القوة بين علي ومعاوية (4)

توفيق السامعي
الاثنين ، ٠٧ أغسطس ٢٠٢٣ الساعة ١٢:٤٨ مساءً

 

ثانياً: حالة الجيش بين علي ومعاوية

من المعلوم أن جيش المسلمين أثناء الفتنة كان مرابطاً في الثغور والأمصار التي فتحها المسلمون، ومنهم من كان بعيداً جداً، فمن ناحية تذكر بعض الروايات أن عثمان -رضي الله عنه- كتب إلى الأمصار مستنجداً بالجيوش لوأد الفتنة وتخليص المدينة من الانقلابيين، ومن ناحية أخرى تذكر روايات عكس ذلك تماماً أنه رفض الاستنجاد بهم لأنه لم يكن يتصور أن يصل الأمر إلى ما وصلت إليه، بينما هناك روايات ثالثة تقول إن الرسل الذين أرسلهم إلى الولايات تم كشفهم من قبل المتمردين والتقطع لهم ولم يصلوا وجهتهم، وبذلك أفشل المتمردون خطة عثمان في الاستنجاد بأمراء الأمصار، وسنجد مثل هذا الأمر حتى في عهد علي وهو يرسل الأمراء لبعض الولايات يتم التقطع لهم وردهم عن البلوغ إلى غاياتهم من ذات الأيادي التي تلعب بالأحداث وتديرها من تحت الطاولة، واستطاع قيس بن عبادة –بدهائه- الاحتيال عليهم والوصول إلى ولايته مصر التي ولاها إياه علي.

ما أريد توضيحه في هذه النقطة هو أن الجيش الإسلامي النظامي والمهني كمؤسسة بقي على الحياد من صراع الطرفين، ما عدا جيش ولاية الشام التي يسيطر عليها معاوية، فقد كان معه 100%، وكان مخلصاً له أشد الإخلاص، وزاد أن تعزز هذا الجيش وهذا الفريق من عدة أوجه وروافد، وهي: الساخطين على الانقلابيين من سكان المدينة ومكة الذين ساءهم مقتل خليفتهم بتلك الطريقة، ووجدوا أن أمراء الفتنة والانقلاب في جيش علي فأخذت نقطة ضد علي، فلحقوا بمعاوية بالشام كونه وليه المطالب بدمه، وكذلك المتعاطفون مع عثمان الذين كان له يد عليهم كأمثال عبيدالله بن عمر بن الخطاب وغيره، وعمرو بن العاص الذي ساءه خروج ولاية مصر من يده سواء كما قيل عزله من عثمان آخر عهده، أو من بعض الروايات التي تقول إن علياً هو من عزله، أو أشار على عثمان بعزله، فلحق بمعاوية بالشام، فكان الداهية الثاني في صف معاوية، واجتماع داهيتين أو أكثر في فريق واحد له تأثير كبير في تسيير دفة القيادة بحكمة وحنكة سياسية.

لم يكن مع علي سوى الانقلابيين، أو جيش من المتطوعين المتعاطفين معه، مثلما نطلق عليهم اليوم "المقاومة الشعبية"، وهؤلاء تأثيرهم وقتالهم يكون أقل حدة من جيش نظامي مدرب خبر المعارك، وإن كان العرب كلهم مقاتلين إلا أن هناك فترة استراحة واسترخاء لم يكونوا محاربين فيها خاصة بعد تعيين الدواوين ومأسسة الجيش وتنظيمه وإجراء الرواتب الشهرية أو السنوية عليهم.

أهم نقطة لصالح معاوية تمثلت في أن مقاومته كانت نواة صلبة يصعب اختراقها، وكلها على رأي واحد دون نزاع أو تذمر بعكس مقاومة علي، وقد كان معاوية مع ذلك أيضاً ينحت من جيش علي بشكل مستمر ويغريهم ويستقطب الكثير منهم سواء كانوا جماعات أو فرادى، وهذه النقطة في المعارك والحروب هامة جداً؛ فهي تمثل ضعفاً للطرف المنحاز منه وقوة للطرف المنحاز إليه.

ظل معاوية يعبئ جيشه وأتباعه فيما يعرف في الجيوش بالتوجيه المعنوي، الذي هو الدافع لأي جيش في القتال، وهو ما يسميه العسكريون العقيدة القتالية، أو العقيدة العسكرية، فقام من دهائه أن يلبس منبر دمشق قميص عثمان، وقيل إنه علق أصابع نائلة زوجة عثمان التي بترت أثناء الدفاع عنه بسيف بشر التجيبي أو أحد قتلة عثمان على ذلك القميص فوق المنبر، وجعل الناس يبكون تحت القميص وهو يعبئ الروح القتالية لديهم حتى يستثيرهم ضد علي، كالتعبئة الإعلامية اليوم أيضاً، ولم يرفع أية مطالب أخرى غير القصاص؛ لأنه لو رفع مطالب أخرى ستكون حجة ضعيفة وسيقيمها الناس عليه ويسلبونه إياها.

وبعد ثلاثة أشهر من تولي علي الخلافة جاءه رسول معاوية بعد ثلاثة أشهر من انتظار مبايعته، جادله الرسول كثيراً متحدثاً بلسان معاوية، فكان مستفزاً ومتحدياً، وهو ما كان يريده معاوية من علي، فقال الرسول لعلي: "إني تركت ورائي قوماً لا يرضون إلا بالقود [القصاص]، قال علي: ممن؟، قال: من خيط رقبتك. وتركت ستين ألف شيخ تبكي تحت قميص عثمان وهو منصوب لهم قد ألبسوه منبر دمشق. قال: "أمني يطلبون دم عثمان؟! ألست موتوراً كتِرَةِ عثمان؟! اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان. نجا والله قتلة عثمان إلا أن يشاء الله، فإنه إذا أراد أمراً أصابه"(الكامل: لابن الأثير – ج3/ صـ94، تاريخ الطبري: ج4/444). 

على الطرف الآخر كان علي بالكاد يستحث أتباعه، ويستنهضهم فيتثاقلون وليس لهم أية عقيدة يقاتلون من أجلها، سوى نصرة علي على استحياء وتثاقل، وهذا في الجيوش عامل ضعف لا عامل قوة، ولذلك تمردوا على علي وتخلوا عنه، وثبت أهل الشام واستقووا.

القادة والعسكر والأتباع حينما يرون قيادتهم السياسية صلبة وتستخدم طل وسيلة للنصر يثبتون معها ولو كانت على باطل، وتعطيهم دافعاً معنوياً للثبات والاستمرار، بينما إذا رأت تراجعاً وضعفاً تتسلل جماعات وفرادى وتنحاز للطرف الأقوى مهما كانت شرعيته باطلة ومبادئه ضعيفة وخاطئة، كما فعلت القوى السياسية والقبائل اليمنية اليوم مثلاً مع الحوثية والشرعية سواء بسواء.

وهنا سنجد مقولة لعمرو بن العاص يثبت كل هذا الكلام؛ فقد كان له ولدان؛ الكبير عبدالله ذو صلاح ودين وهو من رواة الحديث، يحث أباه على ترك الفتنة ومعاوية، وكان ابنه الثاني محمد على نهج أبيه في طلب الدنيا والجاه والحظوة، فاستشارهما في الأمر. فقال عبدالله: "توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض، وتوفي أبو بكر وهو عنك راضٍ، وتوفي عمر وهو عنك راضٍ، أرى أن تكف يدك وتجلس في بيتك حتى يجتمع الناس على إمام فتبايعه. وقال محمد: أنت ناب من أنياب العرب، فلا أرى أن يجتمع هذا الأمر وليس لك فيه صوت ولا ذِكر.

قال عمرو: أما أنت ياعبدالله فأمرتني بالذي هو خير لي في آخرتي، وأسلم في ديني، وأما أنت يامحمد فأمرتني بالذي هو أنبه لي في دنياي وشر لي في آخرتي، ثم خرج عمرو ومعه ابناه إلى الشام وقدم على معاوية" ، فاختار عمرو صف معاوية.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي