الرئيسية > تقارير وحوارات > جبهة يافع.. الحوثيون يحركون بيادقهم في لعبة خطيرة

جبهة يافع.. الحوثيون يحركون بيادقهم في لعبة خطيرة

" class="main-news-image img

 

 

 

 

في تطور يثير تساؤلات حول الأولويات الاستراتيجية لجماعة الحوثيين، عمدت الأخيرة إلى فتح جبهة قتال جديدة في منطقة الحد بيافع، وهي منطقة لا تكتسب أهمية استراتيجية قصوى في ميزان الصراع اليمني، ولا تشكل نقطة انطلاق منطقية نحو مناطق الثروات النفطية. يأتي هذا التحرك العسكري المفاجئ في ظل أزمة مشتقات نفطية خانقة وغير مسبوقة تضرب مناطق سيطرة الحوثيين في الشمال، وذلك بعد فترة وجيزة من انتظام نسبي في تدفق هذه المواد عبر ميناء الحديدة.

 

تعطيل آلية أممية وتصعيد متعمد للأزمة

تكشف خيوط الأحداث عن أن الأزمة الحالية بدأت بشرارة حوثية، حيث عمدت الجماعة إلى عرقلة عمل الآلية الأممية المتفق عليها لتفتيش شحنات الوقود والبضائع المتجهة إلى موانئ الحديدة. وتعتبر هذه الآلية، التي تشرف عليها الأمم المتحدة، ضرورية لضمان شفافية الواردات ومنع استغلالها في عمليات غير قانونية أو لتمويل أنشطة تهدد الأمن الإقليمي والدولي. وبمنع المستوردين من تقديم الوثائق اللازمة وفقاً لهذه الآلية، تسبب الحوثيون في تكدس السفن قبالة السواحل اليمنية وتأخير وصول المشتقات الحيوية إلى الأسواق المحلية.

ورغم محاولات التهدئة والوساطات الدولية التي أثمرت عن سماح الحكومة الشرعية بدخول بعض السفن المحتجزة "استثناءً" بهدف الحفاظ على الهدنة الهشة آنذاك، عاد الحوثيون إلى مربع التصعيد مع اقتراب موعد تجديد الهدنة. وفرضت الجماعة اشتراطات جديدة وغير منطقية، ما أدى في نهاية المطاف إلى انهيار جهود التمديد ودخول البلاد في مرحلة جديدة من عدم الاستقرار.

 

استراتيجية الحصار المعاكس ومنع الإمدادات عبر الجنوب

تشير المعطيات إلى أن الحوثيين يتبنون استراتيجية "حصار معاكس" تهدف إلى الضغط على الحكومة الشرعية والمجتمع الدولي من خلال خلق أزمات إنسانية مفتعلة. فبالتوازي مع تعطيل تدفق الواردات عبر الحديدة، عمدت الجماعة في أغسطس الماضي إلى ممارسة ضغوط على التجار وشركات النقل في مناطق سيطرتها لمنعهم من استيراد أي بضائع أو مشتقات نفطية عبر ميناء عدن، وتحذيرهم من مغبة التعامل مع الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً.

وبعد فشل تجديد الهدنة، اتخذ الحوثيون خطوات تصعيدية أخرى، حيث أصدروا تعميمًا في أكتوبر 2022 لشركات النقل البحري بمنع نقل أي شحنات مرتبطة بالنفط والغاز والمعادن القادمة من ميناء عدن مرورًا بمحافظة لحج ويافع باتجاه المحافظات الشمالية. وردًا على هذا التعميم، أصدرت الهيئة العامة للشؤون البحرية التابعة للحكومة في عدن تعميمًا مضادًا، لكن الرد الحوثي جاء سريعًا وعنيفًل بتحريك قواتها نحو جبهة الحد يافع، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات هدفها المعلن هو قطع طريق الإمدادات الحيوية القادمة من عدن إلى مناطق الشمال عبر محافظة البيضاء.

 

يافع.. جبهة للابتزاز الإنساني وتحقيق مكاسب تفاوضية

يرى محللون عسكريون وسياسيون أن تحريك جبهة يافع في هذا التوقيت الحساس لا يخدم أي هدف استراتيجي عسكري للحوثيين، بل يندرج في إطار محاولات الجماعة لتحسين موقعها التفاوضي عبر استغلال الوضع الإنساني المتدهور كورقة ضغط على الحكومة الشرعية والمجتمع الدولي حسب الإستقصائي وائل البديري. 

هذا وتعتبر هذه الممارسة نمطًا ثابتًا للجماعة في أعقاب كل جولة من جولات التصعيد أو الهدن، حيث تسعى لانتزاع مكاسب سياسية واقتصادية لم تتمكن من تحقيقها عبر العمليات العسكرية.

ويبدو أن الهدف الأسمى للحوثيين في هذه الجولة هو التخلص من قيود التفتيش المفروضة على السفن المتجهة إلى ميناء الحديدة من قبل سفن التحالف وفريق آلية التفتيش الأممية في جيبوتي. وتعتبر هذه الآلية بمثابة "عقبة" أمام تدفق بعض الشحنات التي قد تكون مخالفة للقرارات الدولية أو مرتبطة بأنشطة غير مشروعة.

 

تجاهل التداعيات الإنسانية ومغامرة غير محسوبة العواقب

تشير مصادر محلية إلى حالة من الاستياء الشعبي المتزايد في مناطق سيطرة الحوثيين جراء الأزمات المتكررة التي تخلقها الجماعة. ومع ذلك، يبدو أن قيادة الحوثيين لا تولي اهتمامًا كبيرًا للتداعيات الإنسانية الناجمة عن سياساتها، بل تعتبرها ثمنًا مقبولًا في سبيل تحقيق أهدافها الخاصة. وتؤكد هذه المصادر أن الجماعة "ما عندها مانع تدخل البلاد في موجة من الأزمات وتبعاتها من ارتفاع أسعار المنتجات والخدمات إلى أجل غير مسمى، حتى تعود الواردات إلى موانئ الحديدة التي دمروها بغبائهم".

 

تحديات لوجستية وأمنية في ميناء الحديدة المدمر

على الرغم من إعلان شركة النفط التابعة للحوثيين في صنعاء عن "جاهزية" ميناء الحديدة لاستقبال وتفريغ الناقلات، يرى خبراء في الشأن الاقتصادي أن هذا الإعلان يتجاهل الحقائق على الأرض. فقد تعرضت البنية التحتية للميناء لضربات جوية متكررة خلال سنوات الصراع، ما أدى إلى تضرر الأرصفة والمعدات بشكل كبير. وحتى في حال تمكنت بعض السفن من الرسو، فإن عمليات التفريغ ستكون بطيئة ومكلفة، خاصة بالنسبة لناقلات النفط التي قد تضطر إلى اللجوء إلى طرق بدائية وغير آمنة للتفريغ المباشر إلى الشاحنات. أما بالنسبة لسفن الحاويات والبضائع، فإن الاعتماد على الرافعات الذاتية للسفن يتطلب أرصفة سليمة وقادرة على استيعاب هذه العمليات.

 

ضربات جوية محتملة تزيد من تعقيد المشهد

وفي تطور يثير مزيدًا من القلق، تشير تقارير إلى أن الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة استهدفت مناطق في محيط ميناء الحديدة ورأس عيسى، ما يزيد من المخاوف بشأن سلامة البنية التحتية المتبقية وقدرة الميناء على استقبال السفن في المستقبل القريب. وفي حال تضرر الميناء بشكل كبير، فإن إصرار الحوثيين على حصر الواردات عبره سيزيد من معاناة السكان في مناطق سيطرتهم ويقود إلى كارثة إنسانية محتملة.

 

الحكومة تحذر وتعلن عن بدائل

في المقابل، أعلنت الحكومة اليمنية عن جاهزية الموانئ في المناطق المحررة لاستقبال كافة أنواع الشحنات المتجهة إلى مختلف أنحاء البلاد، وحذرت المستوردين من مغبة التعامل مع الموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثيين، منبهة إياهم من إمكانية تعرضهم لعقوبات دولية.

 

فصل جديد 

يبدو أن تحريك جبهة يافع في هذا التوقيت الحساس يمثل فصلًا جديدًا في استراتيجية الحوثيين القائمة على استغلال الأزمات الإنسانية لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية. وبينما يدفع المدنيون في مناطق سيطرتهم ثمنًا باهظًا جراء هذه السياسات، يصر الحوثيون على المضي قدمًا في مغامراتهم غير محسوبة العواقب، متجاهلين التحذيرات المحلية والدولية وتداعيات أفعالهم على مستقبل اليمن واستقراره. ويبقى السؤال: إلى متى سيستمر هذا النهج الذي يضع مصالح الجماعة فوق مصلحة الشعب اليمني؟! واين دور الشرعية من كل ما يحدث بحق الجحيم؟!


الحجر الصحفي في زمن الحوثي