الرئيسية > عربية ودولية > لماذا يجب فصل الدين عن السياسة؟

لماذا يجب فصل الدين عن السياسة؟

" class="main-news-image img

ساهم الدين والسياسة في تشكيل المجتمعات وأنظمة حكم الدول عبر التاريخ. لكن في عصرنا الراهن تحول النقاش من ربط الدين بالسياسة إلى تأثير الدين على القرارات السياسية.

 

ويرى البعض أن للدين دورًا مهمًا في القرارات السياسية، بينما يرى البعض الآخر أن السياسة يجب أن تكون منفصلة عن تأثير الدين.

 

وتقول مريم حبيب، وهي طالبة جامعية في دراسات السلام والصراع في جامعة الدفاع الوطني بإسلام أباد، في تقرير نشرته “مودرن بوليسي” إن “القيم والمعتقدات الدينية مهمة للأفراد، وتؤثر هذه القيم الدينية على قراراتهم السياسية، لكن هذه القرارات السياسية يمكن أن تكون لها نتائج سلبية”.

 

وترى حبيب أنه يجب فصل الدين عن السياسة، ويجب ألا تؤثر القيم الدينية لصانعي القرار على قراراتهم السياسية. وتشير إلى أن إحدى المزايا الرئيسية لاستبعاد التأثير الديني من عملية صنع القرار السياسي هي تعزيز التعددية في المجتمع.

 

واليوم في جميع البلدان تقريبًا مواطنون لديهم معتقدات دينية مختلفة؛ لذلك من المهم، لتحقيق التمثيل المتساوي لجميع المواطنين، أن يتم الفصل بين عملية صنع القرار السياسي والانتماءات الدينية.

 

وتواجه البلدان التي يؤثر فيها الدين على القرارات السياسية قضايا حقوق الإنسان. وفي الهند يستلهم حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم أيديولوجيا جماعة “RSS” المتطرفة والمستوحاة من الدين، والتي تبرز في تعاملاتها وقراراتها المتعلقة بالمسلمين في الهند.

 

وفي العديد من الولايات تستهدف القوانين المجتمع المسلم. ومثل هذه الإجراءات من قبل الحكومة تزيد الاستقطاب في المجتمع. وتقوض القرارات السياسية ذات الدوافع الدينية المبادئ الديمقراطية للتعددية والعدالة في المجتمع.

 

وعندما تتبنى حكومة ما نهجا شاملا يقوم على العلمانية، فإن مثل هذا النظام السياسي يمكن أن يوفر تمثيلا عادلا لجميع المجتمعات، بغض النظر عن انتماءاتها الدينية. وهو ما من شأنه أن يعزز المشاركة النشطة والتماسك الاجتماعي للمجتمع، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تعزيز القيم الديمقراطية في البلدان.

 

ولا ينبغي للدين أن يؤثر على القرارات السياسية لأنه يقوض المبادئ الديمقراطية، ولا يمكن للديمقراطية أن تزدهر في مجتمع تتخذ فيه القرارات السياسية على أساس الدين.

 

ويدل مثال العراق بعد الغزو الأميركي على أهمية الحكم العلماني في البلاد؛ فبعد التدخل الأميركي، عندما تمت صياغة دستور العراق الجديد، تقرر أن يكون رئيس مجلس النواب العراقي سنياً، ورئيس الوزراء شيعيا، والرئيس كرديا.

 

والنظام القائم على الانتماء الديني للشعب لا يمكن أن يزدهر في العراق، ولا تزال البلاد تواجه الاضطرابات السياسية والإرهاب. وتقوم الديمقراطية على مبدأ المساواة، وعندما لا يحصل المواطنون على فرص وحقوق متساوية، يتم تقويض أساس الديمقراطية.

 

ويجب ألا يتم اختيار الهياكل السياسية وأصحاب المناصب على أساس الدين. وعندما تكون الترقيات على أساس الانتماءات الدينية، فإن أصحاب القرار هؤلاء لن يتخذوا قراراتهم على أساس الاعتبارات الأخلاقية والعقلانية؛ بل ستتوافق قراراتهم مع المذاهب الدينية.

 

وسيؤدي هذا إلى هيمنة مجموعة دينية واحدة على الدولة، ومن ثم ستعاني الأقليات الأخرى على يد الأغلبية. وعلى نحو مماثل، من خلال دمج الدين في القرارات السياسية، ستصبح البلاد خالية من وجهات النظر المتنوعة. ومن المهم لتعزيز الديمقراطية والمؤسسات الديمقراطية إبقاء المعتقدات الدينية منفصلة عن السياسة.

 

وفي بلد تتأثر فيه القرارات السياسية بالمعتقدات الدينية، هناك فرص أكبر للتحيز؛ فإذا كانت القرارات السياسية مبنية على وجهات نظر دينية، فسيتم فرض إطار معين على الأفراد الذين لا يتبعون التفسير السائد لأي دين أو طائفة فرعية من ذلك الدين.

 

ومن شأن فرض قرارات سياسية ذات دوافع دينية أن يحد من حرية الضمير والاستقلال الفردي للمواطنين، والذي هو أساس أي ديمقراطية. وعلى سبيل المثال، في باكستان، إذا كانت قرارات الحكومة مبنية على الانتماءات الدينية، فإن ذلك سيؤدي إلى تصاعد الصراعات الطائفية.

 

وشهدت باكستان صراعات طائفية في الثمانينات من القرن الماضي حيث نفذت حكومة باكستان سياسة الأسلمة، وأدى ظهور الجماعات المسلحة المختلفة ذات الدوافع الدينية في باكستان إلى صراعات طائفية.

 

وكانت قرارات الحكومة في ذلك الوقت وفق تفسير طائفة واحدة من الإسلام، وهو الإسلام السني، ما أثر سلباً على المسلمين الشيعة في البلاد. وقد احتجت الطائفة الشيعية في البلاد على قرارات الحكومة المتعلقة بالضرائب على أساس الدين. وبالمثل أدى صعود الجماعات الدينية من طائفة واحدة، والتي كانت تستهدف الطوائف الأخرى، إلى ظهور التطرف في البلاد.

 

وعندما تتخذ الحكومة قرارات ويكون انتماؤها إلى طائفة دينية واحدة، ستشعر الطوائف الأخرى بالتهميش وتفقد الالتزام والولاء للدولة.

 

ويظهر المسلمون في الهند ميلا نحو الحكومة لأن القرارات الحكومية التي تنتهك الاستقلال الفردي، مثل فرض قوانين الحجاب وحظر ذبح البقر، يعتبرها المسلمون قرارات سياسية مدعومة بالعقيدة الدينية الهندوسية.

 

ومثل هذه القرارات لا يتم قبولها من قبل مواطني الديانات الأخرى. وبالمثل، أدى قانون الجنسية في الهند إلى تهميش المسلمين القادمين من الدول المجاورة. وفي باكستان أصبح الاقتصاد على حافة الانهيار.

 

وهناك تقارير من مؤسسات اقتصادية دولية تفيد بأن باكستان قد تتخلف عن سداد ديونها الخارجية. وقد استمرت الحكومات الباكستانية المتعاقبة في تغيير وزراء ماليتها، لكن لم تتمكن من حل هذه المشكلة.

 

ولا تقبل حكومة باكستان مساعدة عالم الاقتصاد المشهور عاطف ميان بسبب أيديولوجيته الدينية؛ فهو ينتمي إلى الطائفة الأحمدية في باكستان، ولهذا السبب تستبعده حكومات باكستان من صنع السياسات الاقتصادية. وهذا أحد الأمثلة على سطوة المعتقدات الدينية وتأثيرها على عملية صنع القرار السياسي في الدولة، وهو أيضا مثال على استبعاد وجهات النظر المتنوعة والأفكار القيمة من الأنظمة السياسية في العالم.

 

وتتجاهل الكثير من الحكومات الأفكار الفريدة والمبتكرة التي يقدمها المواطنون بسبب معتقداتهم الدينية لأن سياسة الإقصاء هي نتيجة لتأثير الدين على عملية صنع القرار السياسي.

 

وفي البلدان التي يؤثر فيها الدين على سياسات وقرارات الجهات السياسية الفاعلة، يؤدي ذلك إلى استقطاب المناصرين وتهميش الطوائف الدينية الأخرى، ما يؤثر على التنمية الشاملة في الدول المعنية.

 

ويتعارض ذلك مع المبادئ الأساسية للديمقراطية، التي تقوم على الاستقلال الفردي وإدماج جميع المواطنين في النظام السياسي. ويؤدي استبعاد مجموعات معينة على أساس دينها إلى إهدار وجهات نظر وأفكار قيمة. وعلاوة على ذلك، لا يمكن تعزيز النظام السياسي إذا فرضت جماعة دينية ما أيديولوجيتها الدينية على الآخرين وكانت الحكومة التي تتولى السلطة تابعة لأيديولوجيا دينية معينة.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي