نما الاقتصاد التركي بشكل أسرع بكثير من المتوقع في العام الماضي، متجنبا الانكماش خلال فترة ربعين متتالين عندما نفذ البنك المركزي الجزء الأكبر من الزيادات الهائلة في أسعار الفائدة.
وتوسع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة واحد في المئة خلال الربع الرابع مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة على أساس موسمي ويوم عمل، وفقا لبيانات نشرت الخميس. ويمثل ذلك تسارعا طفيفا مقارنة بالربع الثالث عندما توسع النمو الاقتصادي بنسبة 0.3 في المئة فقط.
وأدى إنفاق الأسر والاستثمار إلى حدوث انتعاش في الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2023 كان أعلى من جميع التوقعات باستثناء واحد في مسح أجرته وكالة بلومبرغ، والذي كان متوسطه 0.3 في المئة.
لكن الزخم الاقتصادي تضاءل على أساس سنوي، مما أدى إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4 في المئة بالربع الأخير من 2023 مقارنة بنحو 6.1 في المئة بالربع السابق. ولا يزال هذا أعلى من أوسط التقديرات البالغة 3.5 في المئة.
ووفق الأرقام التي نشرها معهد الإحصاء الحكومي، فقد نما الاقتصاد التركي البالغ حجمه 1.1 تريليون دولار، بنسبة 4.5 في المئة على مدار العام بأكمله، وذلك انخفاضا من 5.5 في المئة خلال العام 2022.
وقال أوكان إرتم، وهو محلل اقتصادي أول لدى بنك ترك إكونومي بانكاسي، “إن رغم تعثر الاقتصاد، فإنه لا يزال إنفاق المستهلكين هو القاطرة الرئيسية للنمو”.
وأرجع إرتم ذلك إلى قوة مبيعات السيارات والاقتراض الاستهلاكي باستخدام بطاقات الائتمان، الذي “لم تهدأ وتيرته إلا اعتبارا من الربع الثاني من العام الماضي”.
وفرض تحول البنك المركزي نحو السياسة النقدية المشددة منذ يونيو الماضي قيودا على الاستهلاك، الذي يسهم بما يزيد عن نصف إجمالي الناتج المحلي.
وفي ضوء التراجع الشديد في الإقراض من البنوك ووصول النمو في مبيعات التجزئة الفصلية إلى مستوى لا يكاد يتجاوز صفرا، أصبح الهدف هو اتخاذ تدابير من شأنها أن تؤدي إلى تباطؤ معدل التضخم الذي تفاقم خلال حقبة الأموال الرخيصة.
وقال وزير المالية محمد شيمشك في بيان “إننا نتحرك نحو نمو أفضل من خلال الاستثمار والصادرات التي ندعمها بقوة”. وأضاف "في عام 2024، نتوقع نموا معتدلا ومتوازنا، مع مساهمة صافي الطلب الخارجي بشكل إيجابي".
ويرى محللو بلومبرغ إيكونوميكس أن تأثير التحول القوي في السياسة النقدية يتمثل في تباطؤ معدل النمو الاقتصاد التركي في المدى المتوسط.
لكنهم قالوا إن “مؤشراتنا المحدثة على إجمالي الناتج المحلي بتركيا تشير إلى أن انتقال تأثير السياسة المشددة إلى النشاط الاقتصادي ربما بدأ بالفعل في نهاية العام الماضي".
ولا تعني التوقعات الأقل تفاؤلا أن البنك المركزي لن يفكر في رفع الفائدة بشكل إضافي بالإضافة إلى زيادة تراكمية قدرها 36.5 نقطة مئوية خلال شهر يناير الماضي.
وأشار المحافظ الجديد للمركزي فاتح كاراهان بالفعل إلى أنه قد يكون هناك ما يبرر المزيد من التشديد في حالة ارتفاع الطلب المحلي بعد زيادة الأجور في تركيا.
وبينما يتحول الاقتصاد إلى مستوى أقل، فإن مرونة الإنفاق الاستهلاكي قد تشكل تحديا لكاراهان حيث يتطلع إلى رفع التضخم إلى 36 في المئة بحلول نهاية العام، أي ما يقرب من نصف مستوى الذروة الذي من المتوقع أن يصل إليه في الأشهر المقبلة.
وأظهر نموذج طورته أستاذة الاقتصاد سيلفا ديميرالب بالتعاون مع زملائها الباحثين في جامعة كوتش في إسطنبول أن احتمال ركود الاقتصاد يصل الآن إلى 10 في المئة، مقارنة باحتمال يقترب من 20 في المئة قبل ثلاثة أشهر.
وقالت ديميرالب إن “المؤشرات الأولية في الربع الأول من العام تشير إلى عودة تسارع النشاط الاقتصادي”. وأضافت "لا أعتقد أن اتخاذ خطوات أخرى من التشديد النقدي ستنشأ عنه زيادة مخاطر الركود في المدى القصير".
ويتناقض الانكماش الفصلي في الإنتاج الصناعي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي مع توسع طفيف في مبيعات التجزئة.
ويعزو محللون هذا الارتفاع جزئيا إلى الارتفاع الأخير في الإنفاق الاستهلاكي، حيث يؤجل الأتراك مشترياتهم وسط توقعاتهم بارتفاع الأجور قبل الانتخابات المحلية المقرر عقدها في مارس الحالي.
وذكر اقتصاديون ببنك تركيا غارانتي بانكاسي في تقرير نشر الشهر الماضي أن مؤشراتهم للبيانات الكبيرة "تشير إلى أن الاستهلاك لا يتباطأ بمعدلات مرتفعة كثيرا منذ شهر نوفمبر"، وفق تقرير صدر الشهر الحالي.
وأوضحوا أن الطلب المحلي لا يزال أقوى من العرض، مما يشكل خطرا على كل من التضخم وعجز الحساب الجاري.
وبينما يتوقع أن تنشر السلطات بيانات أسعار الاستهلاك لشهر فبراير في وقت لاحق هذا الشهر، سجل التضخم خلال يناير 2024 أكبر قفزة له منذ أغسطس الماضي مع ارتفاع بنسبة 6.7 في المئة على أساس شهري.
وبلغ التضخم على أساس سنوي خلال يناير نحو 65 في المئة، بينما تستهدف الحكومة تضخما بنهاية 2024 عند حوالي 36 في المئة.
في المقابل، نجحت أنقرة في تضييق عجز الحساب الجاري خلال 2023، بعدما آتى التحول الكبير في سياساتها النقدية ثماره، لاسيما لناحية تهدئة الطلب المحلي في الاقتصاد البالغ حجمه تريليون دولار تقريبا من خلال الزيادات الحادة في أسعار الفائدة.
وتظهر بيانات ميزان المدفوعات أن الفجوة في الحساب الجاري، الذي يمثل مقياس التجارة والاستثمار، تقلّصت إلى 45.2 مليار دولار للعام الماضي بأكمله، مقارنة بنحو 49.1 مليار دولار في 2022.
ورغم تحسنه منذ شهر مايو الماضي، حيث حققت البلاد أربعة أشهر من الفوائض أو العجز القريب من الصفر، فقد تدهور الحساب الجاري في نهاية العام الماضي إلى حد كبير نتيجة ارتفاع فاتورة الطاقة.
وبلغ العجز في ديسمبر الماضي 2.1 مليار دولار، وهو رقم دون توقعات المحللين، مما يعكس التحديات التي لا تزال تواجه صناع السياسات النقدية، ممن يحاولون انتشال الاقتصاد الذي تعثر لفترة طويلة بسبب الاختلالات التجارية.