استخدم الحوثيون في البداية رد إسرائيل على حماس والتعاطف مع الفلسطينيين كذريعة مرحب بها لشن هجمات على السفن المدنية التي تعبر البحر الأحمر، الذي يستضيف أكثر من 12 في المئة من التجارة العالمية و30 في المئة من حركة الحاويات.
وأجبرت الهجمات المستمرة ضد السفن، والتي ليس للعديد منها صلة واضحة بإسرائيل، شركات الشحن على اتخاذ طرق بديلة، وأجبرت بعض المنتجين على تعليق الإنتاج لتجنب أن تعلق البضائع في البحر أو تتكبد تكاليف إضافية باهظة للوقود والتأمين.
ومنذ فترة قصيرة، كان الجميع تقريباً يعتبرون الحوثيين في اليمن مجموعة سياسية وعسكرية عنيفة ذات أسس قبلية قوية، وتتألف في الأساس من إسلاميين شيعة معارضين للطبقة الحاكمة.
ولم يكن التمرد يشكل تهديداً عسكرياً متطوراً بشكل خاص، على الرغم من أنه كان يشكل خطراً على الحكومة الشرعية في اليمن وجيرانها، وخاصة المملكة العربية السعودية
وقليلون هم الذين أدرجوا الحوثيين كتهديد للمخاوف العالمية، حتى مع الأخذ في الاعتبار الأدلة المتزايدة على التعاون العسكري الإيراني مع المتمردين.
وتقول ماري بيث لونج وهي مساعدة سابقة لوزير الخارجية لشؤون الأمن الدولي في وزارة الدفاع الأميركية في تقرير نشرته مجلة ناشيونال أنتريست إنه بعد 7 أكتوبر تغير كل شيء، إذ يشكل الحوثيون الآن تهديدًا خطيرًا للاقتصاد العالمي، ومن غير الواضح ما الذي يمكن فعله لوقفهم.
ويشن الحوثيون الآن هجمات يومية بطائرات دون طيار وصواريخ ضد بعض الأصول العسكرية الأكثر تطوراً التي يقدمها تحالف الدول الغربية والإقليمية.
ورداً على ذلك، أجرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مؤخراً جولة ثالثة من الضربات المشتركة على ستة وثلاثين هدفاً في ثلاثة عشر موقعاً، تلتها سلسلة من الضربات الأميركية على خمسة صواريخ حوثية استهدفت حركة المرور في البحر الأحمر.
ولكن على الرغم من نشر بعض الأسلحة البحرية الأكثر تقدمًا في العالم، يبدو أنه ليس هناك الكثير مما يمكن للغرب وآخرين فعله بشأن حملة الحوثيين.
ويخشى البعض أن يؤدي التصعيد العسكري ضد المتمردين اليمنيين إلى توسيع نطاق الصراع في غزة أو أن يصب في مصلحة إيران، التي تستفيد بشكل كبير من استخدام الحوثيين وآخرين في حملتها لإخراج الوجود العسكري الأميركي من المنطقة.
ويأمل آخرون أن تؤدي زيادة الضربات ضد المواقع العسكرية للحوثيين واعتراض الأسلحة الواردة إلى ردع المتمردين وتمكين قوات التحالف من تأمين المياه الدولية الحيوية، وهو الأمر الذي يبدو غير مرجح، على الأقل على المدى القصير. كما أن الخطة الحالية ـ حتى لو نجحت ـ لا تشكل حلاً طويل الأمد.
وفي حين أن الرد العسكري حتى الآن قد يؤدي إلى تدهور قدرات الحوثيين إلى حد ما، فإن التكلفة غير المتناسبة التي يتحملها أعضاء التحالف البحري لنشر السفن والطائرات وغيرها من الأصول المتقدمة – ناهيك عن تكلفة الذخيرة المستهلكة وتكاليف الأفراد – لا يمكن مقارنتها بالتكلفة الاقتصادية المتواضعة المفروضة على الحوثيين بسبب اعتداءاتهم.
ولم يعد بوسع الولايات المتحدة وغيرها أن تتجاهل الحاجة الملحة إلى تعزيز الوجود العسكري في أماكن أخرى، فيما لدى الحوثيين الكثير ليكسبوه ولن يخسروا الكثير من عملياتهم البحرية.
واستخفت الإدارات الأميركية المتعاقبة باستمرار بإيران وبدلاً من ذلك تعاملت مع حرب إيران متعددة الجبهات ومنخفضة المستوى باعتبارها سلسلة من الهجمات المنفصلة ومتزايدة التعقيد، وليس الاستخدام المتعمد لوكلاء عالميين مع ما يترتب على ذلك من عواقب مميتة.
وترى بيث لونج أن الولايات المتحدة في حاجة إلى سياسة أكثر عدوانية وشمولية لردع إيران والتوقف عن تقديم التنازلات مقابل القليل أو لا شيء في المقابل.
بالإضافة إلى ذلك، فشلت واشنطن في معالجة -ناهيك عن مواجهة- توسع النفوذ الإيراني في آسيا الوسطى وأفريقيا وأميركا الجنوبية.
وحتى الآن، عانت إيران من تداعيات قليلة أو معدومة على هجماتها المستمرة منذ عقود ضد الأميركيين. وينبغي أن تشمل العواقب الشاملة الضغط الكامل الذي طال انتظاره على الأنشطة الإيرانية الخبيثة في المنطقة وأماكن أخرى، مع الانتقام الفوري والحاسم عندما تحاول الضلال.
ويجب أن تمتد هذه التدابير إلى ما هو أبعد من الانتقام العسكري لتشمل الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية، مثل سد الثغرات في نظام العقوبات الحالي غير الكافي على الإطلاق.
وتشير لونج إلى أن فرض العقوبات على إيران – وخاصة تلك التي قد تهدد إمداداتها من النفط إلى الصين – يمكن أن يقنعها بإعادة النظر في جهودها في اليمن.
وأما بالنسبة إلى الحوثيين، فمن دون مساعدة من إيران، قد يكون النفوذ العسكري للمتمردين محدودا. ورغم أن الصراع الحالي في البحر الأحمر ربما يكون قد عزز من مكانة المتمردين الدولية وصورتهم العامة، فإنهم يظلون معرضين للخطر بشدة في الداخل.
وليس لدى المسلحين في اليمن ما يقدمونه لحلفاء إيران مثل روسيا وسوريا وليبيا والصين وكوريا الشمالية.
وليس لدى أيّ من هؤلاء أيّ مصلحة في دفع ثمن عام مقابل دعم انهيار سلسلة التوريد العالمية بسبب استمرار إيران في عرقلة البحر الأحمر من خلال المتمردين اليمنيين.
وكحد أدنى، يمكن أن يكون الضغط على إيران لسحب جميع أفرادها ودعمها للمتمردين بمثابة البداية.
وإذا تُرك الحوثيون بمفردهم، حتى مع نقل التكنولوجيا والخبرة الفنية، فمن المرجح أن يواجهوا ضغوطًا شديدة لمواصلة وتيرة الهجمات الجوية الحالية، وقد يسمح ذلك على الأقل باستعادة قدر من الأمن.