الرئيسية > الصحة والمجتمع > جهاز عصبي يعزز القدرة على الحركة والتوازن لدى مرضى باركنسون..

جهاز عصبي يعزز القدرة على الحركة والتوازن لدى مرضى باركنسون..

" class="main-news-image img

  ارتعاش في اليدين والذراعين والساقين والفك والوجه، تصلب في الذراعين والساقين والجذع، بطء في الحركة، ضعف في التوازن والتنسيق بين الحركات، تبدأ هذه الأعراض تدريجاً ثم تروح تتفاقم شيئاً فشيئاً، وإذ تسيطر عادة على أحد جانبي الجسم، لا تلبث أن تمتد إلى الجانب الآخر منه. إنه "الشلل الرعاش" أو "باركنسون"، تيمناً بمكتشفه الطبيب الإنجليزي جيمس باركنسون الذي كان أول من وصف أعراض هذا الداء.

 

 

 

ووفق الدراسات، تواجه اضطرابات المشي الحادة نحو 90%مرضى "باركنسون" المتقدم، لذا يمثل تطوير استراتيجيات جديدة تمكن المرضى من المشي بسلاسة مرة أخرى، وتجنب خطر السقوط، أولوية بالنسبة إلى فرق البحث التي ما انفكت تدرس هذا المرض منذ سنوات عدة.

 

ولكن للأسف، أمام الأعراض المذكورة كافة تقف عاجزة العلاجات المعمول بها حالياً، التي وإن سيطرت على بعض الأعراض في المراحل الأولى لا تعود تنفع في المرحلة المتأخرة، فيعاني المرضى عجزاً منهكاً في الحركة.

 

منذ سنوات، ابتكر عدد من العلماء علاجاً ثورياً تكميلياً يسمى "التحفيز الكهربائي فوق الجافية" (اختصاراً EES)، ساعد الأشخاص الذين يعانون إصابات في النخاع الشوكي في استعادة القدرة على أداء بعض الأنشطة مثل الوقوف وركوب الدراجات والمشي والسباحة.

 

وقد تبين، أخيراً، أن في المستطاع استخدام هذه الطريقة عينها لابتكار جهاز تعويضي عصبي اصطناعي يخفف من العجز الحركي المرتبط بداء "باركنسون".

 

في دراسة صدرت، أخيراً، نشرت في مجلة "نيتشر ميديسن" وتحدث عنها الموقع الإلكتروني الطبي "نيوز ميديكال لايف ساينس"، صمم عدد من الباحثين، مستعينين بعلاج "التحفيز الكهربائي فوق الجافية"، جهازاً بديلاً عصبياً يخفف من عجز الحركة لدى مرضى "الشلل الرعاش".

 

زرع الباحثون الجهاز التعويضي العصبي لدى نموذج من القردة على أساس أن يشكل تعويضاً عن الحركات التي يعجز مرضى "باركنسون" عن أدائها.

 

أظهرت تسعة من قرود "ريسوس" القدرة على المشي قبل وبعد العلاج المسمى "1-ميثيل-4-فينيل-1،2،3،6-رباعي هيدروبيريدين" (1-methyl-4-phenyl-1,2,3,6-tetrahydropyridine) اختصاراً (MPTP) الذي حاكى داء "باركنسون" في المرحلة المتأخرة، المصحوب باستنفاد شديد لخلايا عصبية في الدماغ المتوسط تسمى المادة السوداء، علماً أنها المسؤولة عن إنتاج الناقل العصبي "الدوبامين" الذي يعتقد أن النقص فيه وراء هذا الداء.

 

كان هدف الباحثين تطوير جهاز تعويضي عصبي يعتمد على "التحفيز الكهربائي فوق الجافية" لاستعادة التنشيط الزماني المكاني الطبيعي للخلايا العصبية الحركية في الساق التي تعطلت أثناء المشي بين صفوف مرضى "باركنسون".

 

تطوير الجهاز التعويضي الاصطناعي تطلب من الباحثين دراسة التركيب البنيوي للحبل الشوكي لدى قرود الريسوس Macaca mulatta. ثم، وزعوا الأقطاب الكهربائية مكانياً في صفيفتين من ثمانية أقطاب كهربائية للوصول إلى المناطق المستهدفة. وفي مرحلة لاحقة، وضعوا الأقطاب الكهربائية في أربعة من هذه الرئيسيات الثديية غير البشرية، ونقلوا نبضات تعويضية اصطناعية لإثارة استجابة العضلات وحركة الساق. وتماشى مكان وتوقيت تدفقات التحفيز الكهربائي فوق الجافية مع تحفيز نقاط اتصال مرتبطة بالمشي.

 

وفي مرحلة لاحقة، ربط الفريق النشاط العصبي القشري الحركي مع موقع إشارات "التحفيز الكهربائي فوق الجافية" وتوقيته بغية تطوير جهاز تعويضي عصبي مغلق الحلقة لا يحتوي على أسلاك ومنظم للدماغ، وبحثوا فيما إذا كان قد خفف من ضعف المشية وصعوبات التوازن التي لوحظت بين القردة المعالجة بـ"1-ميثيل-4-فينيل-1،2،3،6-رباعي هيدروبيريدين".

 

تحقق الفريق أيضاً مما إذا كان في مقدور الجهاز أن يكون مكملاً لعملية "التحفيز العميق للدماغ" (اختصاراً DBS) لمعالجة المؤشرات الحركية المرتبطة بـ"باركنسون".

 

هكذا، زرعوا الأقطاب الكهربائية في منطقة دماغية تسمى "النوى تحت المهاد الثنائية الشكل"، إضافة إلى الجهاز التعويضي العصبي الاصطناعي الذي يتحكم فيه الدماغ لدى القردة المعالجة، التي خضعت لاحقاً للتصوير بالرنين المغناطيسي الهيكلي.

 

تحقق الفريق من جدوى نشاط القشرة الحركية المرصودة لدى مرضى "باركنسون" كي يكون "التحفيز الكهربائي فوق الجافية" منسجماً مع الحركات الموجودة أصلاً. خضع شخصان مصابان بحالة مجهولة السبب من الشلل الرعاش وتقلبات في الحركة لزراعة أقطاب كهربائية ثنائية تحت الجافية موضوعة في "المنطقة القشرية الحركية الأولية".

 

زرع الباحثون الجهاز التعويضي العصبي لدى الرجل الأكبر سناً الذي يبلغ من العمر 62 عاماً ومصاب بـ "باركنسون" منذ 30 عاماً، وكان يعاني ضعفاً شديداً في المشي فيما جسمه يقاوم العلاجات الطبية المتاحة.

 

تبين النموذج المطبق على القردة أنه مناسب لتطوير الجهاز التعويضي العصبي الاصطناعي. وتفاعل الأخير مع التحفيز العميق للمنطقة الدماغية النواة تحت المهاد وعلاجات استبدال الدوبامين لتعزيز الخطوات الأطول وتحسين التوازن وتقليص التجمد في المشي. وأظهر رسم الخرائط الزمانية المكانية لتنشيط الخلايا العصبية الحركية للساق أن المشي تضمن التحفيز المتسلسل لست نقاط اتصال في الجانبين الأيمن والأيسر من الحبل الشوكي.

 

هكذا، أدت إعادة التأهيل المدعومة بالجهاز التعويضي العصبي الاصطناعي إلى تحسين المشية ونوعية الحياة لدى المريض.

 

اللافت أنه على خلاف العلاجات التقليدية لـ"باركنسون"، التي تستهدف فقط مناطق الدماغ التي تتأثر مباشرة بفقد الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين، يستهدف هذا العلاج العصبي منطقة الحبل الشوكي المسؤولة عن تنشيط عضلات الساق أثناء المشي، التي لا يعتقد أنها تتأثر بشكل مباشر بالمرض، ولكن يذكر أن الحبل الشوكي يخضع للسيطرة الإرادية للقشرة الحركية، التي يتغير نشاطها بحسب فقدان الخلايا العصبية الدوبامينية.

 

هكذا، يفتح هذا الجهاز العصبي آفاقاً جديدة لعلاج اضطرابات المشي التي تقض مضجع غالبية مرضى "باركنسون"، بيد أنه في هذه المرحلة، أثبت هذا المفهوم العلاجي فاعليته لدى شخص واحد من طريق عملية زرع واحدة، لذا ما زال يتعين النهوض بمزيد من البحوث لطرح هذه الاستراتيجية على نطاق واسع.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي