شهدت الحركة الأدبية في السعودية على مدى تسعة عقود، تحوّلات كبيرة في مختلف فنون الكتابة والنشر، ورغم تأخر الإقبال على كتابة الرواية مقارنةً بالشعر والمقالة، منذ صدور أول عمل صنّفه معظم النقّاد في خانة الرواية عام 1930، تحت عنوان "التوأمان" لعبدالقدوس الأنصاري، إلا أن الإنتاج الروائي السعودي شهد قفزات كبيرة في الكم والجودة الفنية منذ مطلع الثمانينات، بظهور إصدارات روائية تتوفّر فيها مقوّمات الرواية الحديثة.
وقد رصد الدكتور سلطان بن سعد القحطاني في كتابه "الرواية في المملكة العربية السعودية"، الصادر عام 2009، نحو 17 عملاً روائياً خلال الفترة بين 1980 إلى 1988.
حضور واضح
الطفرة الحقيقية في الرواية السعودية بدأت منذ عام 2000، بسبب انتشار الكتب الإبداعية، وتوافر الترجمات عن اللغات العالمية التي وفّرتها معارض الكتب المحلية والعربية، وفي مقدّمها معرض الرياض الدولي للكتاب.
وفي معظم ثقافات وفنون العالم، تعدّ الرواية مصدراً مهماً لفهم تاريخ وعادات ومشكلات المجتمعات الإنسانية، بل إن بعض الروايات العالمية مازالت مصدراً توثيقياً لأحداث مفصلية شهدتها البشرية، إذ أعلن المؤتمر العام لمنظمة "اليونسكو" في دورته الحادية والأربعين لعام 2021، اعتماد "الأسبوع العالمي للرواية" الذي يبدأ في 13 أكتوبر من كل عام، ويستمر لمدة 7 أيام.
وبحسب "اليونسكو"، فإن هذا الأسبوع يهدف إلى "تقدير الأدب كشكل من أشكال التعبير عن الإبداع الإنساني، وتعزيز إسهامات الروائيين والشعراء وكتّاب المسرح، ونقّاد الأدب والناشرين في التفاعل بين الثقافات".
تصاعد لافت
ويرصد الباحث والأديب السعودي خالد بن أحمد اليوسف في حديثه لوكالة الأنباء السعودية، "تصاعد الإنتاج الروائي السعودي خلال العقدين الأخيرين"، مشيراً إلى أنه" قفز من 30 رواية عام 2004 إلى 208 روايات عام 2022، بزيادة وصلت إلى 590% خلال عشرين عاماً".
ويقول اليوسف "تعدّ كتابة الرواية ونشرها من أقوى ملامح حركة التأليف والنشر الأدبي في السعودية، ولفتت الأنظار كمّاً وكيفاً، وانتشاراً ومتابعة، واحتلت الصدارة في مواقع ثقافية وإعلامية وأكاديمية، محلياً وعربياً وعالمياً، من خلال الترجمة التي بدأت تؤتي ثمارها".
أضاف: "تصاعد نشر الرواية السعودية، حتى وصل إلى أرقام مبهجة، إذ يقدّر بـ(1982 رواية خلال 19 عاماً) وهذا إنتاج كبير يفوق دولاً كثيرة، وما تهافت الناشرين العرب عليها إلا دليل على ذلك.
واللافت أن المرأة السعودية ما زالت تسير في منافسة مع الرجل في كتابتها ونشرها، كما هي في الأعوام السابقة، وهو الذي سبقها في الكتابة والنشر بسنين طويلة، وقد تجاوزته عام 2022 بعشر روايات.
وفي كتابه النقدي عن "أنماط التجريب في الرواية السعودية - الصادر خلال عام 2023 عن "دار أدب"، يتتبّع الدكتور عبدالله العقيبي مظاهر التجريب في عدد من الروايات السعودية الحديثة، مبيّناً أن الرواية السعودية خاضت غمار التجريب الروائي، إذ بدأت إصلاحية يكتنفها الخطاب الوعظي والإرشادي، ثم نحت منحى موضوعي واجتماعي في مرحلة لاحقة.