"ممنوع تدخل المدرسة، روح المرباع"، كلمات مؤلمة تلقاها معلم يمني من مديره بإحدى المدارس في محافظة إب، الواقعة تحت سيطرة ميليشيا الحوثي (وسط البلاد) وذلك خلال محاولة المدير إثناء المعلم عن الإضراب الذي بدأه مع زملاء له، بعد اشتداد الوضع الاقتصادي عليهم نتيجة انقطاع المرتبات التي ترفض الميليشيا صرفها منذ العام 2016.
يقول المعلم الذي طلب عدم ذكر اسمه لـ"المصدر أونلاين": "تلقيت هذه الكلمات بعد مطالباتي المستمرة بصرف الراتب"، مشيراً إلى أنه يعمل في التربية والتعليم منذ 28 عاما، لكن سنوات التفاني في تعليم الأجيال لم تشفع له عند المليشيا في راتب يقوت به نفسه ومن يعول.
وأضاف أن مكتب التربية والتعليم بالمحافظة استدعاه مؤخرا "لكتابة تعهد خطي بعدم المطالبة بصرف مرتباته ومرتبات زملائه المدرسين، وعدم الترويج أو التجاوب مع أي إضراب قد يدعو إليه الأخرون"، لافتاً إلى أنه طوال سنوات انقطاع الرواتب ظل مستمرا في أداء واجبه.
وقال المعلم: "تم طلبي من مكتب التربية بسبب دعوتي للإضراب في الفيسبوك، وطلبوا مني أعمل التزام بعدم التحريض قلت لهم لم أحرض. لكن تم توقيفي ومنعي من دخول المدرسة"، يضيف: "هددوني بحرماني من الحافز وإبعاد اسمي من الحافظة، كما هددوني بفصلي من العمل نهائيا".
وكان نادي المعلمين في صنعاء، أعلن قبل أسبوعين عن تنظيم إضراب شامل، حتى "استعادة الحقوق الأساسية للمعلمين وأولها الراتب"، وطالب بيان للنادي، بسرعة صرف مرتبات موظفيّ التعليم العام، بانتظام من بداية الشهر القادم، وجدولة المتأخرات منها.
وأضاف أن الإضراب حيث جاء كإجراء احتجاجي، نتيجة تجاهل مطالب موظفي التعليم، مشيرا إلى أن "الحال وصل إلى وضع لا يمكن السكوت عنه".
ولفت البيان، إلى أن حكومة الحوثيين لجأت للخدعة السنوية "الحافز"، مبيناً أنها تجاهلت معاناة التربويين والتربويات بالوقت الذي "تصرف مبالغ مهولة للمجلس السياسي والوزراء والنواب والشورى"، منددا بالوعود المستمرة للحوثيين منذ ثماني سنوات، وما أسماه "الضحك على ذقون التربويين والتربويات".
وقابلت ميليشيا الحوثي إضراب المعلمين كعادتها بالبطش والتنكيل والقمع، من خلال حملات اعتقال طالت بعض معلمين ممن استجابوا للدعوة، وقالت مصادر تربوية إن مسلحين حوثيين اختطفوا مدرسين في مدرسة النهضة بمنطقة "بني سعد" في المحويت، شمال غرب صنعاء، بسبب إضرابهم عن التدريس، فيما طال البعض الآخر تهديدات بالفصل من الوظيفة، لكن موقف المعلمين كان أقوى.
وروى أبو زيد الكميم رئيس لجنة المتابعة بنادي المعلمين في صنعاء، على صفحته بفيسبوك، أن وكيلة إحدى المدارس بأمانة العاصمة، رفضت مع كل المعلمات رفع الإضراب الكامل، متصدية لمدير المنطقة التعليمية ومن جاء معه لرفع الإضراب.
وأوضح الكميم "الوكيلة صاحت بحرقة تعبنا حرام عليكم أنا مريضة بالسرطان وما قدرت أتعالج، ورانا التزامات إيجارات وغيرها حرام حرام، ثمان سنوات كفاية"، لافتا إلى أنها انهارت بالبكاء من شدة القهر، وسط تجاهل قادة المليشيا الحاضرين.
وجاء هذا الحراك بالتزامن مع حراك آخر على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، والتي شهدت تحت هاشتاج "كرامتي في راتبي"، حملة واسعة على مختلف المنصات تنبئ عن احتقان شعبي في عموم المحافظات والمناطق الواقعة تحت سيطرة الميليشيا.
وجاء في تغريدة على تويتر لعبد الله الهلبي، أن العائق الوحيد لصرف المرتبات هو الحوثي، الذي يريد أن يبقى المواطنون بمناطق سيطرته في حالة جوع وفاقة، ينتظرون ما تتصدق به الجماعة من فضلات الزكاة، التي يذهب خمسها للهاشميين والبقية تنهب ويتم تقاسمها بين هوامير المليشيا.
محمد الضبياني، المذيع في قناة سهيل، قال إن مليشيات الحوثي تتخذ الموظفين في مناطق احتلالها كرهائن، تجبرهم على العمل بالسخرة، في حين تنهب كماً هائلاً من الأموال الفلكية من الإيرادات والجبايات والموارد والاتصالات والمشتقات النفطية والضرائب، وتصنع اقتصادا مليشياوياً موازيا لتمويل عدوانها ضد اليمنيين.
وأكد الضبياني أن المليشيا تجيد السرقة والنهب والسطو على ممتلكات اليمنيين، وسرقة المساعدات من أفواه الجوعى، وفرض الاتاوات والجبايات بمختلف مسمياتها، في عملية "تحويل مليون موظف كانوا من الطبقة الوسطى إلى دائرة سحيقة الفقر والصراع من أجل البقاء على قيد الحياة".
وفي حديث لـ"المصدر أونلاين" توقع الكاتب الصحفي أحمد شوقي أحمد، أن "جماعة الحوثي لن تستجيب لمطالب المعلمين، لكنها قد تفجر مواجهة عسكرية مع الشرعية، كنوع من الهروب ومحاولة إشغال الناس بهذه المعركة حتى تستطيع التغطية على التزاماتها تجاه المعلمين والموظفين بشكل عام".
وقال أحمد شوقي إن "الاستجابة لمطالب المعلمين، سيفتح الباب واسعا للمزيد من الانتفاضات والاحتجاجات المناوئة للجماعة، للمطالبة بالحقوق التي صادرتها على مدى سنوات الحرب"، مشيراً إلى أن "جماعة الحوثي لا تريد فتح جبهة جديدة قد تسبب لها الصداع لاحقا، لذلك أتوقع أنها ستقمع هذه الاحتجاجات".
ولفت شوقي إلى أن "المعلمين في مناطق سيطرة الحوثي ليس أمامهم خيارات كثيرة لتحقيق مطالبهم، ربما يستمروا في عملية الإضراب، لكن المليشيات سوف تتخذ إجراءات انتقامية ضدهم"، مؤكداً على ضرورة "التنسيق مع الجهات النقابية الأخرى وذلك لعمل هزة لمنظومة المليشيات الحوثية، من خلال التحالف مع كيانات ونقابات تطالب هي الأخرى بمطالبها، لإجبار الجماعة على تلبية المطالب".
من جانبه قال الكاتب عبد الواسع الفاتكي، لـ"المصدر أونلاين" إن مليشيات الحوثي ستعمل كل ما بوسعها كي تخمد إضراب المعلمين وللحيلولة دون توسعه ليشمل كل القطاعات، مضيفاً أن المليشيات الحوثية تخشى من توسع الإضراب ليشمل بقية الموظفين، كما ينذر باندلاع ثورة شعبية عارمة يمكن أن تقض مضاجع الحوثيين وتزعزع أركانهم.
وأكد الفاتكي أن "المليشيا الحوثية تستولي على مئات المليارات من الريالات ولديها من الأموال الطائلة ما يمكن أن تصرف به رواتب المعلمين وغيرهم، حيث أن إيرادات ميناء الحديدة وحدها كفيلة بصرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها".
مساء الإثنين أصدر رئيس نادي المعلم "أبو زيد الكميم" بياناً اتهم فيه مليشيا الحوثي باختطاف أمين عام النادي "محسن الدار" وإخفائه قسرياً على خلفية المطالبة برواتب المعلمين وطالب بالإفراج عنه.
وفي البيان قال الكميم إن قيادات سلطات الحوثيين وكل موظفيها في المجلس السياسي ومجلس النواب ومجلس الشورى والكهرباء والاتصالات والمياه والجمارك والضرائب، يستلمون مرتباتهم دون انقطاع من البنك المركزي في صنعاء، بينما يحرم المعلمون منها للعام السابع على التوالي.
وأضاف الكميم في بيان مذيل باسمه وصفته "بدلاً من تعامل السلطات الواقعي مع مطالبنا ومعالجة مشكلة رواتب التربويين والتربويات شرعت الحكومة في اتخاذ إجراءات أمنية تعسفية في حق التربويين فقبضت على مجموعة هنا وهناك ثم تطور الأمر بتهديد قيادات تربوية ونقابية وطلبات من مكاتب التربية لحضور قيادات للتحقيق معها بتهمة المطالبة بالرواتب".
يذكر أنه قبل خمس سنوات قدم يحيى الحوثي المعين وزيرا للتربية والتعليم لدى الحوثيين، لأعضاء مجلس النواب الموالين للجماعة في صنعاء، مشروع قانون "صندوق دعم المعلم"، كحل سحري لحالة العوز والمجاعة التي صنعتها المليشيا بانقلابها وحرمانها للمعلمين وموظفي الدولة من مرتباتهم.
وقد أقر برلمان صنعاء (غير معترف به) في 9 ديسمبر/أيلول 2019 القانون، وصادق عليه مرة أخرى كما قدمه الحوثي، دون الأخذ بتعديلات وتوصيات اللجنة المعنية، وبعد أسبوع فقط صُرف أول حافز "30 ألف ريال" للمعلمين المحرومين من رواتبهم.
وفي 19 مارس 2023، وجه البرلمان غير المعترف به، سلطات مليشيا الحوثي بتجميد عمل صندوق دعم المعلم والتعليم، لوجود مخالفات تم فيها صرف إيرادات الصندوق خارج إطار أغراضه التي أنشئ لأجلها.
وقبل أسبوعين، حاول مهدي المشاط المعين رئيسا المجلس السياسي الأعلى لدى الميليشيا الحوثية إلقاء اللوم على الشرعية والتحالف في انقطاع المرتبات، وقال إن السعودية أبدت استعدادها لصرف رواتب الموظفين لكنهم رفضوا ذلك، وإنهم طالبوا بتسليم الرواتب من الثروات النفطية والغازية لليمن.