الرئيسية > نوافذ ثقافية > ما هو الموت العظيم.. تعرف على كائنات نجت من أكبر انقراض جماعي في التاريخ!

ما هو الموت العظيم.. تعرف على كائنات نجت من أكبر انقراض جماعي في التاريخ!

" class="main-news-image img

 

   تقدر الدراسات العلمية بأنه قبل حوالي 250 مليون عام، شهدت الأرض حدثاً كارثياً يُعرف باسم "الموت العظيم"، والذي تسبب في انقراض جماعي للكائنات الحية.

  وخلال هذه الفترة، حدث تغير مناخي كبير ومفاجئ نتيجة لأحداث كارثية، وأدى ذلك إلى انقراض تسعة من كل عشرة أنواع حيوية على الأرض. هذا الحدث الكارثي فتح الباب أمام ظهور الديناصورات وتطورها في الفترة التالية.

  ويظهر سجل الحفريات خلال ذلك الوقت التحولات والاضطرابات الجذرية التي حدثت في البيئة الأرضية، حيث تأقلمت الأنواع الباقية بصعوبة مع هذه التغيرات المتسارعة في الظروف البيئية.

  وتعرض دراسة جديدة هذا الحدث الكارثي، وأثره بشكل مختلف على الكائنات الحية التي نجت، وتوفر رؤية مختلفة للتأثيرات التي أصابت الأنواع المتبقية بعد تلك الفترة المأساوية.

هجرات مذهلة

  أظهرت الدراسة المنشورة في دورية "كارنت بيولوجي"، أن أحد أنواع الزواحف المنقرضة المعروفة باسم "الثيرابسيدات"، هاجرت في رحلات مذهلة مسافتها تُقدر بنحو 10 آلاف كيلومتر بعيداً عن موطنها الأصلي، بحثاً عن موطئ قدم في بيئات أخرى تتيح لها التكاثر والاستمرار، إلا أنها فشلت في مسعاها، وانقرضت في نهاية المطاف.

  يُعد يوم "الموت العظيم" أخطر حدث انقراض جماعي في تاريخ الأرض. ويُمثل فاصلاً بين الفترات الجيولوجية "البرمية" و"الترياسية". أدى هذا الحدث إلى فقدان الغالبية العظمى من الأنواع البحرية والبرية.

  تشير التقديرات إلى أن حدث انقراض العصر البرمي-الترياسي تسبب في انقراض أكثر من 90٪ من الأنواع البحرية، ونحو 70٪ من أنواع الفقاريات الأرضية. وكان له تأثير عميق على النظم البيئية للأرض، وأدى إلى تغييرات كبيرة في تكوين الحياة على هذا الكوكب.

  لا تزال الأسباب الدقيقة لحدث الانقراض البرمي-الترياسي غير مفهومة تماماً، ولكن هناك العديد من النظريات.

  تشير إحدى الفرضيات البارزة إلى أن الانفجارات البركانية الهائلة في منطقة تعرف باسم "الفخاخ السيبيرية"، لعبت الدور الأكبر في ذلك الحدث الانقراضي، بعد أن أطلقت كميات كبيرة من غازات الدفيئة، وأدت إلى الاحتباس الحراري.

  كما أطلق ذلك النشاط البركاني الغازات السامة والهباء الجوي في الغلاف الجوي، مما أدى إلى تغير المناخ واضطراب بيئي شديد.

  وأدى انقراض الكائنات البحرية المهيمنة إلى إنشاء منافذ بيئية شاغرة، ملأتها في النهاية مجموعات جديدة من الكائنات الحية. لكن الحياة استغرقت ملايين السنين للتعافي، وإنشاء أنظمة بيئية جديدة.

  ويُمثل الحدث أيضاً نهاية حقبة الحياة القديمة، وبداية حقبة الدهر الوسيط، التي تميّزت بظهور مجموعات جديدة من الكائنات الحية، بما في ذلك الديناصورات.

ملاذات آمنة وأنواع انتهازية

  بعد حدث "الموت العظيم"، وجدت بعض الأنواع ملاذاً في جيوب أو موائل معزولة لم تتأثر نسبياً بحدث الانقراض. ووفرت هذه الملاجئ ملاذاً آمناً مكن للحيوانات الناجية من التعافي في نهاية المطاف بمجرد تحسن الظروف. كانت تلك الملاجئ في مناطق نائية عن الحدث الرئيسي أو بيئات أعماق البحار، أو موائل محمية.

  كما تمكنت مجموعات معينة من الكائنات، غالباً ما تتمتع بقدرة عالية على التكيّف والمرونة، من الاستفادة من المنافذ البيئية الشاغرة التي خلفتها الأنواع المنقرضة. وكانت هذه الأنواع، التي يطلق عليها الأنواع الانتهازية، قادرة على التنويع السريع والتوسع في أعدادها، وسد الفجوات في النظم البيئية.

  كما واجهت الأنواع الباقية على قيد الحياة ضغوطاً انتقائية شديدة، وتحديات بيئية في عالم ما بعد الانقراض.

  ومن خلال الانتقاء الطبيعي والتنوّع الجيني، كان لدى تلك الحيوانات سمات مفيدة وفرصة أكبر للبقاء والتكاثر، وبمرور الوقت، أدى ذلك إلى ظهور أنواع جديدة أو تكييف الأنواع الموجودة، لملء الأدوار البيئية التي كانت تشغلها في السابق الأنواع المنقرضة.

  لكن بعض الكائنات حاولت التأقلم مع الظروف الجديدة عبر الانتقال من بيئتها الأصلية إلى بيئات تبعد آلاف الكيلومترات. من ضمن تلك الكائنات نوع من الثيرابسيدات، التي عاشت خلال فترة العصر البرمي المتأخر.

  ولتلك المجموعة عدد من الخصائص التي تشبه الثدييات أكثر مقارنة بأسلافهم الزواحف. تتضمن بعض هذه الميزات وضعاً أكثر انتصاباً للأطراف، وعضلات الفك المتقدمة، وفي بعض الحالات، أسنان متخصصة.

  وكان للعديد من الثيرابسيدات أسنان متباينة، مع وجود اختلافات في الحجم والشكل سمحت بإستراتيجيات تغذية محددة. تظهر بعض الأنواع أيضاً دليلاً على وجود فتحات فم ثانوية، تفصل الممرات الأنفية عن تجويف الفم، مما يسمح بتنفس ومضغ أكثر كفاءة في وقت واحد.

من روسيا إلى جنوب إفريقيا

  ينتمي النوع الذي تتحدث عنه الدراسة، المعروف باسم INOSTRANCEV ، إلى تلك المجموعة من الزواحف الشبيهة بالثدييات، التي تعتبر واحدة من أكبر وأعظم الحيوانات المفترسة في عصرها، ويتميز ببنية قوية ورأس ضخم وفكين قويين.

  ومن سماته المميزة أنيابه الكبيرة التي كانت مستطيلة ومنحنية تشبه السيوف، والتي كانت تستخدم للصيد وقتل الفرائس.

  وتقول الدراسة إن ذلك المفترس هاجر لمسافة أكثر من 10 آلاف كيلومتر عبر القارة العملاقة "بانجيا".

  لأول مرة، عثر العلماء على حفريات لذلك المخلوق في المنطقة التي تُعرف الآن باسم "جنوب إفريقيا"، على الرغم من أن الموطن الأصلي لذلك المخلوق هو المنطقة التي تُعرف الآن باسم "روسيا".

  وملأت هذه الهجرة فجوة في نظام بيئي بعيد عن موطنه الأصلي، إذ فقد النظام البيئي المحلي أهم الحيوانات المفترسة.

  مع ذلك، على الرغم من هذه الهجرة الناجحة والدور البيئي الذي لعبه ذلك المفترس، لكنه انقرض في النهاية.

  وتسلط الدراسة الضوء على قدرة "الثيرابسيدات" على الانتشار عبر مسافات طويلة، والتكيّف مع بيئات جديدة، والوفاء بالدور البيئي لحيوان مفترس كبير في النظم البيئية التي فقدت مفترساتها السابقة. كما يوفر اكتشاف نمط الهجرة هذا نظرة ثاقبة للسلوك، والقدرة على التكيف، والأهمية البيئية لتلك العملية.

التعلّم من الماضي

  وتؤكد الدراسة أيضاً أن الثيرابسيدات لعبت دوراً مهماً في التاريخ التطوّري للفقاريات، لأنها تمثل مجموعة انتقالية مهمة بين الزواحف والثدييات.

  وبالإضافة إلى إلقاء ضوء جديد على حدث الانقراض، الذي ساعد في ظهور الديناصورات، يقول العلماء إن الدراسة مهمة لما يمكن أن تعلمنا إياه عن الكوارث البيئية التي يمر بها الكوكب حالياً.

  ومن خلال دراسة أحداث الانقراض السابقة، يمكن للعلماء تحديد الأنماط والعمليات التي تؤدي إلى فقدان الأنواع. وتساعد هذه المعرفة في فهم ضعف مجموعات معينة من الكائنات الحية، ما يساهم في جهود الحفظ لحماية التنوع البيولوجي اليوم.

  كما يُمكن أن يساهم فهم أسباب وآثار الانقراض الجماعي في الماضي، على التعرف على علامات التحذير المحتملة، والاستعداد بشكل أفضل للمستقبل، عبر تحديد العوامل التي تسهم في انهيار النظام البيئي والتعلم من "أخطاء الماضي".


الحجر الصحفي في زمن الحوثي