الرئيسية > تقارير وحوارات > القضية التي قيّد "الخذلان" ملفها .. قصة ضحية افتقدت للحماية والآمان

القضية التي قيّد "الخذلان" ملفها .. قصة ضحية افتقدت للحماية والآمان

" class="main-news-image img

نجت الناشطة سارة علوان بعد طلقة انتحار ألقت بها على صدرها، الأربعاء 2 نوفمبر 2022، في مدينة تعز (جنوب غربي اليمن)، وكان دافع انتحارها الهروب ممّا تتعرض له من ابتزاز باستخدام صورها من قبل جارها، في حادثة تعتبر من أخطر ممارسات الابتزاز الإلكتروني في اليمن، في ضعف قانوني وعجز الجهات المختصة، في مكافحة مختلف ممارسات الابتزاز.

قبل الإقدام على الانتحار نشرت الناشطة منشورات عبر صفحتها على فيسبوك، كشفت عن أسماء المبتزين، كما عبّرت عن مظلوميتها في بلدٍ وصفته بغير الصالح للعيش، واستهدفت رسائلها الأخيرة عواطف اليمنيين؛ الأمر الذي أثار غضب الرأي العام ضدّ مرتكِبِي الانتهاك، وندّد الغالبيةُ العظمى باستنكارٍ ضدّ المبتزّين، كما طالبوا بضبطهم أمنيًّا.

يقول عبدالسلام خالد، أحد أقرباء سارة علوان، لـ"خيوط"، إنّه في شهر مارس/ آذار من العام الجاري 2022، قدّمت أسرة سارة شكوى إلى إدارة البحث الجنائي بعد التعرّف على المبتزّ حينها، بينما ظلّ والدها محفوظ علوان، يتابع القضية لمدة طويلة، لكن كان هناك إهمال للقضية من قبل البحث الجنائي، والمَبالِغ التي كان يصرفها أثقلت كاهله دون تحقيق نتائج إيجابية للقبض على المبتزّ، فاضطرّ إلى إيقاف القضية.

ويتحدث خالد عن تدخل شخصيات ومسؤولين في السلطة المحلية بتعز (تحفظ عن ذكر أسمائهم)، لإنهاء القضية وَفقَ تسوية معينة تنتهي بالصلح، إذ إنّ أسرة المبتزّ تسكن في الدور العلوي من العمارة التي تسكنها أسرة سارة.

لا يمكن لفتاة أن تتجاوز هذه المشكلة إلا إذا كانت مدعومة ومحاطة بأسرة واعية ومتفهمة ومساندة لها، فالعدوّ الأول لضحية الابتزاز هو الخوف، وهو ما يتطلب التغلب عليه لمجابهة مثل هذه الممارسات". وبعد تكبُّد الأسرة مبالغ كبيرة في المتابعة والتواصل والكشف عن أشياء عديدة كانت غامضة في هذا الموضوع، وإطلاع الجهات المختصة بها، بحسب تأكيدات عبدالسلام، لم يتخذ البحث الجنائي أيّ إجراءات للقبض على المتهمين، في حين كان هناك تساهلٌ من قبل الأب، وفق تعبيره.

الدور الأمني 

أكّدت الأجهزة الأمنية بتعز، بعد ساعات من وقوع الحادثة يوم الأربعاء، أنّها قامت بضبط المشتبه به في قضية ابتزاز الناشطة سارة علوان، بعد محاولتها الانتحار ونقلها إلى المستشفى لتلقي العلاج.

وذكر بيان صادر عن شرطة تعز، اطلعت عليه "خيوط"، أنّ القضية كانت منظورة في إدارة البحث الجنائي منذ تاريخ 12 مايو/ أيار 2022، بتعرّض المذكورة "سارة علوان" لابتزاز من قبل أرقام مجهولة محلية وأخرى دولية، بدءًا من تاريخ 5 فبراير/ شباط 2022، وقد باشر المختصون بإجراءات التحري والمتابعة وجمع الأدلة حتى تم التمكُّن من تحديد هُوية المبتزّ.

وبحسب البيان، فإنّه عقب تحديد هُوية المبتزّ، طلب والد "سارة" إيقاف الإجراءات في تاريخ 29 أغسطس/ آب 2022، بمبرر وجود مساعي صلح باعتبار أنّ "المبتزّ" من جيران منزل أسرة الضحية.

في السياق، أفاد مصدر مسؤول في إدارة البحث الجنائي بمحافظة تعز، فضّل عدم ذكر اسمه، في تصريح خاص لـ"خيوط"، أنّ ملف سارة علوان ظلّ في إدارة البحث منذ تقديم البلاغ، بعد إهماله من قبل أسرتها في متابعة القضية، كما أنّه كان هناك إهمال من قبل إدارة البحث، في حين تم التوقف عن متابعة القضية بعد فترة من الإهمال لإتاحة أي فرصة للصلح.

وقال هذا المصدر، إنّ القضية ظلّت مرمية بالبحث حتى وقعت حادثة محاولة الانتحار، وتحرّكت الأجهزة الأمنية للقبض على الجناة، لأنّ القضية أصبحت قضية رأي عام، مشيرًا إلى وجود تقصير من قبل الجهات المختصة بالرغم من كل مؤشرات الإدانة للمتهم، والذي كان يجب ملاحقته والقبض عليه، حتى وإن تساهلت أسرة "سارة علوان" في متابعة القضية.

ويشدّد أسامة الشرعبي، مسؤول الإعلام في شرطة محافظة تعز، في حديثه لـ"خيوط"، على ضرورة تكاتف الجميع للقضاء على ظاهرة الابتزاز، مؤكِّدًا استعداد الأجهزة الأمنية للتعاطي الإيجابي مع كل المبادرات والمقترحات التي من شأنها معالجة بعض الظواهر والإسهام بتقديم الحلول لها.

تعامل المجتمع

في القانون اليمني، يعتبر التهديد والسبّ وإفشاء الأسرار الخاصة، من جرائم الشكوى التي نصّ عليها قانون الإجراءات الجزائية اليمني، على سبيل الحصر في المادة رقم (27)، الأمر الذي يعني أنّه لا تستطيع أجهزة الدولة تحريكَ دعوى ضدّ من قام بالتهديد أو السبّ لمجرد علمهم فقط (لمجرد البلاغ)، ولكن ينبغي أن يتقدّم المتضرِّر بشكوى رسمية ممهورة بتوقيعه، ومبيّنًا فيها الواقعة مع الأدلة، وقتَها تبدأ الأجهزة الأمنية والقضائية بالتحرّك.

المحامي صلاح أحمد غالب، يقول في هذا الصدد لـ"خيوط"، إنّ جرائم الابتزاز محاطة بثقافة العيب، والخوف من المجتمع والأسرة، الذين يدينون الضحية لصالح الجلّاد (المبتزّ)، لذلك هذا النوع من القضايا لا تسير في اتجاه قانوني.

ويشير إلى أنّ "القانون اليمنيّ حتى الآن لا توجد فيه وحدة لمكافحة الابتزاز الإلكتروني، كما لا توجد شرطة نسائية متخصصة وواعية لهذا النوع من القضايا الحساسة، وكيفية التعامل معها".

ويدعو ناشطون وأكاديميّون الأجهزةَ المختصة في تعز إلى إيجاد الحلول المتاحة للنظر في جميع هذه الحالات والتعامل معها بشكل فاعل ومسؤول وإنساني حتى لا تتكرر، وبما يؤدّي إلى خلق علاقة إيجابية فاعلة بين الأجهزة الأمنية، والمجتمع بشكل عام.

وتؤكِّد رئيسة قسم علم الاجتماع بجامعة تعز، ذكرى العريقي، لـ"خيوط"، معاناة الفتيات اليمنيات من عدم الاستقرار النفسي والعاطفي منذ الطفولة المبكرة، مضيفة أنّ المرأة في اليمن تحاول وتعمل على أن تصبح ناجحة وفاعلة، لكنّها تجد نفسها غير قادرة على احتواء روحها وتقديرها بما يليق بها.

التصدي للابتزاز

تزداد جرائم الابتزاز في المجتمعات المنغلقة ذات الوعي المتدني، إذ إنّ صور المرأة في هذه المجتمعات تُعدّ مرادفًا للعار والفضيحة. 

وتطرّقت الناشطة اليمنية، غيداء محمد، في حديثها لـ"خيوط"، إلى أهمية توعية المجتمع وإخراجه من حيّز هذه الأفكار الضيقة البالية، وإيجاد قانون رادعة لكلِّ من يمارس الابتزاز، للحدّ من تفشّي مثل هذه الظواهر.

وترى غيداء أنّه لا يمكن لفتاة أن تتجاوز هذه المشكلة إلّا إذا كانت مدعومة ومحاطة بأسرة واعية ومتفهمة ومساندة لها، فالعدو الأول لضحية الابتزاز هو الخوف، وهو ما يتطلب التغلب عليه لمجابهة مثل هذه الممارسات.

من جانبه، يقول الكاتب الصحفي عبدالرحمن الشوافي، لـ"خيوط"، إنّ هناك تقصيرًا من قبل الجهات الأمنية في التعاطي مع قضايا الابتزاز الإلكتروني.

ويتابع حديثه: "قضية الناشطة سارة علوان ينبغي أن تكون مثالًا واضحًا على أنّ أيّ تقصير من قبل أجهزة الدولة، يُشعِر المواطن بالعجز والخذلان، فيلجأ إلى التفكير بإنهاء حياته، خصوصًا إذا كانت الضحية امرأة في مجتمع مثل مجتمعنا ينظر لهكذا قضايا باعتبارها قضايا شرف".

كما يتوجب إعطاء مثل هذه القضايا الاهتمام الكافي، من خلال تفعيل دور "قسم مكافحة الجرائم الإلكترونية"، وتخصيص مسؤولين موثوقين"، لمباشرة هذه القضايا والتعامل معها.

المصدر: موقع خيوط


الحجر الصحفي في زمن الحوثي