الرئيسية > محليات >  مع انطلاق العام الجامعي الجديد .. تدهور العملة المحلية يفاقم معاناة «طلاب الأرياف» في تعز ويعقيهم عن مواصلة التعليم ؟

 مع انطلاق العام الجامعي الجديد .. تدهور العملة المحلية يفاقم معاناة «طلاب الأرياف» في تعز ويعقيهم عن مواصلة التعليم ؟

" class="main-news-image img

على غير عادته،  عادل محمود في الصباح الباكر في المكان الذي يعيش فيه مع طلاب آخرين ليحزم ملازمة ويبدأ مشواره إلى جامعة تعز سيراً على الأقدام.

تتحدث عادل  عن معاناته قائلاً: "كنت أطلع الباص من السكن في محطة الغاز الكائن في رجحت الدوخن إلى جامعة تعز بمائين ريال، الآن أصبح المشوار الواحد ثلاثة مشاوير والسعر ضعف الأول".

ويضيف عادل القول "الأسعار ارتفعت بشكلٍ جنوني مؤخراً وكيف لي أن أسد جميع احتياجي وإذا أكثرت من المطالب للأسرة أعتقد بأن مصيري سيكون كمصير الكثير من الشباب أمثالي دراستي وحياتي أصبحت كلها معاناة وهمي الوحيد أن أكمل الدراسة".

لست محمد الوحيد ممن تواجه الظروف المعيشية الصعبة بالنسبة له  كطالب جامعي  فهناك المئات من القصص المشابهة للعزيمة والإصرار التي تتمتع به الشباب والفتيات الذي من الأرياف في سبيل إكمال مشوارهم الجامعي وهو المشروع الذي تتحمل بسببه الصعاب والعقبات العديدة".

وتفتح الجامعات بتعز أبوابها لتستقبل عاماً دراسياً جديداً، يتدفق إليهن الآلاف من مختلف مديريات المحافظة، ومن خلفهم معاناة متفاقمة وطموحات متعثرة تمثل انعكاساً مباشراً للمستوى المعيشي للمواطنين خاصةً أولئك الذين يأتون من أرياف المدينة إذ تتضاعف معاناتهم مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والمواصلات العامة.

تدهور العملة يفاقم المعاناة

في حديثه  يشكو "وائل الحبشي " المعاناة التي يعيشها ويقول إنه بسبب هبوط سعر العملة أصبحت الصرفة "المصروف اليومي" التي أحصل عليها من والدي لا تكفيني حتى للمواصلات من السكن إلى الجامعة، فما بالكم بالإيجار والأكل والشراب والمستلزمات الجامعية.

ويضيف قائلاً "صحيح أن الشعب بأكمله أصبح يعاني سواء أبناء المدن أو القرى، لكن هناك فرق شاسع بين أن تكون طالب ريفي أو طالب من المدينة أقل شيء أنهم يتناولون الوجبات الغذائية بدون معاناة أما نحن وخاصة الفترة الأخيرة نلجأ إلى اختصار الثلاث الوجبات إلى وجبتين إما أن ننام بدون عشاء أو أن نذهب إلى الجامعة بدون فطور".

ومع تدهور قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية ارتفعت أسعار المواد الغذائية بما يزيد عن الضعف ووفقاً لإحصائيات للبنك الدولي فإن الريال اليمني خلال السبع السنوات الأخيرة فقد ما يزيد عن 500% من قيمته قبل اندلاع الحرب في البلاد وهو ما انعكس سلباً على أسعار المواد الغذائية.

ويتابع "وائل" بنبرة يعتصرها الحزن والألم "كنت اشتري عشرة أقراص رغيف بمائتي ريال واليوم أصبحت بخمسمائة ريال حتى الماء ارتفع سعره، وبقية المواد الغذائية أسعارها تتغير كل ليلة مع أننا لا نعرف منها سوى علبة الزبادي، لأن ميزانية صرفتي الشهرية محدودة من الأسرة ودخلنا يعتمد على الأرض والفلاحة"وفوق ذلك دافع الرسوم الجامعي في جامعة الجند الذي يكلفنا اكثرمن أربعمائة ألف ريال.

العمل مع مواصلة التعليم

في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها الطلاب من أبناء المناطق الريفية، يلجأ البعض منهم إلى العديد من البدائل التي يرون بأنها تخفف عنهم حجم الضغط المادي، فيعزمون على مواصلة الدراسة والبحث عن عمل إلى جانبها لجني مبلغ بسيط يغطي جزء من نفقاتهم الدراسية، وهذا يؤدي إلى تشتت أوقاتهم بين العمل والدراسة، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض مستوى تحصيلهم العلمي.

"محمدالمجاهد" طالب في كلية الآداب وهو واحد من الطلاب المتفوقين علمياً، إلا أن الظروف المعيشية الصعبة أجبرته للعمل مع كثير من الشباب في الدرجات الناريه في منطقة مفرق جبل حبشي لعله يجدما يجني منه ولو القليل من المال ليساعده في سد حاجاته الأساسية.

يقول محمدالمجاهد "خلال الفترة الحالية أصبحت مضطراً لأتغيب عن بعض المحاضرات الجامعية وأنا اتكفل بنفسي وبدون مساعدة أحد، فحال الأسرة غير مؤهل لتحمل صرفتي".

ويضيف "حالياً أعمل في سواقه الدراجه الناريه ورغم المخاطر والتعب بين حرارة الشمس، لكن ذلك لن يعفيني من مواصلة الكفاح وتحقيق أمنيتي في نيل الشهادة الجامعية".

وتشير تقارير للأمم المتحدة إلى أن هناك ما يزيد عن 30% من طلاب الجامعات اليمنية باتوا غير قادرين على الحضور إلى القاعات الدراسية، فضلاً عن عزوف الكثير من خريجي الثانوية العامة عن الالتحاق بالتعليم العالي نتيجة للظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها اليمنيين في بلد يصنف بأنه يعيش في أسوأ كارثة إنسانية في العالم.

ونظرة الحسرة تكاد تخفي ملامح وجهه يتابع محمد  "لا أريد أن أتوقف عن الدراسة كما فعل شقيقي الذي يعمل حالياً في مجال الصحة في المديرية، أكثر ما يزيد من الإحباط لدي رغبتي في الاطلاع والقراءة والمتابعة الدراسية".

ويتابع الحديث "كلما فكرت بكل ما يرتبط بالدراسة أشعر بأن شيء ما يخنقني الوقت ضيق جداً ومعظم وقتي يمضي في الوقوف والبحث عن عمل أو في العمل".

وقف التعليم والالتحاق بجبهات القتال

مع استمرار المعاناة يلجأ بعض الطلاب من أبناء الريف إلى قرارات أكثر صعوبة ومرارة وهي التوقف كليًا عن الدراسة وإيقاف القيد الدراسي حتى يتسنى لهم البحث عن عمل لمساعدة أسرهم، إذا أن كثير من الأسر مع ارتفاع الأسعار والغلاء المعيشي، أصبحت لا تستطيع توفير نفقات الأسرة الضرورية، فما بالك بنفقات الدراسة.

ونتيجة لقلة فرص العمل في أرض الوطن بسبب الأوضاع الجارية، يضطر كثير من الشباب إلى الالتحاق بجبهات القتال، خاصة في مناطق الساحل الغربي والحد الجنوبي للملكة العربية السعودية نتيجة للإغراءات المادية في تلك الجبهات.

"محمدنجيب" أحد الشباب الذين تركوا الدراسة في جامعة تعز وذهب مع مجموعة من أصدقائه إلى المناطق الحدودية، لكن آماله تبددت فور وصوله نتيجة لإصابته.

يتحدث "محمد"  وهو متكئ على فراشه بسبب إصابته في الشلل الذي بات ملازم له فيقول: "ارتفعت الأسعار وضاقت عليّ العيشة خاصةً أن قسم المختبرات يتطلب مستلزمات كثيرة، قلت في نفسي أوقف قيد لعام واحد فقط وأذهب كما يفعل البقية إلى الحدود وأعود فور استلامي لمرتبين على الأقل لأسد حاجاتي الدراسية كالسكن والمصاريف وأخفف على والدتي في القرية".

ويواصل "محمد" رواية قصته "شاءت الأقدار أن أصاب إصابة في الظهر وبعد معاناة كبيرة استطاع بعض الأصدقاء أن يأخذوا ترخيص لترحيلي وخرجت إلى مأرب وكان أبي في استقبالي وعدنا إلى تعز تحديدا إلى القرية في وادي حنا جبل حبشي والآن أصبحت مجرد عالة على أبي لأنني مشلول كليا.

ويضيف "محمد" أوجاعي تتضاعف كلما فكرت بأنني خسرت دراستي من جهة ولم استطع أن أعول نفسي كما فكرت من جهة أخرى، لكن السبب الأول في معاناتي هي الظروف الصعبة ارتفاع الأسعار وأنا من قرية ما كان عندي سكن أو أهل في المدينة، فكانت الصرفة تتضاعف كلما زاد سعر الصرف".

بات الوضع الاقتصادي المأساوي يدفن أحلام الطلاب الريفيين قبل ولادتهافكم من طالب متفوق اضطر لقطع تعليمه والبحث عن عمل فمنهم من لا يكمل الثانوية ومنهم من يكملها ولا يدخل الجامعة ومنهم من درس سنة، ومنهم سنتين في الجامعة ثم يتوقف ويذهب للبحث عن عمل ومساعدة أبيه في إعالة أسرته.

ويبدو أن أوجاع ومعاناة الطلاب من أبناء المناطق الريفية وأقرانهم من الطلاب لن تنتهي إلا بعد معالجات اقتصادية وتحسن للأوضاع المعيشية في البلادوهو أمر مرتبط بتوقف الحرب بدرجة رئيسية.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي