الرئيسية > اقتصاد > تمثل قفزة عالمية كبرى .. دولة خليجية تبدأ انتاج وقود جديد بديل للنفط و الديزل .. تفاصيل

تمثل قفزة عالمية كبرى .. دولة خليجية تبدأ انتاج وقود جديد بديل للنفط و الديزل .. تفاصيل

" class="main-news-image img

تعكف منذ أربع سنوات، على تشييد وحدة صناعية في السعودية، لإنتاج "الهيدروجين الأخضر". ويتم تشغيل هذه الوحدة بطاقة تبلغ نحو أربعة غيغا واط من الكهرباء، التي يجري توليدها من مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المتناثرة في أنحاء مختلفة من صحاري المملكة. ويُقال إن هذه الوحدة هي الأكبر في العالم، على صعيد إنتاج ذلك النوع الجديد من الوقود. وتفيد الأنباء بأن عمليات التخطيط لإقامة مزيد من الوحدات المماثلة، تجري حاليا على قدم وساق في السعودية. لكن السعوديين ليسوا وحدهم من يرون أن "الهيدروجين الأخضر"، يشكل التطور الرئيسي المقبل في عالم الطاقة. فباستثناء الولايات المتحدة التي يبدو أنها لا تُلقي بالا لهذا النوع من الوقود؛ يوجد اندفاع باتجاهه في بقاع مختلفة حول العالم، إذ تعتقد الكثير من الحكومات والشركات والمستثمرين ونشطاء حماية البيئة كذلك، أنه يمثل مصدرا للطاقة، يمكن أن يساعد على إنهاء عصر الاعتماد على أنواع الوقود الأحفوري المختلفة، وإبطاء وتيرة زحف العالم نحو حقبة تشهد مزيدا من ارتفاع درجة الحرارة.

وتقول ريتشيل فخري، المحللة المتخصصة في شؤون الطاقة في مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية، وهو منظمة غير هادفة للربح تتخذ من نيويورك مقرا لها، إن هذا النوع من الوقود "واعد للغاية". وترى فخري ونظراؤها من الخبراء أنه برغم أن بمقدورنا الاستفادة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء اللازمة للمنازل والسيارات الكهربائية، فإن "الهيدروجين الأخضر"، يمكن أن يكون مصدر طاقة مثاليا، لتشغيل قطاعات صناعية كثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل تصنيع الصلب والخرسانة. كما يمكن استخدامه في جوانب من قطاع النقل، من الصعب الاستعانة بالكهرباء لتشغيل الوسائل المُستخدمة فيه. وتوضح فخري في هذا الصدد إنه بينما يصعب تسيير مركبات كهربائية في 15 في المئة من قطاع النقل، بما يشمل "الطيران والشحن والنقل بالشاحنات لمسافات طويلة، فمن الممكن الاستعانة بـ `الهيدروجين الأخضر` في هذا الشأن".

ويلقى هذا النوع الجديد من الوقود الترحيب في أوروبا، التي تُثقل اقتصادياتها بالتكاليف المرتفعة لاستهلاك الطاقة، وتعتمد بشدة على الغاز الطبيعي الوارد من روسيا. وتتجسد هذه الحفاوة، في صورة توفير التمويل اللازم لتشييد وحدات التحليل الكهربائي، الضرورية للفصل بين جزيئات الأكسجين والهيدروجين في الماء، وغيرها من منشآت البنية التحتية الأخرى المرتبطة بإنتاج ذاك النوع من الوقود. وفي هذا الإطار، خصصت ألمانيا لـ "الهيدروجين الأخضر"، الجانب الأكبر من ميزانيتها الرامية لتحفيز توليد الطاقة النظيفة. ورغم أن الترويج لإمكانية استخدام الهيدروجين كوقود جرى على مدار عقود طويلة، فإنه لم يُستفد به على هذا الصعيد من قبل قط على نطاق واسع؛ ولأسباب وجيهة كما يقول المتشككون في مدى فعاليته. فبحسب هؤلاء، ثمة عقبات خطيرة تواجه ذلك، وعلى رأسها أن الوقود الهيدروجيني، يحتاج طاقة متجددة حتى يصبح خاليا من الكربون، وبالتالي صديقا للبيئة. ويتطلب هذا الأمر توسعا هائلا في توليد الطاقة المتجددة اللازمة لتشغيل وحدات التحليل الكهربائي.

أما الطريقة الأكثر انتشارا في الوقت الحالي لإنتاج الوقود الهيدروجيني، فتتمثل في ما يُعرف بـ "إصلاح الغاز الطبيعي" أو "إصلاح البخار"، وهي عملية كيمياوية، تخضع لها الهيدروكربونات الطبيعية الموجودة في أنواع من الوقود الأحفوري مثل الغاز الطبيعي، بهدف إنتاج غاز "الاصطناع"، وهو مزيج من غازيْ الهيدروجين وأحادي أكسيد الكربون. ويعني هذا أن الوقود الهيدروجيني يحتاج في هذه الحالة إلى مُدخلات من الوقود الأحفوري. ونتيجة لذلك، تشهد عملية التحضير الكيمياوية هذه، انبعاث ثاني أكسيد الكربون، ما يفضي إلى ألا يكون الوقود الناتج عنها صديقا للبيئة، ولذا يُطلق عليه اسم "الهيدروجين الرمادي". وحتى إذا تغافلنا عن طريقة إنتاج هذا النوع من الوقود، فمن الصعب تجاوز المشكلات، التي تكتنف مسألة تخزينه ونقله بدون وجود خطوط أنابيب. فضلا عن ذلك، تزيد تكلفة الهيدروجين كثيرا في بعض دول العالم، ومن بينها الولايات المتحدة، على تكاليف إنتاج أنواع الوقود الأخرى، ومن بينها الغاز الطبيعي.

وبرأي مايكل ليبريك، وهو محلل في شؤون تمويل مصادر الطاقة الجديدة لدى شبكة "بلومبرغ" وأحد المتشككين في جدوى "الهيدروجين الأخضر"، يكشف ما أشرنا إليه في السطور السابقة، عن وجود "قائمة من العيوب" المرتبطة باستخدام هذا النوع من الوقود، مماثلة تماما لقائمة المزايا التي تنطوي على الاستعانة به. وفي واحدة من مقالتين كتبهما ليبريك للقسم الخاص بتمويل مصادر الطاقة الجديدة في "بلومبرغ"، قال الرجل إن "الهيدروجين الأخضر" لا يوجد بشكل طبيعي في البيئة، لذا من الواجب استخدام طاقة لتوليده. بجانب ذلك، يتطلب تخزينه، وفقا للمقال، ضغطه بشكل هائل "وتبريده إلى درجة 253 مئوية تحت الصفر. كما تحتوي الوحدة الواحدة منه على ربع الطاقة الموجودة في مثيلتها من وحدات الغاز الطبيعي. بجانب ذلك، يصيب (الهيدروجين الأخضر) المعادن بالهشاشة، ويتسرب عبر أي ثقوب مهما بلغت ضآلة حجمها، فضلا عن أنه قابل للانفجار أيضا".

وقد اكتشفت بعض مشروعات "الهيدروجين الأخضر" هذه العيوب بنفسها وعلى نحو مزعج لها كذلك. ففي استراليا مثلا، اضطر اتحاد شركات يحمل اسم "آيجان رينيوابل إنيرجي هَبْ"، لتغيير خططه الرامية لتصدير الهيدروجين عبر خطوط الأنابيب إلى سنغافورة، وذلك بعدما أدرك مسؤولو الاتحاد - وفقا لتقارير - الصعوبات التي تكتنف عملية تسييل هذا الغاز ونقله لتلك المسافة الطويلة. فقد كانت هذه العملية، تتطلب إنشاء وحدة للتحليل الكهربائي، تبلغ الطاقة اللازمة لتشغيلها 23 غيغا واط، من أجل إنتاج "الهيدروجين الأخضر". وكان الحصول على هذه الطاقة، يستلزم الاستعانة بـ 1600 من التوربينات الضخمة التي تُستخدم لتوليد طاقة الرياح، بجانب نشر ألواح لتوليد الطاقة الشمسية تبلغ مساحتها مجتمعة 30 ميلا مربعا (نحو 50 كيلومترا مربعا).

وهكذا، قرر اتحاد الشركات الأسترالي في نهاية المطاف التحول لتصدير الأمونيا، وهو غاز أكثر استقرارا، إلى سنغافورة، رغم أن مشروعه الخاص بتصدير "الهيدروجين الأخضر"، كان قد حصل على الموافقات اللازمة من جهات حماية البيئة في استراليا. ورغم كل هذه المشكلات، لا يزال "الهيدروجين الأخضر" - كما يقول ليبريك - مهيمنا بشدة على مُخيلة المتفائلين بإمكانية الاستفادة بالتكنولوجيا المتطورة في مجال الطاقة. ويقول بِن غالاغار، المحلل المتخصص في شؤون الطاقة في مجموعة "وود ماكنزي" الاستشارية الدولية لأبحاث الطاقة والكيماويات والمعادن والتعدين، إن "الهيدروجين الأخضر" وقود جديد من نوعه، إلى حد يجعل الغموض يكتنف مستقبله. ويوضح رؤيته في هذا السياق بالقول: "لا يوجد لدى أحد فكرة حقيقية عما يدور على هذا الصعيد. الأمر كله لا يعدو تكهنات في هذه المرحلة. من العسير في الوقت الحاضر، النظر إليه (الهيدروجين الأخضر) باعتباره نوعا جديدا من النفط. رغم ذلك، فمن الممكن أن يشكل جزءا مهما من المزيج الكلي للوقود".

لكن المتحمسين لهذا النوع الجديد من الوقود، يرون أن إمكانياته المحتملة مثيرة للاهتمام، بقدر لا يمكن تجاهله. فإذا تكللت جهود إنتاجه باستخدام مصادر الطاقة المتجددة بالنجاح، فإن ذلك يعني أنه سيكون خاليا من ثاني أكسيد الكربون. بالإضافة إلى ذلك، من شأن استخدام هذه الطريقة لإنتاج الوقود، حل مشكلة التقطع وعدم الاستمرارية، التي تُبتلى بها طاقة الرياح والطاقة الشمسية، والتخزين الفعال للناتج من استخدام هذه المصادر المتجددة من الطاقة في صورة "هيدروجين أخضر". فعندما ينخفض مستوى الطلب على مصادر الطاقة المتجددة في فصليْ الربيع والخريف، يمكن الانتفاع بالفائض من الكهرباء التي يتم توليدها باستخدامهما، لتشغيل وحدات التحليل الكهربائي اللازمة للفصل بين جزئيات الهيدروجين والأكسجين في الماء، ثم تخزين "الهيدروجين الأخضر" الناتج عن ذلك، أو نقله إلى مناطق أخرى عبر خطوط الأنابيب.

وفي الوقت الحاضر، يحظى ذلك النوع من الوقود باهتمام واحتفاء عدد متزايد من الدول والشركات في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا. ورغم أن الولايات المتحدة، تتخلف قليلا عن هذا الركب، نظرا لأن لديها أنواعا أخرى من موارد الطاقة الأقل تكلفة بكثير مثل الغاز الطبيعي، فإن هناك العديد من المشروعات الخاصة بـ "الهيدروجين الأخضر" قيد الإنشاء في الفترة الحالية بالفعل، مثل وحدة لتوليده بولاية يوتا. ومن المقرر أن تحل هذه الوحدة محل محطتيْن عتيقتيْن لتوليد الطاقة تعملان بالفحم. وسيُنتفع من الوحدة الجديدة لتوفير الكهرباء اللازمة للاستخدام، في ولايتيْ يوتا ونيفادا، وفي المناطق الواقعة في جنوبي ولاية كاليفورنيا.

في الوقت نفسه، تسعى منطقة الشرق الأوسط، التي تحظى بأرخص مصادر للطاقة الشمسية وطاقة الرياح في العالم، إلى أن تصبح أحد الأطراف الرئيسية على صعيد إنتاج "الهيدروجين الأخضر". ويقول توماس كوخ بلانك، المسؤول البارز في مؤسسة "روكي ماونتِن" البحثية في الولايات المتحدة، إن السعودية "تمتلك طاقة متجددة منخفضة التكاليف، على نحو يبعث على السخرية (وذلك في ضوء احتياطياتها الهائلة من النفط). فما من شك في أن الشمس تسطع يوميا هناك بقوة، وأن الرياح تهب كذلك في هذا البلد في كل ليلة. من العسير أن يتغلب بلد آخر على السعودية في هذا المضمار". وتفيد تقديرات الوحدة الخاصة بشؤون تمويل مصادر الطاقة الجديدة في "بلومبرغ"، بأن إنتاج كمية من "الهيدروجين الأخضر" تكفي لسد ربع احتياجات العالم من الطاقة، يتطلب كهرباء تفوق تلك التي يتم توليدها على سطح الأرض في الوقت الحاضر، ويستلزم أيضا توفير استثمارات تصل إلى 11 تريليون دولار، لتغطية نفقات الإنتاج والتخزين. ولهذا السبب ينصب التركيز الآن، على الاستعانة بهذا النوع من الوقود، لتشغيل ما لا يزيد على 15 في المئة من حجم الاقتصاد العالمي، بهدف خدمة القطاعات التي يصعب سد احتياجاتها من خلال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ومن بينها التصنيع الثقيل والنقل بالشاحنات لمسافات طويلة، وتوفير الوقود اللازم لسفن الشحن والطائرات كذلك.

وتبلغ كثافة الطاقة في "الهيدروجين الأخضر" ثلاثة أضعاف مثيلتها في وقود الطائرات المستخدم حاليا. ويجعل ذلك هذا النوع الجديد من الوقود خيارا واعدا، لتسيير الطائرات دون صدور انبعاثات كربونية عنها. ورغم ذلك، قالت شركة "آيرباص" الأوروبية لتصنيع الطائرات في بيان أصدرته مؤخرا، إن هناك مشكلات لا يُستهان بها، يتعين التعامل معها في هذا الصدد. ومن بين هذه المشكلات، تدبير التكاليف الخاصة بإنتاج "الهيدروجين الأخضر"، والوصول إلى طريقة آمنة لتخزينه على متن الطائرات، وكذلك توفير البنى التحتية الملائمة لهذا النوع من الوقود في المطارات. ويقول غلين ليوالين، أحد كبار المسؤولين عن برنامج تتبناه "آيرباص" لتطوير طائرة عديمة الانبعاثات الكربونية، إن تجسيد فكرة "الطيران عديم الانبعاثات على أرض الواقع، يجعل من اللازم الاستعانة بـ `الهيدروجين الأخضر` وإبرام شراكات بين الأطراف المختلفة المنخرطة في قطاع الطيران". ويشعر ليوالين بالتفاؤل إزاء إمكانية حدوث ذلك، قائلا إنه يعتقد أن بالإمكان تسيير طائرة تعمل بالهيدروجين بحلول عام 2035.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي