كتبت / ساجدة المنصوب
الطالب محمد في الصف السادس ويبلغ من العمر 11 عاما ، يعتبر من أنبل وأذكى طلاب المدرسة تحصيلا وسلوكا وثقافة ، ورشح كطالب مثالي في مدرسةالفقيد أكرم الصيادي بمديرية قعطبة محافظة الضالع ، كما أن لمحمد مواهب عدة كالخط والرسم وفصاحة الإلقاء ، بالإضافة لكونه التلميذ المحبب لدى زملائه ومعلماته .
وخلال الأيام الماضية أخبرتني والدته أنه تراجع شغفه بمذاكرة دروسه ، والتي تعتبر أيضا هي من أبرز معلمات المدرسة تميزا .
تفاجأت من كلام والدته فالطفل طموح جدا ومن أسرة راقية ومهتمه بالعلم وتشجع له ، لكنها قالت : لقد أعيانا يا أستاذة ساجدة ، وكلما أردت متابعة دروسه قال : لماذا يجب عليا أن أتعلم لأكون طبيب ، مهندس ، طيارا ؟!
ثم ماذا بعد ألن أعود للبحث عن عمل مختلف عن دراستي وتخصصي ، كمقوتي مثلا أو فتح محل وهكذا ؟!
وأكملت يا أستاذة ساجدة لقد ضل يعدد كثير من الأشخاص الذين درسوا ولم يشتغلوا بإطار ما تخصصوا به ، وحين ألحينا عليه وحاولنا تحفيزه أنا ووالده قال : " مش شايفين الحرب باليمن أنها طولت ، لا وظائف لمن درس وتعلم ولا رواتب لمن قد توظف مسبقا "
قد لا يصدق القارئ صدور هذا الكلام من طفل بهذا العمر وبهذا التفكير العميق والدراسة البحته للواقع اليمني ، نعم الكلام كبير جدا ، لكني أعرف مدى ثقافة وفصاحة طالبي وأعرف مستوى الرقي العلمي والثقافي لأسرته .
لقد تعهدت لوالدته بالجلوس مع طفلها وتقديم الدعم النفسي له ومحاورته ، وأن أغرس بجانب شخصيته الطموحة التحدي والإصرار لتحقيق طموحه مهما كانت الظروف ، فالعظماء هم من تجازوا الضروف وجعلوا من كل محنة منحة نهضة بأمم بأكملها وليس شخصياتهم فقط .
قرائتي الخاصة وبلا شك هي قراءة كل من أستوقفه من مثل هذه المواقف مع الأطفال ، إنها الآثار النفسية التي خلفتها الحرب على حياة الأطفال ، فأكثر الناس تفكيراً بالحياة وشغفاً باكتشاف الجديد فيها هم الأطفال التواقين بالفضول للمعرفة دائما .
ورسالتنا لمنظمات حقوق ورعاية الأطفال ، وكل منظمات المجتمع المدني أن تهتم بشكل كبير جدا بتفعيل وتطوير برامج الدعم النفسي الاجتماعي للأطفال ، أن يعملوا على خلق بيئة طفولية آمنه ، ويعززوا من برامج التعلم باللعب والتعلم الترفيهي بالمدارس اليمنية خصوصا المناطق الأكثر تضررا من الصراعات والنزاعات المسلحة .
فمن أهم حقوق الأطفال الحياة الآمنه من المخاطر ، وكذلك التعليم والصحة وغيرها .
الأطفال هم أكثر الفئات تحسسا من النزاعات والحروب وتأثرا على المدى البعيد نتيجة الأحداث الصادمة التي يتعرضوا لها في هذه النزاعات .
ولكل أب وأم لا تنتظروا تدخلات خارجية لمساندة أطفالكم وتقديم الدعم النفسي لهم ، احتووهم ، اغمروهم حبا واهتماما قدر ما أمكنكم ، واحرصوا على تعليمهم قبل خسارتهم .