رحيل الرفيق يحيى محمد الشامي فاجعة وألم

د. أحمد عتيق
الاثنين ، ٣٠ يناير ٢٠٢٣ الساعة ٠٥:١٧ مساءً

ماذا تبقى لدينا؟ رحيل آخر الأنقياء، والأوفياء، والمخلصين، رحيل من يحمل القيم العظيمة، والجميلة كجمال نفسه، ونزاهتها، كعلو وسمو أخلاقه، وتواضعه الرفيق يحيى محمد الشامي.

بالنسبة لي ولكثير كان يعد معلماً من معالم الحب، والتفاني، والنقاء؛ كنت أسمع عنه كثيراً منذ بداية الثمانينيات عبر الأحبة يشرحون لي عن حياته، ونضاله، وعند إعلان الوحدة التقينا وعرفني عليه الرفيق العظيم جار الله عمر، ثم توالت اللقاءات المتقطعة، لكن مرحلة الحوار الوطني الشامل كانت فرصة للقاء أكثر ومستدام، واشتراكنا في إعداد التقرير السياسي لكونفرس الحزب مع الرفاق أنيس حسن يحيى، وعبدالغني عبدالقادر، وعبدالعزيز الدالي وآخرين؛ كانت فرصة للتزود من خبراته، ومعلوماته عن الحركة الوطنية، بامتداداتها الواسعة في الوطن، وفاعليتها في الدفع نحو تحقيق الوحدة، خاصة نضالات الأبطال في الجبهة الوطنية.

كان يمر إلى منزلي في كل يوم ليأخذني بسيارته، ويعيدني إلى المنزل بعد الانتهاء من جلسات إعداد التقرير المشار إليه سلفاً، وفي الطريق ذهاباً، وإياباً كان يحدثني كثيراً عن دورهم في تثبيت ثورة 26 سبتمبر، وخاصة في حصار السبعين وعن مناضلي الحزب، والوطن أمثال: رفيقنا الحبيب الراحل جار الله عمر، والرفيق أحمد السلامي أبو خالد، وعلي صالح عباد، وعن كثير، وكان يهدف من خلال حديثه إلى تزويدي بكثير من المعلومات عن مراحل لم نعشها، ولكن قرأنا عنها فقط.

كم كنت أشعر بالفخر، والاعتزاز ، وعظيماً متواضعاً مثل رفيقنا يحيى الشامي يمر عليّ، إذ كان يذكرني تواضعه رغم كبر سنه، ومكانته بالرفيق جار الله عمر أبو قيس؛ الذي أشعرني الرفيق يحيى أنهما كانا ثنائي يتكامل، ولا ينفصل؛ جمعتهما المعاناة، والنضال، ولم يفرقهم إلا الموت.

كنت أشعر أن أباً حنوناً يرعاني، وقامة كبيرة كقامة الوطن، وحجمه تزدي إليّ النصائح، والتوجيهات، وتحذرني من الشعور بالألم بسبب ممارسات بعض الانتهازيين ممن وصلوا إلى مواقع كثيرة في الحزب، وغيره استغلالاً لظروف المرحلة، واختلال ميزان معيار القيم النضالية.

منذ يومين كان قلبي مكتئباً، والجو ملبداً، محترقاً تنفخ فيه فيزداد ناراً على نار، تلفت يميناً فإذا بوجهك غمامة سوداء، ويساراً أشجارٌ محترقة، وفي الأمام أفقٌ مسدودة، ومن الخلف شبحٌ مخيفٌ يطاردك أينما ذهبت، وما كنت أعرف تفسيراً لهذا الأمر، ولكني عندما دخلت الفيسبوك وقرأت رحيل الكبير بحب الجميع، وفي قلوبهم الرفيق يحيى الشامي عرفت سبب تلك الكآبة، فرحيله مثّل انعداماً للأمان، وانهياراً للقيم، واضعافاً لميزان النضال.

سنظل نعاني طالما يرحل عنا الأنقياء، حتى ينبعث ضوءاً من جديد يستمد ألقه، وانتشاره من الإرث النضالي لأبي ليلى قامة الأخلاق الكبيرة، والمعرفة الجميلة، والعظيمة.

دموعنا متحجرة، وحناجرنا منكسرة، وقلوبنا تقطر دماً حزينةٌ متألمةٌ لأن يحيى الشامي، وأمثاله يرحلون تاركين وراءهم فراغاً مخيفاً، ومفزعاً لاسيما وأن المتربصين بكثير من قيم النضال يجدون فرصتهم للنيل من كل ما هو وطنيٌ عظيم.

نعزي أنفسنا، والوطن برحيلك أيها الكبير فيرحمك الله، ويغفر لك ويسكنك فسيح جناته، ويجمعك في جنة الفردوس الأعلى مع الأنبياء، والصديقين، والشهداء، والصالحين وحسن أولئك رفيقا، ويلهم الله أهلك، وكل محبيك والرفاق الصبر، والسلوان. كل الرحمة والسلامة لك إن شاء الله..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي