مظلومية الملحد المرتد

ناصر العشاري
الاربعاء ، ٠٣ أغسطس ٢٠٢٢ الساعة ٠٢:٣١ مساءً

 

- أجل، لقد ظلموا الملحد المرتد الصابر المثابر، في الكتب والمجالسِ والمنابر، فلماذا لا يشيدون بصبره وتبلُّدِه، رغم شدة اصطباره وتجلُّدِه؛ بينما يشيدون بصبر وبلادة صاحبه (أبي صابر)؟! 

إني لأعجبُ حقًّا من شدة جَلَد أهل الباطل وقوة احتمالهم في هذا الزمان، ومن عجز أهل الحق والإيمان، فكيف يستطيع الملحدون الذين لا يؤمنون بالآخرة ولا بالثواب ويوم الحساب؛ أن يعيشوا في ذلك الكرب العظيم دون أن ينتحروا، ويلقوا بأنفسهم من الشواهق، وهم لا يؤمنون بحياة أخرى، فماذا ينتظرون؟! وكيف يصبرون على عناء وكبَد هذه الحياة الدنيا، وعلى موت أهلهم وأحبابهم وهم لا يؤمنون بلقائهم مرة أخرى، كما نؤمن نحن بقوله تعالى: (جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلونَهَا ومَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وأَزْوَاجِهِمْ وذُرِّيّاتِهِمْ والمَلائِكَةُ يَدْخُلونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ) وقول النَّبيِّ ﷺ (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه)، صحيح أنهم تخلصوا من الإيمان ليستمتعوا بكل المحرمات والشهوات ويرتكبوا كافة الفواحش؛ ولكنهم لم يحصلوا على السعادة، وهم والله في ضنك وكرب عظيم، وإن تظاهروا بغير ذلك، وأقسم أنهم الآن يذوقون العذاب الأدنى دون أن يشعر من حولهم، ولكنهم يستكبرون، فقد قال سبحانه: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ العَذَابِ الأدْنَى دُونَ العَذَابِ الأكْبَرِ)، وأعتقد بلا ريب؛ أن هذا هو زمن (جَلَد الفاجر، وعجز المؤمن) بلا منازع.. 

- تصوروا كم هو العالم مخيف بوجود هؤلاء الذين فقدوا وازع الإيمان، وأنكروا الله والدار الآخرة، فهؤلاء لن يخافوا من خالق، ولن يردعهم عرف ولا دين، ويمكنهم ارتكاب أفظع الجرائم بدم بارد، حتى أنه قد يقتل، أو يسرق، أو حتى يفعل الفاحشة بأمه أو ابنته، أو يتاجر بعرضه -والعياذ بالله- ولا يعني له الأمر شيئًا لأنه لا يؤمن بأن هناك محرمات ولا ممنوعات أصلًا، ولا يؤمن بيوم الحساب..

- فاحذروا من هؤلاء الذين ينكرون الخالق، ويستهزئون بالدين، ولا تأمنوهم على عرض، ولا مال، ولا وطن، ولا على طعامكم، أو شرابكم، أو صحتكم، أو مصالحكم، أو أطفالكم، ولا حتى على أطفالهم هم وأقاربهم فهم أخطر عليهم من الكلاب المسعورة، و الأفاعي السامة، ولا تلقوا إليهم بالمودة، ولا تسدوا إليهم معروفًا فمن جحد الحق وأنكر خالقه كيف لا ينكر معروفًا من بشر، ومن ناقض فطرته وخان دينه؛ كيف لا يخون مجتمعه ووطنه!..

-  والملحوظ الأهم، هو أن هذه الخطورة تزداد عندما يكون الملحد منتكسًا، أو مرتدًا عن دين الله الإسلام، وفي بلاد المسلمين، فهؤلاء لم يصلوا إلى حد المجاهرة بالإلحاد في مجتمع مسلم ومحافظ إلا وقد قتلوا في أنفسهم كل رادع عن الفجور، وكل وازع إلى البر، وارتكبوا كل الفواحش التي يعتقدون أنها لا يمكن أن تغتفر، حتى يئسوا من رحمة الله، ومن هنا يمكن فهم الحكمة من تشريع إقامة الحد على من ارتد وألحد، فهم لن يتردووا عن ارتكاب أي جريمة، وبخاصة في بلدان المسلمين المنكوبة التي ليس فيها حساب ولا عقاب دنيوي رادع يخافونه كما يوجد في بلدان الملحدين والعلمانيين الأصليين الغربية الذين وإن كانوا لا يخافون الخالق، ولا يؤمنون بالآخرة، إلا أن هناك نظام دنيوي يردعهم ويضبطهم، كما أن الكثير من الفواحش والجرائم عندهم مباحة أصلًا كظواهر مجتمعية، ولو سقط النظام في أمريكا مثلًا ساعة من نهار؛ لسُرِقَت آلاف البيوت والمحلات، وقُتل آلاف البشر عبثًا، واغتصبت آلاف النساء في الشوارع في طرفة عين، -وقد شاهدنا ما يشبه ذلك أثناء أعاصير وفيضانات حدثت هناك- دون سقوط النظام، والأمثلة كثيرة في دول الغرب العلمانية الملحدة، ولذلك فإن الملحدين المرتدين والمنتكسين المُنحلّين من بلاد المسلمين يجدون ضالتهم هناك إلى حد ما، إلى أن يأتيهم هاذم اللذات، ويُحال بينهم وبين ما يشتهون كما قال سبحانه: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِى شَكٍّۢ مُّرِيبٍ).

الحجر الصحفي في زمن الحوثي