الإمامة والعُكْفَة الدور والتلازم .. توضيح لا بد منه؟

د. عبده مغلس
السبت ، ٠٥ فبراير ٢٠٢٢ الساعة ١٠:٤٩ مساءً

 

المقصود بكلمة "عُكْفِي" هو كل من يؤمن ويخضع للإمامة، وفقهها المغلوط، ويعتكف على خدمتها، والدفاع عنها، والقتال والموت في سبيلها، والمقصود بثقافة "العُكْفَةْ" هي الثقافة الآبائية المتراكمة، في وعي وعقل العُكْفِي، والمنشئة لسلوك الخضوع المطلق، للإمامة عند المؤمنين بها.

معلوماً أنه لتحليل موقف وحدثٍ ما، يتطلب ذلك توفر الحد الأدنى، من الإلمام بالتاريخ، والاجتماع، والاقتصاد، والجغرافيا، فهي مهمة هنا لمن يحاول تحليل وفهم الحرب اليمنية، التي شنتها الإمامة الحوثية على الثورة والجمهورية، وشرعيتها الدستورية بقيادة فخامة الرئيس هادي، ومشروعها الاتحادي، بانقلاب، ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ م، بتحالفها مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وأركان سلطته، وسلطة القبلية المُكونة للدولة العميقة في اليمن، بهيمنتها على مؤسستي السلطة, القوات المسلحة والأمن، ومهمة أيضاً لمن يريد معرفة كيفية سقوط دولة الجمهورية والثورة، بعد حوالي أكثر من نصف قرن على الثورة، ومهمة أيضاً لمن يريد فك شفرة العلاقة الجدلية بين "الإمامة" وثقافة "العكفة" في المناطق الخاضعة لفقه الإمامة، والتي استعادت تأثيرها بالإنقلاب على الشرعية اليمنية، فمن لا يعرف تاريخ الإمامة في اليمن، وتأثيرها الديني والسياسي، والاجتماعي والاقتصادي، لا يستطيع فهم الترابط بينهما، وتأثيره على تشكيل السلطة في اليمن، ولا دور تلازم الثقافتين "الإمامة والعُكْفَة" في تجهيل اليمنيين وتهميشهم، وتخلفهم، وإخراجهم من التاريخ والحضارة.

هذه محاولة لتسليط الضوء لفهم هذه العلاقة، فبدون فهمها ومعالجة مسبباتها، سنضل نكرر مأساتنا، في دورات القتل والقتال، والموت والكراهية والتخلف.

معروف للقاصي والداني تاريخياً الدور الحضاري والريادي، لليمنيين قبل الإسلام وبعده، وهذا الدور بدأ بالإنحسار والأفول والانكفاء، ثم الإختفاء تمامًا منذ دخول الإمامة لليمن، مع الإمام الهادي يحي الرسي عام ٢٨٢ للهجرة، حاملة العنصرية الهاشمية، وقيامها بتغيير تركيبة المجتمع اليمني، وهويته وثقافته.

فمع دخول الإمامة اليمن، أنتهى دور اليمن الحضاري والريادي، وفقدت موقعها التجاري والزراعي، بسبب منهج الإمامة في الحكم، المرتكز على رباعية التسلط والقهر والاستعباد، وهيمنة الدين، والبطش، والتجهيل والتجويع.

لقد عملت الإمامة على تكريس سلطتها وتسلطها على الناس من خلال الفقه المغلوط، بوهم معتقد "قدسية ومحبة أهل البيت، وآل محمد، والعترة" فحولتهم من أبناء علي لأبناء محمد، وتأكيدها بأن الإمامة والولاية والوصية، من أصول الدين، ومنصوص عليهما في القرآن والسُنة، لعلي رضي الله عنه بعد الرسول (ص) ومن بعده لولديه الحسن والحسين وابنائهم رضوان الله عليهم، حتي قيام الساعة، وأن هذا الاعتقاد دين يَتعبد به المؤمن ويتقرب الى الله، وكل مخالف لهذه العقيدة فهو كافر مخلد بالنار، وهذه أكاذيب سبق تفنيدها، في مقالات ولقاءات عدة، دفعت المليشيا الحوثية، لإصدار حكمين بالإعدام علي.

لقد قامت الإمامة بغرس هذه الثقافة وفقهها المغلوط موظفة أمور أهمها:

١-جهل الناس بالدين.

٢-هجر المؤمنين للقرآن، واستبداله بمدونات ومرويات فرق ومذاهب صراع العصبيات، بين بيوتات قريش (الطالبيين، والزبيريين، والأمويين، والعباسيين) وعمدت مرويات هذا الفقه لإيجاد الشرعية الدينية لفرقها، من خلال تفسير وتأويل آيات القرآن، وتأليف الأحاديث النبوية، المؤيدة لفقه الصراع ودسها ضمن السنة، وكلا منها يدعي شرعيته الدينية من هذا الدس والتزوير.

٣-ممارسة البطش بأبشع صوره، من قتل لمعارضيها ومُخاليفيها، وتدمير لقراهم ومنازلهم، وردم لأبارهم، وسبي لنسائهم.

٤-التجهيل والتجويع.

هي ركائز أربع، روضت بها الإمامة القبيلة اليمنية، في شمال اليمن، "الدين" و"البطش" و "التجهيل" و"التجويع" فعندما يكون الإنسان جاهلاً، يسهل حشو عقله بالأكاذيب والهيمنة عليه، وعندما يكون جائعاً يسهل قيادته وخضوعه، عملت الإمامة لإبعاد القبيلة عن أي مصدر للرزق غير القتال لخدمتها، فلم يعد القبيلي يمارس التجارة والزراعة، لأن الإمامة حولتهما في أعراف القبيلة، لعيب من يمارسه ناقص، ومن خطورة هذا التدجين، نسيت القبيلة أن حضارتها السابقة واللاحقة قامتا عليهما، ونست أن رسول الله مارس التجارة.

وبذلك كله تم تدجين القبيلة في شمال اليمن، خاصة معظم حاشد وبكيل، وهما القبيلتان اللتان كانتا مع بقية القبائل اليمنية، أساس نهضة اليمن وحضارته، وبهذا حولت الإمامة القبيلة في شمال اليمن، لكيان جديد، بثقافة جديدة، أوجدت له مصطلحا جديدا يتناسب مع التوجه الجديد، هو "العُكْفَة" وهم العاكفين على طاعة الإمامة وخدمتها، وحمايتها ومحاربة أعدائها، وبهم اخضعت القبائل الأخرى بغزوها، في الفترات القصيرة لتمددها جنوبا وشرقا وغرباً، ومارس العُكْفَة نفس دور البطش والقهر الذي مارسته الإمامة عليهم، وحولت الإمامة هذه القبائل لكيان جديد أيضاً أطلقت عليهم "الرعية" أي المزارعين، الذين يرعون مصالح الإمامة في الغُلول والغِلال، وتم اخضاعهم بالقهر والتسلط فغلب عليهم في ثقافة الإمامة والعُكْفَة تسمية "خُضْعِي" من الخضوع والإخضاع.

كما أوجدت الإمامة بجانب التكتل الهاشمي، وقبائل العُكْفَة، سندها الثالث للتسلط كيان الفقهاء، والذين اسمتهم "القضاة" ليقوموا بالأعمال المساندة القضائية والإدارية، والكتابية والتعليمية. وبهذا تم تقسيم المجتمع اليمني وفق هرمية الإمامة، قمته السادة من بني هاشم ولا يجوز مناداة أياً منهم بغير لقب "سِيدي" فلان، تليهم طبقة "القضاة"، وتليها طبقة "العُكْفَة" ثم طبقة "الرعية" تليها الطبقات الدنيا لبقية المهن.

وبهذه الثقافات والتقسيم ضمنت الهاشمية السياسية السيطرة على مجتمع القبيلة اليمنية واستعباده.

كما عمدت الإمامة لخلق علاقة ترابط، قوية ومتكاملة، بينها وبين من أسمتهم "العُكْفَة" فأوجدت ما أسمته "الهِجَرْ" ومفرده "هِجْرَة" في معظم مناطق القبايل، ويسكن هذه الهِجَر هاشميون، يكونون بمثابة سادة القبيلة، وكل من يرى منهم أحقيته في الإمامة، يعلن الخروج، فتدعمه القبيلة التي يعيش بهجرتها وتحالفاتها، وهذا أدخل اليمن بحروب دامية مستمرة، بين إمام يحكم، وإمام يخرج عليه، وكما تقول ثقافة الإمامة " الحجر من القاع والدم من رأس القبيلي" فأخرجت هذه الحروب اليمن من دوره وريادته، وأدخلته دائرة الحروب والتخلف والفقر.

وخلال حوالي ألف عام تجذرت ثقافة العُكْفَة، عند معظم قبائل شمال اليمن، ونتج عنها ثقافة "آبائية" توارثتها الأجيال، تقوم عل الخضوع الديني، والاعتكاف على طاعة الإمام وخدمته، مما أنتج علاقة "تَسَيُّد وخُضوع" تَسَيُّد من زعموا أنهم -أبناء الرسول وعترته، ومفاتيح الهدى، وقرناء القرآن- وخضوع القبيلي القابل للإخضاع، فنشأت عن هذه الثقافة "علاقة جدلية عكسية" بين السيد والعُكفي، فداخل كل عُكفي سيد رابض، عندما يبرز السيد يخضع العكُفي. هذه العلاقة شكلت الثقافة الآبائية، بين الإمامة والعُكفة، وهي تفسر لنا عودة الإمامة، وقطرنة الناس لأجسادهم، بعد أكثر من نصف قرن من الثورة، كما تفسر لنا تسليم واستسلام، المؤسسات العسكرية والأمنية للسلطة السابقة لمليشيا الحوثي الانقلابية، بسبب تجذر ثقافة العُكفة وأبآئتها، عند الكثيرين من المنتمين لهذه المؤسسات، وساعد على هذا التسليم والاستسلام، روح الإنتقام عند الرئيس السابق رحمه الله، ودفع حياته ثمناً لذالك، ولثقافة الإمامة والعُكْفَة. لقد دفع اليمن بسبب الإمامة والعُكْفَة أثمانا باهضه في الماضي، وخلال ٨سنوات من حرب الإمامة وانقلابها، على شرعية الجمهورية ومشروعها الإتحادي، ولا مخرج لليمن للانتصار على هيمنة ثقافة الإمامة والعُكْفَة غير الشرعية اليمنية ومشروعها الاتحادي وتحالف دعمها.

لقد تخلل هذا التاريخ الدموي ومضات مشرقة، لثورات عدة للقبيلة اليمنية، والمتنورين من الهاشميين، الذين وجدوا في الإمامة وثقافة والعُكْفَة، نكبة ودمار، وحروب وخراب، وتخلف لليمن، الوطن والدولة والشعب، فخرجوا على الإمامة بثورات مختلفة، حتى تكللت ثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢ م بالنجاح، حين اجتمع الثائرين والرافضين، من ابناء القبايل اليمنية، وفي مقدمتهم ابناء حاشد وبكيل، والهاشميين المتنورين، لدك حصون الإمامة وثقافتها المدمرة، غير أن الثوار أغفلوا تقديم مشروع ثقافي ديني إعلامي تنويري وتعليمي، يستأصل فقه الإمامة المغلوط، وثقافة العُكْفَة، من وعي الناس، وثقافتهم الآبائية، فغياب هذا المشروع الثقافي المعالج، ترك ثقافة الإمامة والعُكْفَة كامنة، وحين تقدم فخامة الرئيس هادي بمشروعه للحوار الوطني ومخرجاته، المقرة لمشروع الدولة الاتحادية، القائمة على المواطنة لا العصبية، أدركت ثقافة الإمامة والعصبيات، أن دورها بهذا المشروع سينتهي للأبد، فقامت بانقلابها لتمنع قيام المشروع، واختارت شهر الثورة والجمهورية، واختارت يوم ٢١ سبتمبر يوم تنصيب البدر إماماً بعد أبيه، معلنة بهذا الاختيار، عودة الإمامة وعُكفتها لحكم اليمن من جديد.   إن تلازم الدور والعلاقة بين فقه الإمامة المغلوط وثقافة العكفة هما سبب دمار اليمن، وتخلفه وخروجه عن دوره الحضاري والريادي، فهذا التلازم قَسَّم المجتمع اليمني "لسادة" هاشميين "وعبيد" مهمشين عُكْفَة ورَعِيَّة، واليوم بشرعية فخامة الرئيس هادي، وبمشروع اليمن الاتحادي، وتحالف دعم الشرعية، وكل القبائل اليمنية، من حاشد وبكيل، ومناطق اليمن، المنظمين للشرعية المؤمنين بالعيش المشترك، والمدركين لخطر ثقافتي الإمامة والعُكفة،  متكاتفين جميعاً، لمواجهة مشروع ثقافة الإمامة والعُكْفة، ليعيدوا للشعب اليمني، جمهوريته وثورته، وشرعيته ومشروعه، وإنسانيته وخلاصه وحريته، ومواطنته، ودوره وحضارته، وهم منطلقون معاً لتحرير اليمن السعيد من الإمامة وعُكفتها.

نسأل الله لهم النصر والنجاح

الحجر الصحفي في زمن الحوثي