آفاق التسوية السياسية في اليمن

د. محمد لطف الحميري
الجمعة ، ٠٨ ابريل ٢٠١٦ الساعة ٠٩:٥٦ مساءً
بعد عام من الحرب والأمل أزالت السعودية كل الشكوك والملابسات بشأن مستقبل التسوية السياسية في اليمن والتي تعثرت مرتين في مباحثات سويسرا، وحاول الحوثيون وقوات الرئيس المخلوع اتباع سياسة المراوغة ولم يستفيدوا من فرص متعددة لوقف إطلاق النار كانت تبادر بها قوات التحالف العربي، فقد أعلن ولي ولي العهد محمد بن سلمان آل سعود أن الحرب تقترب من نهايتها سلما وإذا لم يجد هذا الخيار فإن كل الوسائل مطروحة، هذا التصريح يشير إلى أن هناك صيغة اتفاق سياسي نهائية تطبخ في الرياض بوجود وفد للحوثيين وغياب أي ممثل للرئيس المخلوع مما يعني طي صفحة صالح حسب ما نص عليه القرار الأممي 2041.
 
كل الترتيبات تجري بوتيرة متسارعة في كواليس السياسة وفي الميدان العسكري استعدادا لوقف إطلاق النار في العاشر من أبريل وفي حال نجاحه فإن مباحثات الكويت في الثامن عشر من الشهر الجاري ستكون تتويجا لرغبة كل الأطراف اليمنية بوقف حمامات الدم والمأساة الإنسانية التي جعلت أكثر من 80 في المائة من الشعب بحاجة إلى ما يسد الرمق، حيث سيتم الإعلان رسميا برعاية الأمم المتحدة عما تضمنته صيغة الرياض التي تنص على عودة السلطة الشرعية إلى العاصمة صنعاء والاعتراف بالحوثيين مكونا سياسيا واجتماعيا أساسيا، واعتبار مقررات مؤتمر الحوار الوطني الشامل والمبادرة الخليجية محددات أسياسية لنصوص الاتفاق.
 
الرئيس عبد ربه منصور هادي استبق مباحثات الكويت وأجرى بالتنسيق مع السعوديين تغييرات أصابت الرئيس المخلوع في مقتل إذا أصبح عدوه الشخصي اللدود علي محسن الأحمر نائبا لرئيس الجمهورية بينما تمت إقالة خالد بحاح من منصبه وأصبح النائب الأول لرئيس المؤتمر الشعبي العام أحمد عبيد بن دغر رئيسا للوزراء، وهي تغييرات باركتها عشر قوى سياسية بينها الحراك الجنوبي والتجمع اليمني للإصلاح ويمكن قراءة كل ذلك بأكثر من معنى ودلالة، فوضع الأحمر في مرتبة الرجل الثاني في الدولة تعني سد الطريق أمام أي مصالحة أو فرصة لحل وسط مع الرئيس المخلوع كما كان يسعى إليها عراب سياسة المهادنة خالد بحاح المتهم بعرقلة عملية إدماج المقاومة الشعبية في الجيش الوطني وما نتج عن ذلك من تأخر في عملية الحسم وتردي الوضع الأمني للمدن التي عادت لحضن الشرعية، في حين كان يرى بأم عينيه تنفيذ الحوثيين لمخطط إدماج ميليشياتهم في الجيش والأمن استعدادا لمرحلة الحل السياسي. الجنرال علي محسن الأحمر لم يترك فرصة للتخرصات والتحليلات فقد أصدر بيانا أكد فيه أهمية الشراكة في الحكم وأنه لن يحيد عن نتائج مؤتمر الحوار والمبادرة الخليجية وفي الوقت نفسه فإنه من يقف وراء التفاوض الحالي مع الحوثيين وهذا يتسق مع مواقف سابقه له حيث أعلن على الملأ ذات يوم بعد ثورة 11 فبراير 2011 اعتذاره عن الحروب الست التي قادها ضدهم في صعدة بأمر من حليفهم صالح، أما تعيين الشخصية الجنوبية في منصب رئيس الوزراء فتعني تأكيد استمرار مشاركة حزب المؤتمر الشعبي العام في إدارة البلاد بعد الحرب من دون الرئيس المخلوع الذي عليه فقط أن يختار مكان دفنه، كذلك يحسب لبن دغر أنه من أشد المؤيدين لفكرة الأقاليم الستة واليمن الاتحادي الذي ربما سيجيب على من يتخوف من عودة الحوثيين إلى السياسة بعد أن أحرقوا الأخضر واليابس، إذا ما عتمدت فكرة الأقاليم الستة في الكويت فإن ذلك يعني حصر الحوثيين في إقليم أزال وسيكون عليهم فقط اتباع خطط وآليات التدافع السياسي ضمن قوى سياسية وقبلية تبحث هي الأخرى عن مكان في حكم الإقليم.
 
المتشائمون لا يرون في ذهاب الحوثيين إلى الرياض نهاية للحرب بل يعتقدون أن الحوثيين جماعة إيديولوجية طائفية تعتمد في سلوكها السياسي خطابين تماما كما تفعل إيران، ففي الوقت الذي ينفذون فيه هدنة على الحدود السعودية اليمنية ويزيلون الألغام بأنفسهم فإنهم يمعنون في تدمير وقتل اليمنيين وحصار المدن، وفي الوقت الذي يعلن فيه المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ قبولهم بتنفيذ القرار 2216 لم يصدر عنهم ما يؤكد ذلك بشكل رسمي بل قال المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام إن ذهابهم إلى الكويت سيكون من دون شروط مسبقة أو أي محددات للتفاوض، ومما يزيد الطين بلة توقيف البحرية الأمريكية في بحر العرب شحنة أسلحة إيرانية ضخمة هي الثالثة خلال أيام كانت في طريقها إلى ميليشيا الحوثي وهذا يعني أنهم إلى خيار الحرب أقرب أو يوقفون هذه الحرب ليشعلوا حروب المستقبل. أما المتفائلون فيرون أن أي تسوية سياسية هي استثمار لنتائج الحروب، ويبدو أن الصراع في اليمن أنهك الجميع وعلى رأسهم الحوثيون الذين لم يجدوا غضاضة في قبول المساعدات الغذائية السعودية والذهاب مذعنين إلى عاصمتها بعد أن كانوا يقولون إنها قادت العدوان ودمرت أحلامهم بإعلان اليمن ولاية خاضعة لتوجيهات ملالي إيران، تبقى العقبة الوحيدة في طريق التسوية هي مخلفات الرئيس المخلوع وتلك ربما يتجاوزها اليمنيون والسلطة الشرعية والموقف الموحد لدول التحالف العربي إذا ما صدقت النوايا.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي