" يوميات مدير شهيد "

نشوان صادق
الأحد ، ٠٨ نوفمبر ٢٠١٥ الساعة ٠٢:١٤ مساءً
"خذ ما تريد وأنت تبتسم"
 
قالها مديري: #نائف_الجماعي لأحد زملائي في العمل حين طالب بحقٍ وهو مكفهر الوجه.
يخبرني صديقي الذي بكى عليه كثيراً أنه اتصل به قبل الأمس وهو في أرض المعركة و" ضحكا معاً كثيراً ".
 
هذا هو المدير نائف الجماعي .. حتى في معركة محاولة أخذه لحقه وحق اليمنيين المستضعفين في الحرية والكرامة وتقرير المصير كان بشوش الوجه .. كان دائماً ما يأخذُ ما يريد وهو يبتسم. كان ولا بد - مما عرفناه عنه - يريد إحدى الحسنيين. فاختار الله، وهل خيرٌ من الله في الاختيار لك؟! ..
في الأخير: " أخذ المدير ما يريد، وهو يبتسم "
 
سنتان من العمل تحت إدارته، تعلمنا منه الكثير. كان يأسرنا بكارزميته الأخّاذة، بعلاقاته الواسعة، بإدارته المُحكَمَة، بثقته المطلقة، بروحه البسيطة، بنشاطه المقدام، بكلمته المؤثرة.... 
 
كلُّ الزملاء يعلمون ما يحيطك به العمل المصرفي من مخاطر، ويعرفون كيف يزيد تلك المخاطر عملك مع مديرٍ مقدام، غير أن أحدهم سيخبرك: " يا أخي لمّا تشتغل مع عمنا نائف تحس إنه وراك ظهر."
 
لو زرتنا يوماً: لربما استقبلتك طلته البهيّة. هنا يقف على بوابة المصرف فيملأ المكان شموخاً. وها هو يمرّ على المكاتب فيُسمع هذا مديحاً، ويُقوّم خطأ آخر في إحدى العمليات المصرفية، ويوبّخ آخير على تكرار الخطأ الذي وقع فيه. وها هو يساعد في استلام النقد والعد – الأمر الذي لا يُتقنه – وها قد أوقفه أخيرا مجيء أحد عملاء الاستثمار.
 
كأنَّ الكلّ يعرفه. لا يخلو مكتبه من الزوّار، فالفنّ هناك والأدب، والعمل الاجتماعي أيضاً، والثورةُ لها روحٌ في ذلك المكتب الصغير تُجمّع أبناءً لها إليه، والعملاء من التجار لا يكادون ينفكّون عنه. يعلّق أحدنا - مازحاً - على أحد التجار الذين ألفناهم: "ما رأيك أن تبصم دخولا وخروجاً وتستلم راتب لدوامك مثلنا."
 
هذا فنانٌ خرج بقصيدة، وهذه جمعيةٌ خرجت بدعم عملٍ اجتماعي، وهذا شيخٌ جاء لزيارته، وذاك مفكرٌ جاء لمباركته أو مشاركته مبادرة ثقافية، وتلك قناة جاءت لتأخذ لقطة له تجمّل بها كليباً تُنتجه، وهذا ضابطٌ جاء ليلقي التحية، وهذان خصمان من قريته جاءا يبحثا حلاً. وهذا ما نحصيه بعيداً عن علاقات وأعمال ًتتم عن طريق التواصل الاليكتروني.
يكتظ المكتب بالزائرين فيعلّق أحدنا قائلاً: "هذا مكتب شئون القبائل."
 
لم تكن قطعة الأرض المغلقة تكفِ ذاك الكمّ من الأعمال، ولم تكن تُرضِ تلك الروح العملاقة. وافق ذلك حنينٌ باكرٌ لشاعرنا المِقدام لجولاتِ تقفيةِ قصائدِ الثورةِ بملاحمِ البطولة، فترك المكتب إلى أرضٍ واسعة: أرض مقاومة الظلم، والفساد وحكم الناس بالقوة. أرض مقاومة قتلة الأطفال والنساء والعجائز.
 
سيقول لك البعض أنهم ما رأوا أقوى شخصيةً من نائف الجماعي، وسيحكي لك آخرون بأنهم ما صادقوا من هو أفصح لساناً وأقوى لهجةً منه. وسيلّخص ما يرد هنا وهناك مفكر فينعته: " الشيخ الشجاع والأديب الأريب والإعلامي المميز، والمبدع المتألق". أ.د. فؤاد البنا
 
سيُدلي الإعلاميون والأدباء بدلوهم في الحديث عن زميل مسيرتهم فيوجزون بتذكير الفن والأدب والتاريخ بما عليهم فعله تجاهه: " الذاكرة الوطنية، الفن والأدب والتاريخ، لا بد أن تخلد تلك الشخصيات النادرة التي على شاكلة نائف الجماعي" .
 
وهكذا تباعاً سينعى شيخنا الكثير الكثير من الخلق، القريب والبعيد، العامة والقادة، من جمعهم به لقاء واحد ومن عاشوا معه أياماً وسنيناً. وسيذكرُ كلٌ منهم ولو مأثرةً واحدةً أَسَرَتْهُ، فشيخنا ثريٌ بمآثره، ولا يقوي مثلي على حصر ووصف هامّة كالجماعي. ولا أجد ما أختم به خيراً من قول قائلٍ وفّى صاحبنا حقه فأوجز بوصفه: "رجل استثنائي بامتياز" 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي