اليمنيون وجنيف ... الموعد القاتل

د. محمد لطف الحميري
الاربعاء ، ١٠ يونيو ٢٠١٥ الساعة ٠٤:١٤ مساءً
أصبح من المؤكد أن هناك دولا كبرى تسعى لجعل اليمن بؤرة توتر دائم أو بركانا في حال ثورانه تقتل حممه ذوي قربى وتؤرق جيرانا، ولذلك تبذل هذه الدول مساعي شيطانية لجعل الأزمة أكثر تعقيدا ويكتنفها الغموض رغم وضوح تفاصيلها وطرق الحل لأن هذه الدول ليست معنية بانتهاء هذا الحريق في كل المنطقة العربية لأنه يدر صفقات أسلحة كبيرة وحالة صراعية عبثية لصالح أمن واستقرار إسرائيل .. ولو سئل رجل بسيط في الشارع اليمني مالذي يجري وماهو الحل لأجاب بتلقائية : جماعة مسلحة انقلبت على الشرعية الدستورية وسيطرت على المؤسسات الرسمية وأعلنت الحرب على المدن ودمرت بيوت الله ومنازل المعارضين ، ولأن المجتمع الدولي لا يقر الانقلابات والسيطرة بالقوة على السلطة فقد أصدر مجلس الأمن الدولي قرارات آخرها 2216 تطالب الحوثيين بالانسحاب من المدن وتسليم السلاح للسلطة الشرعية وتطبيق مقررات الحوار الوطني التي أقرتها كل القوى والمكونات السياسية بمن فيهم جماعة " أنصار الله " الحوثية.
 
يبدو حوار جنيف في 14 يونيو بين الفرقاء اليمنيين برعاية الأمم المتحدة موعدا قاتلا تكتب فيه شهادة إطالة أمد الصراع وتضارب أهداف المتحاورين والقوى الإقليمية والدولية ، يتضح ذلك من هرولة واشنطن إلى مسقط للقاء وفد من الحوثين وسياسيين جنوبيين لإبرام صفقات ومقايضات ، حيث قدم الحوثيون أنفسهم حلفاء استراتيجيين في محاربة تنظيم القاعدة والتكفيريين، وكانت من بين القضايا التى طرحها الحوثيون وحلفاؤهم على آن باترسون مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى استعدادهم لتسليم المحافظات الجنوبية إلى أطراف موثوقة يرتبطون بعلاقات قوية مع إيران وعلى رأسهم الرئيس الجنوبي السابق علي ناصر محمد والتسليم هنا يعني الانفصال كنوع من الهروب إلى الأمام والتخبط للبحث عن قشة تنقذهم من الغرق بعد أن رموا أنفسهم في بحر من الألم والدماء واتساع رقعة الغضب ضد ممارساتهم وتحقيق المقاومة الشعبية مكاسب ميدانية في الضالع وتعز وعدن واتجاهها بشكل متسارع إلى الفعل المنظم والمدروس.
 
يسابق الحوثيون وحليفهم الرئيس المخلوع الزمن لتحقيق مكاسب سياسية وميدانية قبل انطلاق مؤتمر جنيف ، ففي مقابل الموافقة على المشاركة في المؤتمر دون شروط مسبقة لتفويت أي انتصار سياسي لخصومهم، حيث نصت صفقة مسقط بطلب إيراني أن يضغط الأمريكيون في جنيف لإعطاء الحوثيين مهمة محاربة الإرهاب، ووضعا مهما في دواليب الدولة بهدف إعادة إنتاج وضع ما بعد 21 سبتمبر 2014 وإضفاء الطابع الشرعي عليه والتخلص من استحقاقات قرار مجلس الأمن رقم 2216 .. وفي الميدان جرى إطلاق صواريخ سكود باتجاه الأراضي السعودية و اتخاذ قرار متهور للدفع بقوات النخبة من الحرس الجمهوري إلى الحدود ليكونوا فريسة سهلة لطائرات الأباتشي السعودية ليقتل منهم عدد كبير لكن تلك الخسائر البشرية الفادحة لا تعني شيئا لمن يريد تدمير كل شيء في بلاده . 
 
والسؤال المطروح الآن : ما الذي سيحققه مؤتمر جنيف إذا كانت كل التحركات في دهاليز السياسة وعلى الأرض تشير إلى أنه لا نية للطرف المنقلب على الشرعية وحلفائه لتطبيع الأوضاع وإعادة الأمور إلى ما قبل السيطرة على صنعاء ، الحوثيون الآن استحدثوا واقعا جديدا في القوات المسلحة استعدادا لتنفيذ مطالب تسليم السلاح إلى مؤسسة الجيش وهذا يعني ما تتخلى عنه اليد اليمنى تتسلمه اليسرى، في حين أرسل الرئيس المخلوع قيادات من حزبه إلى الرياض بهدف خلق نوع من التشويش والإرباك في رؤى القوى المؤيدة للشرعية الدستورية وخلط المواقف والتأثير على فاعلية تسويق أوراق الضغط، لكي يبدو مؤتمر جنيف حلا لمشكلة الحصار السياسي والعسكري والديبلوماسي المفروض على الحوثيين وحلفائهم ونصرا وهميا لدبلوماسية الأمم المتحدة الفاشلة التي تحرص على توقيع الاتفاقيات والقرارات أكثر من الحرص على تنفيذها .
 
لا أحد من اليمنيين يريد استمرار الحرب والدمار ، ولا أحد يرفض الجلوس على طاولة الحوار وإيجاد مخرج سياسي سلمي لحل الأزمة التي أحرقت الأخضر واليابس، لكن لا أحد يقبل بأن يتم القفز على مقررات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن الدولي، وفي حال تم تجاوز ذلك فسيكون مؤتمر جنيف تشريعا دوليا للانقلاب ونحتا لحصانة جديدة تقف حائلا دون ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب، والأخطر من ذلك أن جنيف ستكون محطة لتغيير وجهة الأزمة اليمنية وتعريف مفرداتها إذ لن يكون بعد المؤتمر غير طرفين متناحرين على السلطة طرف على الأرض وطرف داعم لقوات التحالف والمقاومة الشعبية والخلاصة أن اليمن بليت بثلاث عاهات ... الحوثيون والرئيس المخلوع، و الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي الذي يفتقد لأبسط مقومات القيادة وعاهة نخب سياسية ليس لها رؤية ولا مشروع بناء وطن
الحجر الصحفي في زمن الحوثي