من سيحكم اليمن؟!

علي ناجي الرعوي
السبت ، ٣١ يناير ٢٠١٥ الساعة ٠٧:٥٧ مساءً
سؤالٌ طرحته بقوة الصحافة الامريكية والأوربية عقب استقالة الرئيس عبدربه منصور هادي منذ أيام، وهذا يعني أن الاطراف الدولية مهتمة بما يحدث في اليمن بعد أن ادركت أن الوقت قد حان للتموقع أو على الاقل لمعرفة اين تتجه البوصلة في هذا البلد، وهي بذلك تنبش وتتحرى وتجس النبض وتتساءل عن مستقبل اليمن بأكثر مما تستنبط النخب السياسية اليمنية مقومات الحلول للازمة المتفاقمة والمستفحلة في بلدها، الذي تتقاذفه أمواج الفوضى وانتشار السلاح وعوامل الفقر والبطالة والانقسامات الداخلية والصراعات الموسمية والعارضة والثنائيات الضدية، التي تفضي عادة الى إعادة انتاج الازمات بشكل تجعل من كل هذه المكونات الكبيرة منها والصغيرة السياسية والقبلية والجهوية والطائفية تتقمص دور الجلاد ودور الضحية في نفس الوقت..
 
إن المجتمع الدولي يتساءل والإقليم أيضاً يتساءل حول ما ستنتهي إليه نقاشات اليمنيين بشأن الفراغ الحاصل في السلطة بعد أن تأخرت الحلول وتعقدت الوصفات واختلفت المعايير والمقادير والقواعد، التي كانت معتمدة لانتقال السلطة، فالنخب السياسية هي من تظهر اليوم منقسمة في مواقفها وخياراتها والشرعيات التي تستند إليها، فهناك من لم يعد يثق في السلطة الانتقالية التي دفعت دفعاً إلى الاستقالة، لاعتقاد هؤلاء ان هذه السلطة بلغت وضعاً لم تعد فيه قادرة على إحداث أي تغيير يخرج البلاد من دوامتها وفراغها ويحررها من ضغوط الجماعات النافذة، بل ان هذه الاطراف ترى ان تجاوز الوضع الراهن يحتاج الى معالجات تبدأ من الصفر، وان على السلطة الانتقالية المستقيلة ان تنسحب كلية وان تترك الساحة السياسية حتى يتسنى التوافق على (سلطة انتقالية) اخرى تقوم بتهيئة الملعب لانتخابات مبكرة رئاسية وبرلمانية في المدة المحددة بالدستور القائم.. فيما ترى جماعة أنصار الله ان الحل في التمسك بالشرعية الثورية، باعتبار ان هذه الشرعية هي من وجهة نظرها الأحق في قيادة التغيير والتحول والانتقال السياسي، إلا ان احزاباً و شخصيات أخرى لا تجد ان الاجواء والمناخات التي يعيشها اليمن صارت أبعد من أية شرعية دستورية كانت أو ثورية.. وبالتالي فإن المخرج الآمن ينبغي أن يتأسس على التوافق بين كافة القوى والأطراف، بما في ذلك السلطة الانتقالية، حتى لا تتعرض البلاد لانتكاسة جديدة تعيدها إلى مربع العنف ومستنقع الدم والصراع على السلطة وخنادقه الضيقة.
 
ووسط هذه التقاطعات في المواقف والتوجهات هل يمكن لليمن ان تتجاوز المزالق الخطيرة التي تتدحرج نحوها؟ مثل هذا التساؤل قد يحمل فرضية مستبعدة من قبل البعض إذا ما قيس الأمر بحالات الانسداد الخانق وتعثر اتفاق القوى السياسية على رؤية واحدة.. إلا ان من يراقبون تفاصيل المناقشات الجارية بين تلك القوى يشعرون ان الفرصة مازالت مواتية للتوصل إلى حل مُرضٍ لجميع الاطراف، خصوصاً وأن كل المكونات باتت مدركة أن لا أحد بوسعه اليوم ان يحكم اليمن بمفرده، وانه ليس باستطاعة الحوثيين او أي حزب او تيار سياسي آخر فرض مشروعه على كل اليمنيين او اخضاع الجغرافيا من صعدة حتى المهرة لمشيئته، وان البديل لكل ذلك هو ان يتفق الجميع على صيغة متوازنة لتسوية الصراع تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المجتمع اليمني وتركيبته السياسية والقبلية والثقافية والجهوية، حتى لا تتكرر اخطاء الماضي التي سمحت بوصول البلاد إلى هذا الفراغ القاتل.
لقد كان الرئيس هادي صادقاً في كلامه حين قال: إن أزمة 2011 م مثلت كارثة حقيقة، فرغم ان هذه الازمة هي من اوصلته الى السلطة فقد خلفت وضعاً كارثياً ومرحلة انتقالية هي الاسوأ بكل المقاييس في تاريخ اليمن المعاصر، حيث رأينا في هذه الفترة سقوط الدولة وانهيار مؤسساتها الى درجة ان مجلس الدفاع الوطني إذا ما قدر له ان يجتمع فإن اقصى ما كان يخرج به هو إطلاق التوسلات للجماعات المسلحة ومناشدتها بعدم التصعيد؛ ولذلك فإن استقالة هادي كانت مجرد تحصيل حاصل بعد أن وجدت السلطة نفسها عاجزة عن ممارسة وظيفتها وصلاحياتها ووجدت أنها اصبحت مكشوفة سياسياً وامنياً وفاقدة للقوة والغطاء.
 
ولا نظن أن من حق أي طرف ان يحتكر لنفسه الاحساس بالتعاطف مع الرئيس هادي، سيما وان هادي كان هو صاحب الدور الاكبر في رسم معالم هذه اللحظة، التي يمر بها اليمن، فهو من خذل نفسه وخذل من خرج لانتخابه وخذل من وقف إلى جانبه وخذل بلاداً بأكملها بأدائه المتخبط وسياسية المتقلبة، التي قادتنا إلى هذا المنزلق الخطير، وبالتالي فلا أجد مبرراً لكل ذلك النواح على شرعية هادي، لكونه الذي اغفل الآمال والأحلام التي علقها الناس عليه، حيث انفصل عن ابناء شعبه وهمومهم بمجرد ان اصبح بينه وبينهم وسيطاً هو (مجلس الامن)، الذي راهن على مساندته له بدلاً عن الرهان على أبناء شعبه..
 
لا بد وان الجميع كان متفهماً للمصاعب التي اعترضت طريق هادي، مع ذلك فقد كان على الرجل ان يتفهم أيضاً أن الحاكم الشجاع هو من يجعل من نفسه مصدر العزيمة والثقة والأمان لشعبه، خصوصاً في بلد كاليمن تعتقد الغالبية فيه أنها من تستمد قوتها من شخصية من يحكمها، وهو ما شعرت معه هذه الغالبية ان الرئيس هادي اهتم بالحفاظ على السلطة على حساب بناء الدولة، وانه الذي غلب تمديد المرحلة الانتقالية على انجاز استحقاقات الانتقال، وغلب الاستقواء بالخارج على فكرة الاحتماء بالداخل، فإنه من غابت عنه حقيقة هذه الغالبية، التي تستطيع ان تصبر وتتحمل إذا ما وجدت القيادة والإدارة الواعية القادرة على درء الأخطار ومواجهتها قبل استفحالها.. وفي المقابل فإن مثل هذه الأغلبية سرعان ما تنقلب على السلطة إذا ما اكتشفت ان هذه السلطة لا تتصرف بحكمة تجاه ما تعهدت به للجميع.
 
وعليه فإن السؤال عن: (من سيحكم اليمن)، والذي طرحه الاعلام الامريكي والأوروبي مؤخراً كان الاحرى ان يطرحه الداخل اليمني، الذي يبدو اليوم مغيباً أو غائباً عن صناعة القرار لصالح أحزاب انخرطت في دائرة المناورة، لكي لا تتحمل مسؤولية الخطايا التي ارتكبت بحق هذا الشعب، الذي وعدته ذات يوم ببناء دولة لكل اليمنيين.. لكن فإن الصورة التي انبثقت عن اللقاءات الاخيرة أثبتت ان جل هذه الاحزاب لا تحمل معنى الحزب وإنما ما نصفه أيضاً بالنخبة، ليست لكونها من تقاد ولا تقود، ولذلك فها هي هذه الأحزاب والنخب تفشل كلياً في طرح بدائل الحلول لمشاكل الناس ومشاكل البلاد ومشاكل الفراغ الذي تعيشه اليمن، بل إنها من تظهر مجرد اكسسوار في ادارة الشأن العام بعد ان تحولت مع مرور الزمن إلى فيروس لتعطيل الحياة السياسية الى الحد الذي صارت فيه غير مستعدة بأي تضحية لأجل اليمن.
 
ومع كل ذلك فلا مناص من اضطلاع القوى السياسية والحزبية والمدنية وفي طليعتها المؤتمر الشعبي العام بدور محوري لإنقاذ البلاد وإخراجها من وهدة الفراغ والانهيار، كما ان هذه القوى وعلى رأسها التجمع اليمني للإصلاح مغادرة مربع العداء غير مبرر للمؤتمر وعدم تكرار أخطاء الماضي وما شابه من اصطفافات وتجاذبات بين الحزبين الكبيرين، والتي جلبت على البلاد الكثير من المحن والويلات والكوارث..
اخبار اليوم
الحجر الصحفي في زمن الحوثي