عناصر الموت لاتعزف الموسيقى

عزوز السامعي
السبت ، ١٠ يناير ٢٠١٥ الساعة ٠٩:٤٧ مساءً
فعل العنف يتقدم لحساب تراجع السياسة , يمكننا استحضار أمزجتنا وقراءة ما يدور وفقاً لتصورات ذاتية منطلقة في واقعها من توجهات مؤدلجة أو مسيسة، غير أن هذا لا يعني أن الحقيقة لن تكون في النهاية على هذا النحو : 
ما يحدث الآن نتيجة انحسار الإيمان بالسياسة كأداة لإدارة الخلافات واستحضار نزعة العنف وأدواته لملء فراغ هذا الإيمان ! 
 
سيحفل تنظيم القاعدة ومختلف جماعات العنف والارهاب بهذه الحقيقة أكثر من أي تيارات آخرى , وتحت جنحها ستمارس هذه التنظيمات والجماعات مهمتها في تفخيخ جماجم اليمنيين راكنة إلى أن أسلوبها في القتل أضحى الان حالة عامة يمكن لحزب سياسي أو مكون قبلي أو منظمة مدنية أو جماعة حقوقية أن تجترحه دون أن توجه أصابع اللوم والاتهام مباشرة ناحية هذه الجماعات. 
 
 
دماء اليمنيين تنزف بطريقة آلية في أكثر من محافظة , دخلت الحالة اليمينة عصر السيارات المفخخة وصار للعراق رفيق درب يؤنس وحشته في مربع دام ظل فيه لأعوام وحيداً يعاقر الموت ويشتم القتلة وجماعات التفخيخ ! 
 
فجر الأربعاء كنت أتصفح فيس بوك باكراً على غير العادة قبل أن تستعر صفحات بعض النشطاء بأخبار عاجلة عن انفجار شديد في كلية الشرطة يستهدف طلبة متقدمين للتسجيل فيها , وشيئاً فشيئاً تحول فيس بوك إلى بركة تطفو عليها دماء الطلبة البؤساء .. بدا المشهد مقززاً للغاية , كانوا على أرصفة البرد يتناولون الخمير ويتبادلون الضحك قبل أن تحصدهم أيدي القتلة في لمحة بصر , ويتحولون من طلبة علم إلى طلبة رحمة في كنف الله دون اشعار ذويهم وعائلاتهم! 
 
 
أكثر ما فعله هذا البلد هو تشييع أبنائه الى المقابر والوقوف على عتبات مراثيهم لممارسة بكائيات مملة ثم الانزواء لأخذ نفس ريثما تحصد يد العنف أرواحاً جدداً ويعود لممارسة بكائياته مجدداً .. وهكذا . 
 
بُعيد مذبحة كلية الشرطة مباشرة كنت أتبادل الحديث مع زميل سبق وألقى بطعام الفطور إلى المزبلة , قال إن بطنه انتفخ اّلياً بصور ضحايا المذبحة وانسد حلقه بدمائهم المسفوحة على مرأى العالم , كان يتحدث عن ذلك بمرارة ويتساءل عن اللحظة التي سيطوي فيها اليمن تجريفات الموت والقتل وما إذا كان سيحظى بفرصة للعيش في يمن ما بعد المشاهد الدامية , وكنت أحاذر الانسياق معه في حديث صار يأخذ بعداً مثالياً في واقع تقيده استحالات شتى.. أجل فالحديث عن يمن سيكون بهذه الصورة هو أقرب إلى هذيان لذيذ لا يمكن الإفاقة منه دون أن ندفع ضريبة ذلك على شاكلة اشتعالات كئيبة تجرح الروح . 
 
تركت زميلنا يلوك يمن الحلم كيفما اتفق ومضيت في طريق مراكمة قناعة لم تأخذ الكثير من الوقت لكي تتلبسني وتستحيل الى حالة بوح أهديها لكل من يسأل عن مذبحة الشرطة : 
هل كنتم تظنون أن عناصر الموت قدمت إلى صنعاء لكي تنثر الورد على الأرصفة أو تعزف ألواناً جديدة من الموسيقى
الحجر الصحفي في زمن الحوثي