على هامش الاتفاق الإصلاحي - الحوثي

عزوز السامعي
الجمعة ، ٠٥ ديسمبر ٢٠١٤ الساعة ٠٣:٤٣ مساءً
في مساء لا علاقة له بالجمال وفقاً لنُخبة شبابية إصلاحية؛ أعلن الموقع الرسمي لحزب الإصلاح عن وصول وفد رفيع المستوى من الحزب إلى محافظة صعدة للقاء زعيم جماعة الحوثيين الشاب عبدالملك بدر الدين الحوثي بهدف العمل من أجل صياغة اتفاق سياسي لطي صفحة الصراع والتوجُّه لبناء الثقة والتعاون في بناء الدولة وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني واتفاق الشراكة والسلم الذي جرى توقيعه عقب أحداث 21 سبتمبر الماضي. 
 
لم تكن المسألة سوى نتاج لجهود سرّية تكلّلت بالنجاح عبر توقيع اتفاق الثقة محل الجدل، ففي صبيحة أحد أيام نوفمبر المنصرم كتب البرلماني والسياسي المقرّب من جماعة الحوثي سلطان السامعي على صفحته في «فيس بوك» منشوراً تحدّث فيه عن وجود اتصالات سرّية بين حزب التجمع اليمني للإصلاح وخصمه الأيديولوجي جماعة «أنصار الله». 
بدا الرجل منتشياً وهو يزفُّ النبأ إلى الإصلاحيين؛ غير أن كلامه قوبل بسخرية واستخفاف في أوساط القواعد الإصلاحية ومناصري الحزب على مواقع التواصل السياسي؛ إلى الحد الذي دفع أحدهم لأن يصلب هذه العبارة تحت كلام سلطان: إشاعة جديدة لرجل مصاب بحمّى غريبة تدفعه بعيداً في بحر الهذيان..!!. 
 
تحفل الذهنية الإصلاحية ـ وهي ذهنية مؤدلجة ـ بدرجة عالية من الحساسية إزاء تسريبات الخصوم فيما يتعلّق بالإصلاح، وهي ظاهرة يمكن ملاحظتها لدى القواعد الجماهيرية لمختلف المكوّنات السياسية في اليمن، وعزّز من الموقف الأخير لأنصار الإصلاح في مواقع التواصل تصريح لزيد الشامي القيادي البارز في حزب الإصلاح لإحدى الصحف الخليجية والذي قال فيه إن الحديث عن تقارب بين الإصلاح وجماعة الحوثيين هو تسريب كيدي يستهدف الإساءة إلى الإصلاح وإحراجه أمام الإشقاء والأصدقاء. 
 
لم يحدّد الشامي وجه الحرج في تقارب مكوّنين يمنيين أمل السلام عالق على أطراف بندقيتيهما؛ غير أن الإفصاح الإصلاحي الأخير عن لقاء عبدالملك زعيم جماعة الحوثيين بوفد إصلاحي وتوصّلهما إلى رؤية تجنّب البلد ويلات الحروب وتعزّز من حضور فكرة بناء الدولة المدنية لدى الطرفين؛ قد أظهر الشامي في موقف حرج سيفسّره الناشط الإصلاحي محمد الجرادي بعد ذلك منطلقاً من روح مستاءة بقوله: «إن ثمة قيادات انتهازية» تظهر الإصلاح كحزب يعتمد الأكاذيب وسيلة في أدائه السياسي. 
 
لم يكن الأمر صادماً بالنسبة لتيار جارف داخل القاعدة الإصلاحية وأيضاً داخل جماعة الحوثي، فالقواعد الجماهيرية للجماعتين وخلاياهما الناشطة في مواقع التواصل الاجتماعي تربّت على فكرة إسناد الموقف السياسي للجماعتين أياً يكون وبذل الجهود من أجل تبييضه وتنميقه باعتبار ذلك من صميم الواجب التنظيمي لهذه الخلايا والقواعد. 
 
خاضت جماعة الحوثيين سلسلة حروب بدأت في منطقة دماج المتواجدة داخل معقل الجماعة في صعدة ولم تنته في صنعاء؛ حيث استطاعت الجماعة أن تغيّر بالمجمل وجه الخارطة السياسية للبلد، وعلى مسار هذه الحروب التي خاضتها هذه الجماعة ظهر حزب الإصلاح كقوة لعبت دوراً بارزاً في مواجهة تمدّدها والتصدّي لها عبر أجنحة قبلية موالية، ورغم أن الإصلاح لم يدخل الحرب بشكل رسمي؛ إلا أن فكرة حضوره في قلب هذه المعارك كانت قد ترسّخت في الذهنية الجمعية إما عبر الخطاب السياسي والإعلامي المعادي والذي سعى دائماً إلى إظهار الإصلاح كطرف مباشر في الحرب، أو عبر الإسناد القوي الذي تلقّته تلك الأجنحة في الخطاب السياسي والإعلامي للحزب. 
 
شكّل دخول جماعة الحوثيين إلى صنعاء فاجعة للنُخب السياسية والمدنية التي اعتبرتها بمثابة وأد للعملية الديمقراطية في البلاد، وفي الوقت الذي تضاعفت فرص الحوثيين في الوصول إلى السلطة عبر فرض قوتهم على الأرض؛ بدأ الإصلاح ـ وهو الحزب الأكثر شعبية في البلاد ـ أمام حالة معقّدة وغير مفهومة تنسف أهم قواعد المنطق السياسي التي تعكس حجم النفوذ داخل مؤسسات السلطة وفقاً للقوة السياسية والجماهيرية للمكوّن السياسي؛ وهو الأمر الذي أظهر الإصلاح فيما بعد بتلك الصورة المشوبة بالقلق والارتباك. 
 
لدى الإصلاحيين اليوم تفسير وحيد للذي حدث - وهو تفسير منطقي إلى حد كبير - وهو أن الجميع اشترك في مؤامرة كانت تقتضي أن يتحوّل حزبهم بعد أيام من دخول جماعة الحوثي إلى صنعاء إلى كتلة من الخرائب والأطلال. 
 
أما الحدث الكبير في 21 سبتمبر فلم يكن سوى انعكاس لحالة يمنية مشوبة بالغرابة، ووحدهم الإصلاحيون لم يكونوا يحتارون ولا يكترثون لشيء قبل ذلك اليوم، وكون القواعد الجماهيرية للإصلاح لاتزال في طور الصدمة؛ فهذا لا يعود في حقيقته سوى إلى حالة من الثقة بالظروف السياسية ومسار المشهد العام تلبستهم في مرحلة من المراحل، وأفضت بهم إلى السقوط في عمق خيبة شاهقة الأوجاع والآلام. 
 
يبكي الإصلاحيون اليوم تحت ضغط رفسات متشفّية؛ غير أن منسوب دموعهم وخيبتهم سينحسر مستقبلاً على وقع اكتشاف مذهل لتفاصيل مؤامرة قذرة نجا منها حزبهم بضربة حظ، أو ربما ضربة قدر لا تتكرّر مرتين..!!. 
 
رابط المقال على فيس بوك 
رابط المقال على تويتر 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي