هي أزمة تاريخية

د. عبدالله صلاح
الأحد ، ٠٢ نوفمبر ٢٠١٤ الساعة ٠٥:٤٦ مساءً
ثمة تراكمات متلاحقة للهزائم السياسية والفكرية والثقافية في عالمنا العربي، الأمر الذي أدى إلى فقدان الأمة العربية توازنها، حتى رأينها تسير عكس شروط العصر الحديث ومقتضياته، عصر الحداثة والمعلومات والتكنولوجيا. فإذا كان العالم المتحضر يحرز في كل يوم تقدماً علمياً، وتطوراً حضارياً جديداً، فإن العالم العربي يفشل باستمرار في مختلف مجالات الحياة، ليظل على ما هو عليه من ضعف وعجز وتفكك وحروب وصراعات بينية. 
 
لا شك في أن الأزمة تاريخية، وترتبط بالنخب السياسية والاجتماعية والثقافية، وعجزها عن استيعاب التحولات العالمية الجديدة، وكذا عدم انسجامها وتكاملها بفعل رداءة التفكير وتخلفه. وربما تتجلى بصورة أكبر لدى النخب المثقفة التي ترى في نفسها أوعية تحتوي على كم من المعلومات والمعارف فقط، دون ربطها ببنية المجتمع ونمط حياته. وعلى الرغم من أن هذه النخب تنتمي إلى مدارس وتيارات فكرية وفلسفية ودينية متعددة، إلا أن أزمتها التاريخية تمتد أيضاً إلى علاقات نخبة المدرسة الواحدة أو التيار الواحد، فهي علاقات متوترة وغير متناغمة . 
 
ومن صور رداءة التفكير، أن هذه النخب لا تقدر حجم ما يبذله الآخر في مضمار الصراع بين الهويات الثقافية، إذ سخرت قوى الاستعمار كل إمكاناتها المادية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية في سبيل فرض هوياتها الثقافية، وإماتة الهوية العربية أو تجميدها، أو في أقل تقدير التشكيك في جدواها. بالإضافة إلى أن علاقة هذه النخب بالحاكم السياسي، لم تقم مطلقاً على أساس الولاء للمعرفة والحقيقة والتعاون والتفاعل في سبيل تطويرهما للنهوض بالوطن والأمة، بقدر ما بنيت على الانتهازية والتزييف ومواجهة التنوير والمعرفة والحقيقة.   
 
ربما قد يكون المثقف الحر والمستقل عن السلطة السياسية والدينية، من يمارس فاعليته على استحياء؛ بسبب تعرضه للعقاب بضراوة، أو خشيته من التنكيل من قبل الحاكم السياسي أو تعرضه للهجوم والتشويه من قبل رجال الدين والجماعات الأصولية، فهو أكثر ما يخشونه لتجرده في القراءة والنقد واستقلاليته في الرأي والفكر. إلا أنه في الغالب يظل منفرداً أو في نطاق عصبة هشة غير مؤثرة لعدم امتلاكها عناصر عملية التغيير. وبالتالي تكون فاعليتها أو إسهاماتها ضعيفة في معالجة الأزمات الراهنة والمتعددة .
إن استبداد أي نظام أو حاكم سياسي، لا يمكن أن يحدث والنخب الثقافية والمجتمعية واقفة له بالمرصاد. فهي الأداة الفاعلة في ضبط حركة الحاكم السياسي، وإجباره على الإيمان بالديمقراطية وبالتنوع الفكري والثقافي والاجتماعي. فضلاً عن دورها الفاعل في مجال تنمية وعي المجتمع ثقافياً وسياسياً واجتماعياً واقتصاديا، وتسهيل طريقه إلى الحياة الكريمة والتقدم والرقي. 
 
إن ضعف حضور النخب المثقفة، وهشاشة أدائها، حولها إلى أوعية ثانوية أو إلى هوامش يحتقر المجتمع إبداعاتها وأفكارها. وبالتالي يستحيل عليها صنع أي شيء في ظل انعزالها عن المجتمع بمختلف شرائحه. ولا أعتقد أن زعم المثقف بجهل المجتمع وتخلفه وانغلاقه وعصبيته مبرر كاف لعجزه وغيابه عن المشهد السياسي والاجتماعي.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي