الحوثي حاكماً

د. عبدالله صلاح
الاربعاء ، ٢٤ سبتمبر ٢٠١٤ الساعة ١٢:١٥ مساءً
 
 
 
كتبت قبل أسبوعين تقريباً مقالاً بعنوان "الحوثي محظوظاً" أشرت فيه إلى بعض عناصر الواقع التي هيأت لبلوغ الحركة ما بلغت من القوة والحكم، وحين قرأه صديقي الرائع الكاتب سام الغباري بدده الظن، ناسياً أن بعضه إثم. وها أنا اليوم أكتب عن "الحوثي حاكماً" راجياً صديقي ألا ينتابه شعور تجاه خطيئة لا ثمن لها ولا غفران عند محاسبة الذات. خاصة وأننا نقف الآن أمام صفحة جديدة وواضحة المعالم من صفحات تاريخ اليمن الحديث.
 
نعم لقد آمنت بقدوم هذه الصفحة، حين ران على قلب سابقتها الإرهاق والضعف بفعل استهلاك خطاب الزيف والمغالطة والإرجاف في المجتمع، وكذا اعتماد أساليب المكر والخداع والاحتيال على فئات الشعب الغارقة في الفقر والجوع والمعاناة.  
 
لقد فُتحت هذه الصفحة الجديدة يوم دخل أنصار الله صنعاء، وسيطروا عليها بالكلية. ولكنها ليست صفحة خاصة بصنعاء، بل إنها صفحة عامة لها خصائص وعلامات تستوعب اليمن كله أو جله.  إذ أسست لمرحلة تاريخية مختلفة جذرياً عن مرحلة ما قبل الدخول والسيطرة، وهو ما سيتبدى لنا خلال الفترة الزمنية القصيرة القادمة.
 
المهم يجب أن نعترف أن ما بعد الدخول والسيطرة ليس كما قبله، فما بعده قد منح أنصار الله الملك، وأن ما صاحبه من توافق أو توقيع ما هو إلا غطاء شفاف لجمهورية ثانية بشر بها عضو المكتب السياسي لأنصار الله علي البخيتي. لا ندري حتى الآن لون هذه الجمهورية الحقيقي، ولا وسائلها ولا أدواتها التي ستحاسبنا بها. لكن في إمكاننا التكهن بإشارات وعلامات هذا الغطاء الموحية بوجوب إتمام كتابة الصفحة على وفق إرادة مخلصة عنوانها (المسيرة) التي لا تتوقف إلا حين تنصدم بما يقهرها، أو حين تصل إلى نهاية السير المأمول.  
 
لقد أصبح من اللغو الحديث عن وجود محافظة من المحافظات التالية: (الجوف، ومأرب، وصعدة، وعمران، وصنعاء، وذمار) لا تخضع عملياً لسيطرة وحكم اللجان الشعبية لأنصار الله، وكذا محافظات (المحويت، وحجة، والحديدة) هي في الواقع تحصيل حاصل، ولا يمكن حدوث أي اعتراض أو أية مقاومة أو ردة فعل من أي طرف من أطراف الصراع السياسي تجاه تمدد وسيطرة أنصار الحركة. خاصة بعد أن آمن الناس جميعاً بأنه ليس في مقدور أحد الوقوف في وجه تمددها السريع وابتلاعها العنيف للأرض، إذ لا يمكن بعد اليوم أن تتأسس جبهة قوية كجبهة حاشد التي توافر لها المال والرجال. وليس من الممكن أيضاً أن توجد قوة عسكرية من حيث العدد والعدة كقوة لواء الشهيد القشيبي تقف في وجه الحركة. وكذا ليس في الإمكان أن يقف أمام تمدد الحركة رجالٌ أشرس وأشجع من رجال مأرب والجوف. 
 
قد يكون من الغباء التصديق الكامل أنه لولا حزب (المؤتمر الشعبي العام) ما بلغ الحوثي ما بلغه من قوة وسيطرة على صنعاء. صحيح لا يمكن تجاهل دور حزب المؤتمر في تمكين الحركة من تجاوز عقبة حاشد وعمران والوصول إلى صنعاء، من خلال التعاون والتواطؤ. لكن في الحقيقة ليست لحزب المؤتمر القدرة على منع الحركة من الوصول إلى صنعاء ولو بعد حين. 
 
لقد آمنت اليوم كل الأطراف السياسية في اليمن أن أنصار الله ليسوا فقط القوة الأولى على الساحة اليمنية، بل هم القوة الحاكمة فعلياً على الأرض، بما في ذلك حزب المؤتمر الشعبي العام. وهو ما يضعهم أمام اختبار حقيقي لإثبات جدوى مشروعهم ومقدرته على البناء والنهوض، لاسيما وأن كثيراً من العراقيل ستوضع أمام الحركة لكثرة أعدائها وتربصهم بها. ولعل أهم اختبار يتصل بالحقوق والحريات، فثمة توجس وتشكيك واشمئزاز على أعلى المستويات تجاه نوايا حركة الحوثي، وطموحاتها السياسية. مع أن قراءة مجريات الواقع وأحداثه ترجح أنه في استطاعة الحركة توفير حالة من الآمن والاستقرار، بفعل ما تمتلكه من رصيد هائل من الهيبة والخوف في نفوس الناس؛ الناتج عن شدة عقابها وعدم تهاونها، كما هو حاصل في صعدة وعمران. فضلاً عن استطاعة الحركة على توفير الخدمات كالكهرباء والمشتقات النفطية ومنع الاعتداء عليها. لكن في المقابل لا أعتقد أن في إمكانها تحقيق قدر جيد من العدالة الاجتماعية؛ لطبيعة نشأتها. 
 
أما ما أخشاه حق الخشية، وينتابني تجاهه الشعور بالقلق هو أن يفقد الإنسان اليمني حريته وكرامته في الداخل، في ظل حكم سياسي مغلف بالقرآن وإدعاء الحق الإلهي. ومن المعلوم أن الحرية والكرامة أهم وأعز ما يمتلكه الإنسان. ولعل ما نراه من نسف للبيوت ومصادرة للمقرات والمراكز الدينية لجماعة الإخوان، وكذا إغلاق قناة سهيل الفضائية، يشير إلى أنها مقدمات غير موفقة، لتوافر الرغبة في اقتلاع جذور الخصم بالمرة. 
 
لقد ظللنا عقوداً من الزمن لا نملك شيئاً سوى حرية الرأي والفكر والمذهب، فإذا خسرناها في عهد الحكم الجديد فقد خسرنا كل شيء، حتى وإن منحونا الذهب وكسونا الحرير. ولعل القلق يأتي أيضاً مما نسمعه من أخبار متواترة بمصادرة الحريات، ومنع الغناء والفن في صعدة وعمران، وما رواه صديقي أحمد العرامي عن أخيه عن مقاول في عمران أن نقطة عسكرية تتبع للجماعة منعته من الغناء على سيارته، وحين أراد أن يدافع عن حقه وحريته، ردوا عليه بقول صاعق: (ليس أحد حر أمام أنصار الله). 
 
في كل الأحوال يجب التصديق بالواقع الجديد، ويجب منح أنصار الله فرصة لإثبات جدارتهم في الحكم، ما لم يتدخلوا في شئون الناس الخاصة. وعلى الجماعة التفكير والوقوف بروية أمام كل إجراء أو فعل يثير سخط الناس، كما أن عليها أن تعي أن انحرافها عن مبدأ الشراكة سيقود البلاد إلى حالات من العنف السياسي والاجتماعي. فليس في مقدورها الاستمرار في الحكم طويلاً في حال الانفراد به، أو ممارسة القمع ضد التيارات والجماعات والأحزاب المعارضة. كما أن عليها إثبات مصداقيتها في الارتقاء باليمن نحو المدنية والحكم المؤسسي لا حكم الجماعة والآل والأنصار رضوان الله عليهم، أو الميل نحو استرضاء العرق أو العصبية القبلية أو السلالية أو المذهبية.
 
وقبل كل شيء، يجب على جماعة الحوثي أن تثبت أنها لن تلجأ إلى النزعة الإقصائية مع حزب الإصلاح وكوادره،  فإذا صنعوا ذلك فمعناه أنه لا فرق بينهما من حيث الاستئثار بالسلطة والثروة.
 
شخصياً سأصفق لأنصار الله إن أحسنوا صنعاً وأعادوا كرامة الإنسان اليمني، وسأسدد رميهم، وأبارك خطوهم حباً في الوطن وحرصاً على تقدمه وازدهاره، لا حباً فيهم أو حرصاً على حكمهم، ويجب أن يكون هذا شعار كل يمني حريص على أمن وتطور وطنه.  وليس شرطاً أن نكون معهم، بل نزولاً عند فقه الواقع. أما إذا أساءوا وأمعنوا في إقصاء الآخر وإلغائه فسنصليهم سخطاً وناراً، ولن نكون شهداء زور، ومثلما كتبنا "الحوثي محظوظا" و"الحوثي حاكماً" سنكتب "الحوثي إرهابياً" و"الحوثي ملكاً" و "الحوثي كاذباً" و "الحوثي مزيفاً" وهلم جرا. 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي