الحوثي في ميزان الربح والخسارة

د. عبدالله صلاح
الأحد ، ٣١ أغسطس ٢٠١٤ الساعة ٠٢:٢٧ مساءً
 
 
 
ربما يكون من المبكر قراءة طبيعة ما يجري من أحداث ساخنة في العاصمة صنعاء ومحيطها الدائري. كما هو من المبكر والصعب أيضاً استشراف ما ستئول إليه أزمة الحشود المنادية بإسقاط الجرعة والحكومة، والحشود المضادة باسم الاصطفاف الوطني المطالبة بالحفاظ على الثوابت الوطنية.
 
لكن في المقابل ثمة علامات قد يتلمس القارئ خيوطها لبيان ظروف حركة الحوثي وأنشطتها وطموحاتها، باعتبارها حامل لواء الخارجين ضد الجرعة والحكومة، وباعتبارها أيضاً الحركة الفتية والمغامرة في الحروب، واللاهثة وراء السلطة وابتلاع المزيد من الأرض. 
 
نستطيع القول بثقة وبشفافية، وبدون نسق مضمر تجاه الحركة، أن ما خسرته الحركة أكثر مما ربحته. ولن نشير إلى ما كسبته طمعاً في التفات الحركة إلى نفسها، وإلى ما يحدث في الواقع، وإلى ما قد تخسره أكثر؛ لعلها تجري مراجعات نقدية سريعة؛ لتجنيب نفسها والوطن دوامة حرب أهلية لا تقف عند حدود زمنية أو مكانية. 
 
المهم، إن من العلامات الدالة على ما نذهب إليه من احتمالات الخسارة، ما يلي:
أولاً: على مستوى الخطاب الإعلامي، فهو خطاب سالب ومنفر وصانع للتوجس والشكوك حول نوايا الحركة ومراميها. وفي مقدمة ذلك الخطاب الأول للسيد عبد الملك وتهديده ووعيده، وحديثه عن الخيارات المفتوحة، حيث تجاوز هذا الخطاب لغة السياسة ومناوراتها القابلة للاحتمالات المتعددة. صحيح قد يقول أحدهم أنه جنب المظاهرات العنف وعدم الاعتداء عليها. لكنه في المقابل حدد صبغة الحركة وطبيعتها وميلها –في وجهة نظر الأغلبية المحايدين- نحو العنف ورغبتها في تحقيق أهدافها بقوة السلاح لا بالوسائل الديمقراطية.
 
وعلى المستوى نفسه كشفت الأحداث الأخيرة حقيقة أن المحسوبين على الحركة من الإعلاميين والمثقفين والحقوقيين لا يختلفون مطلقاً عن غيرهم من مثقفي الجماعات الدينية الأخرى وأنصارها، من حيث خطابهم التحريضي والمأزوم الداعي إلى الحرب وسفك الدماء، وإثارة الفوضى وشق الصف الوطني، بدلاً من التهدئة وإشاعة الطمأنينة والسكينة بين الناس.
 
ثانياً: على المستوى السياسي، نلاحظ أن الحركة بتصرفاتها وخطابها أعادت الحياة إلى خصوم الحركة التقليديين، ومكنتهم بنسبة لا بأس بها من النجاح في التشكيك بالحركة وأهدافها ونواياها، عن طريق رفع شعار الدفاع عن الجمهورية وصنعاء. فضلاً عن أن تشددها في التفاوض مع اللجنة الرئاسية أنتج تحالف هؤلاء الخصوم مع سلطة الدولة السياسية، واستغلال مقدراتها ووسائلها الإعلامية لتشويه الحركة وشيطنتها. وجعلها في مواجهة مباشرة مع رئيس الدولة والجيش، وشرائح مختلفة من أبناء الشعب.
 
وكذلك على المستوى السياسي أيضاً وضعت الحركة نفسها في مواجهة مباشرة مع الدول العشر، ومجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية، ومجلس الأمن الذي أصدر بياناً واضحاً مساء الجمعة يُحمل فيه الحركة مسئولية إعاقة التسوية السياسية, ويطالبها بالانسحاب من عمران وتسليمها للدولة. وهو ما يعنى أنه في حال تمادي الحركة فإن مجلس الأمن وبضغط من مجلس التعاون الخليجي ومن الجامعة العربية قد يفرض عقوبات صارمة على الحركة وقادتها السياسيين، من ذلك حرمانهم من السفر إلى الخارج. بالإضافة إلى إن استشعار دول الجوار بخطر حقيقي يهدد أمنها واستقرارها، سيفرض عليها حتماً تشكيل قوى جديدة داخل اليمن، ودعم القوى المتصارعة مع الحركة لمواجهتها وتوقيف تمددها. 
 
ثالثاً: على المستوى الاجتماعي، نلاحظ أن موقف الحركة وخطابها المشكك فيمن يختلف مع توجهاتها وطموحاتها سيضاعف من محاصرتها اجتماعياً، حيث بدأ تصاعد خطاب الكراهية ضدها، والتحذير من اغتصابها السلطة بالقوة. خاصة وأنهم يرون أن الحركة تحججت في دماج وفي حاشد بطرد التكفيريين، وتحججت في عمران بتغيير المحافظ ونقل اللواء (310) وطرد دواعش الإصلاح. وأنه لا مبرر الآن لاستخدام السلاح ومحاصرة صنعاء والتهديد بإسقاطها. وهذه الأفعال وغيرها جعلت نسبة كبيرة من أبناء الشعب يصدقون فكرة طموح الحركة في إعادة الملكية وتهديد الجمهورية وارتباطها بمشروع خارجي لا علاقة له بالوطن، خاصة وأن خمساً من القنوات المحسوبة على إيران تنقل مباشرة خطابات السيد عبد الملك الحوثي. 
 
المهم كنت قد نشرت مقالاً قبل أيام في صحيفة اليمن اليوم أشرت فيه إلى إمكانية سيطرة الحركة على محافظات عدة من بينها (ذمار وصنعاء وحجة والجوف)، وقد تم تأسيس هذا الرأي على فاعلية الحركة، واعتمادها على الإرث التاريخي والنشاط الاجتماعي لا العسكري. ولكن لا أدري إن كان جنوح الحركة إلى استخدام القوة والعنف لإسقاط العاصمة صنعاء، أو جرها إلى استخدام السلاح والعنف في إسقاط المحافظات وقد استنفدت كل الحجج والعلل، هل سيؤدي إلى انحسار تمدد الحركة وعدم قدرتها على السيطرة بفعل المقاومة الشعبية العارمة المحتملة، أم أن هذا الأسلوب سيكون أجدى وأسرع في السيطرة على العاصمة وتلك المحافظات المشار إليها؟.
 
ختاماً، ثمة احتمال آخر قائم إذا تحقق في الواقع فإنه بكل تأكيد سيخفف من وطأة الخسارة على الحركة، بل وربما سيكون ربحها أكثر من خسارتها. ذلك الاحتمال هو أن ما تقوم به الحركة من تصعيد هو جزء من مشروع كبير تم إعداده جيداً مع طرف أو أطراف سياسية أخرى لها نفوذ في السلطة والجيش ولها حضور جماهيري كبير، وأنها تضمن نهاية خروجها وتصرفاتها الراهنة. لا أرغب في الإفصاح أكثر عن هذا الاحتمال، ولعل الأيام القليلة القادمة كفيلة بإثبات حقيقة هذا الاحتمال أو دحضه.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي