خاطرة الجمعة (11) في رحاب تدبّر ما لا يُحبّه الله: "الفساد والمفسدون"

د. علي العسلي
الجمعة ، ١٣ يونيو ٢٠٢٥ الساعة ٠٢:٢٨ مساءً

 

أولًا: تأمّل في بعض الآيات التي تناولت الفساد والمفسدين

1. قوله تعالى:

"ومن الناس مَن يُعجبك قوله في الحياة الدنيا ويُشهد الله على ما في قلبه وهو ألدُّ الخصام. وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويُهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد"

(البقرة: 204–205)

2. قوله تعالى:

 "وإذا قيل لهم لا تُفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون"

(البقرة: 11–12)

3. قوله تعالى:

"ولا تُفسِدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفًا وطمعًا إن رحمة الله قريب من المحسنين"

(الأعراف: 56)

4. قوله تعالى:

 "إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعًا، يستضعف طائفةً منهم يُذبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم، إنه كان من المفسدين"

(القصص: 4)

ثانيًا: العِبر والرسائل المستفادة من هذه الآيات

1. الفساد مرفوض شرعًا وعقلاً:

القرآن الكريم ينبذ الفساد بجميع صوره: الإداري، المالي، الاجتماعي، البيئي، والسياسي، ويقرنه بالهلاك وسوء العاقبة.

2. الفساد عاقبته وخيمة وإن طال أمده:

فالله لا يحب الفساد، وإن أمهل المفسدين زمانًا، فإنه لا يُهملهم أبدًا.

3. الفساد سبب للهلاك والعقوبات:

قصص القرآن زاخرة بالشواهد؛ وفرعون مثال بارز على كيف يؤدّي الطغيان إلى انهيار الدول وسقوط الحضارات.

فالفساد يُهلك النسل، ويُدمّر الزرع، ويقتل الروح، ويُطفئ بركة الأرض.

4. الفساد يعطّل الرحمة الإلهية:

ربط الله بين صلاح الأرض ونزول رحمته. فإذا عمّ الفساد، ارتفعت البركة، وضاقت الأرزاق، وخاف الناس من غدهم.

5. الفساد يُهلك الحرث والنسل:

أي يُدمّر مقومات الحياة، ويخرّب البُنى الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

6. الفساد يُلبّس لباس الإصلاح:

من أخطر مظاهر الفساد أن يتزيّا بزيّ الصلاح، وأن يروّج المفسد لنفسه على أنه مصلح، فيلتبس الأمر على الناس.

7. الحاكم المستبدّ المفسد أخطر من العدو الخارجي:

فرعون لم يكن غازيًا بل كان من القوم، لكنه علا وأفسد وشرذم الأمة، فكان عاقبته الخزي والهلاك.

8. الإصلاح الحقيقي لا يتم إلا بالمحسنين:

 "إن رحمة الله قريب من المحسنين"، لا من المتشدقين بالشعارات، بل من الذين يعملون بصمت ويصلحون بإخلاص.

ثالثًا: إسقاطات على الواقع اليمني وبلاد "الحرث والنسل"

اليمن، أرض الجنتين ومخزن البذور والأرض الخصبة، تعيش اليوم حالًا من التفسّخ الاجتماعي والاقتصادي بسبب منظومات فساد ممنهجة، تمارسها الميليشيات والتشكيلات والجماعات المسلحة تحت شعارات خادعة.

كيف أصبحت اليمن، مهد الحضارة ومصدر السعادة والغذاء، تستجدي المعونات، وقد كانت سلة الغذاء في الجزيرة العربية؟

كيف انهارت مشاريع الريّ والسدود؟ كيف تحوّلت الجبال إلى مخازن للأسلحة والذخائر، ومدافن لاختباء المفسدين والألغام؟

كيف تحوّلت المزارع إلى جبهات حرب، والبشر إلى أرقام في تقارير النزوح والمجاعة؟

من يتولّون الأمر في بعض مناطق اليمن لا يزرعون خيرًا، بل يزرعون ألغامًا.

لا يدفعون بالاقتصاد، بل يحتكرون الغذاء والدواء، ويبتزّون الفقراء بالإتاوات، ويدمّرون البنية المجتمعية باسم "الوصاية الإلهية".

إنه الفساد في أوضح صوره... فسادٌ أهلك النسل والحرث، وقسّم الناس إلى طوائف وأحزاب، كأنّ فرعون ما زال حيًّا بيننا!

أليس من الاعتبار أن نرى في مصير فرعون إنذارًا لكلّ من يتسلّط على رقاب الناس باسم الدين أو باسم الحق؟!

فهل من مُتَّعظ؟ هل من مُبصرٍ في هذا الليل الطويل؟!

رابعًا: دعاءٌ روحي من وحي الآيات

اللهم طهّر قلوبنا من الفساد، وأصلح ذات بيننا، واجعلنا من المحسنين الذين تتنزّل عليهم رحماتك.

اللهم إنا نعوذ بك من الفساد والمفسدين، واجعلنا من عبادك الصادقين المصلحين، الذين تُحبهم ويحبهم عبادك.

اللهم كما أهلكت فرعون بفساده، فأهلك كل من يسعى لإهلاك النسل والحرث، وبدّل حال بلادنا إلى صلاح ورخاء.

اللهم ولِّ علينا خيارنا، ولا تولِّ علينا شرارنا، واجعلنا ممن يُعمّرون الأرض ولا يفسدون فيها.

اللهم أصلح يمننا، وطهّر أرض النسل والحرث من كل مفسد، وردّها إلى أهلها الطيبين الأمناء.

اللهم لا ترفع للمفسدين راية، ولا تُحقق لهم غاية، واجعل كيدهم في نحورهم، وأرنا فيهم آية من آياتك يا عزيز يا جبار.

اللهم اجعل اليمن أرض خيرٍ وبركة، ورجالها أُمناء مُصلحين، وابعِد عنها كلّ من تزيّا بزيّ الصلاح وهو مفسد.

جمعة مباركة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي