اليمني ومعيشة الشتات .. اغتراب الجسد والحنين للوطن!

محمد الظرافي
السبت ، ٢٤ مايو ٢٠٢٥ الساعة ١٠:٤٥ مساءً

 

.

في عمق التاريخ العربي ، يحتل اليمني مكانة خاصة كرمز للكدّ والكفاح ، إذ لا يكاد يخلو بلد من بصمة يمنية ، فإما أن يكون تاجراً، أو عاملاً ، أو أكاديمياً ، أو حتى سياسياً ترك أثراً في مجتمع الإغتراب. 

ولعل الشتات اليمني هو أحد أبرز سمات الهوية اليمنية الحديثة ، حيث أصبح السفر والبحث عن الرزق في الخارج واقعاً معيشاً لآلاف الأسر.

 

فجذور الشتات إذ لم تكن ظاهرة الهجرة اليمنية وليدة الحروب الأخيرة فقط ، بل لها جذور تمتد إلى عقود ، خصوصاً منذ بدايات القرن العشرين حين كانت موجات اليمنيين تتجه إلى دول الجوار الخليجي ، وشرق أفريقيا ، وجنوب شرق آسيا. وكان اليمني دائماً حاملاً لهوية مزدوجة - عامل في الخارج ، وربّ أسرة في الداخل - يسعى لضمان لقمة عيش كريمة لأهله ، مع الاحتفاظ بشدة انتمائه إلى وطنه.

 

ما بعد الحرب .. من اللقمة إلى اللجوء

غير أن الحرب الأخيرة في اليمن منذ عام 2015 زادت من وتيرة الهجرة القسرية ، وتحولت من سعي اقتصادي إلى ضرورة للنجاة. 

اليمني اليوم يعيش الشتات ليس فقط بحثاً عن العمل ، بل هرباً من الحرب والفقر وانهيار البنية التحتية ؛ من السعودية إلى ماليزيا ، ومن القاهرة إلى إسطنبول ، ومن جيبوتي إلى أوروبا ، تتوزع الجالية اليمنية على خارطة الشتات ، حاملةً همّ الوطن وذكريات الرحيل ولا حول لها ولاقوة إلا بالله.

 

ومن تحديات الغربة يواجه اليمني المغترب تحديات مضاعفة ؛ معاناة الإندماج في مجتمعات جديدة ، ومشاكل الإقامة القانونية ، وضغوط العمل ، إضافة إلى الشوق العميق للوطن ؛ فكثيرون يعيشون في ظروف اقتصادية صعبة ، رغم ما يُشاع عن المغتربين ؛ الحنين لليمن حاضر دائماً ، يتجلى في تفاصيل الحياة اليومية ؛ في نكهة الشاي العدني ؛ في الأغاني التي تعزفها المقاهي ؛ وفي لهجة الأمهات عبر الهاتف ؛ في نشرات الأخبار اليمنية.

 

فالشتات اليمني قوة ناعمة ورغم كل المعاناة ، فإن الشتات اليمني أثبت أنه قوة ناعمة لا يُستهان بها ؛ فقد لعب المغتربون دوراً كبيراً في دعم الإقتصاد اليمني من خلال تحويلاتهم المالية ، كما ساهموا في نقل المعرفة ، وبناء جسور التواصل مع العالم ؛ هناك رجال أعمال يمنيون بنوا إمبراطوريات تجارية في الخارج ، وأكاديميون ينافسون في الجامعات العالمية ، وكتاب وفنانون أوصلوا الصوت اليمني إلى محافل دولية.

 

الحنين الذي لا يموت ؛ لا يموت الحنين إلى اليمن في قلوب المغتربين ، بل يتغذى يوماً بعد يوم ؛ يبقى الأمل فيه بالعودة ، وبأن يرى اليمن يوماً ما مستقراً ، حراً ، مزدهراً ؛ وفي الوقت الذي تتفرق فيه الأجساد ، تبقى القلوب موحدة على حب الأرض ، تبقى ذاكرة الوطن هي الملاذ الروحي لليمني في المنافي.

 

سيعود اليمن سعيداً يوماً ما وسيعود يمني المنافي إليه ليختم بقية تاريخه فيها وماذلك على الله بعزيز..!

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي