إذ يمثل 22 مايو من كل عام لحظة فارقة في التاريخ اليمني الحديث ، حيث أُعلن في هذا اليوم من عام 1990م قيام الوحدة اليمنية بين شطري البلاد: الشمالي والجنوبي.
كان هذا الحدث حلماً طالما راود أجيالاً متعاقبة ، ورمزاً للطموح الوطني في بناء دولة موحدة_قوية وعادلة لكن وبعد أكثر من ثلاثة عقود ، يبدو أن ما تحقق على الأرض لا يعكس حجم ذلك الحلم ، بل يقف اليمن اليوم على مفترق طرق حاد ، تتجاذبه التمزقات والانقسامات والصراعات.
الطموح وحدة من أجل المستقبل فعند إعلان الوحدة اليمنية ، كان اليمنيون يتطلعون إلى مستقبل واعد يكون فيه:
دولة قانون ومؤسسات.
اقتصاد موحد ومزدهر.
تنمية متوازنة بين الشمال والجنوب.
مشاركة سياسية شاملة.
نظام ديمقراطي تعددي يفتح الباب للمنافسة والرقابة والمساءلة في آنٍ واحد.
لم تكن الوحدة مجرد تقارب جغرافي ، بل مشروع وطني يتجاوز الجغرافيا نحو بناء دولة حديثة تلبي تطلعات الشعب اليمني في الكرامة والعدالة والحرية.
لكن للأسف الواقع تشققات في الوحدة وتراكم الفشل فسرعان ما بدأت التحديات تظهر ، وبدا أن الوحدة تحققت شكلاً أكثر من المضمون.
تم تغليب الطابع السياسي والعسكري على البعد التنموي والتشاركي ، وبدلاً من بناء دولة للجميع ، ظهرت مؤشرات التهميش والإقصاء ، لا سيما في الجنوب الحبيب.
اندلعت حرب صيف 1994م ، وأعادت طرح سؤال "الوحدة القسرية" ، ومنذ ذلك الحين تعمقت الفجوة النفسية والاجتماعية بين مكونات المجتمع اليمني ، وبرزت الحركات المطالبة بالانفصال، مدفوعة بشعور بالظلم والاستحواذ.
ومع تفجر الحرب الأهلية عام 2015م ، وتعدد أطراف الصراع الإقليمي والمحلي في البلاد ، عاد اليمن إلى واقع التقسيم الفعلي ، وإن لم يكن معلناً ، سلطات متعددة ، عملات بقيمة مختلفة ، جيوش متنازعة ، وخرائط نفوذ تتغير باستمرار.
هل فشلت الوحدة؟
ليس من الدقة القول إن الوحدة فشلت كفكرة ، بل إن طريقة إدارتها هي التي فشلت.
فالوحدة لم تتحول إلى عقد شراكة حقيقية بين الشمال والجنوب كما خطط لها ، ولم تُبنَ على أسس العدالة والاعتراف بالخصوصيات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
كما أن غياب الدولة المدنية في النظام السابق والواقع الحالي ، واستمرار النزعة المركزية ، وتعاظم دور الفساد والمحسوبية ، ساهمت في إضعاف الولاء الوطني ، وأججت النزعات المناطقية والطائفية.
المستقبل إعادة التفكير لا الهدم فالواقع اليمني اليوم يفرض سؤالاً ملحاً - ما مصير 22 مايو؟
هل هو تاريخ للاحتفال ، أم مناسبة للتأمل والمراجعة؟
الحقيقة أن اليمن بحاجة إلى إعادة تعريف الوحدة ، ليس كإجبار على التماهي ، بل كشراكة قائمة على الإرادة الحرة ، والاحترام المتبادل ، والتوزيع العادل للثروة والسلطة.
ربما يكون الحل في نظام فيدرالي أو اتحادي يعترف بالتنوع ، ويمنح الأقاليم قدرة على إدارة شؤونها ضمن إطار وطني جامع.
فالوحدة ليست قيداً ، بل يمكن أن تكون حلاً إذا أُعيد بناؤها على أسس جديدة ، تستوعب الدروس الماضية ، وتعترف بالأخطاء.
في يوم 22 مايو ، يجدر باليمنيين أن يستحضروا الحلم لا الخيبة ، وأن يعيدوا طرح السؤال - كيف نجعل من الوحدة وسيلة للنهضة لا عنواناً للفرقة؟
الطموح ما زال حياً ، لكن تحقيقه يتطلب من الجميع شجاعة المراجعة ، وصدق النوايا ، ورؤية تضع اليمن فوق كل الحسابات الضيقة.
-->