في الوقت الذي هدأت فيه معظم الحروب في المنطقة، وتمضي الملفات الأخرى نحو الحل، تظل الأزمة اليمنية تزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم. الحوثيون يدّعون أنهم لعبوا دورًا رئيسيًا في إيقاف العدوان على غزة، بل ويزعمون أن حركة حماس طلبت منهم إطلاق سراح طاقم سفينة "جلاكسي" متعددة الجنسيات. إن كان هذا صحيحًا، فلماذا لا تطلب حماس منهم أيضًا إطلاق سراح آلاف اليمنيين المحتجزين في سجونهم، وهم جميعًا مؤيدون للقضية الفلسطينية ومظلومية غزة، وهم ضحايا القمع الحوثي؟
وسط هذا المشهد، يأتي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليعيد تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، متناسيًا أسباب تصنيفه الأول عام 2021، والذي كان مرتبطًا باستهدافهم اليمنيين، وتحديدًا قصفهم لمطار عدن الدولي الذي أودى بحياة أبرياء يمنيين وعرقلتهم لعملية السلام وارتباطهم بايران التي تهرب لهم السلاح وهو محظور بموجب قرار مجلس الأمن الدولي.
أما تصنيفه الجديد، فلا علاقة له باليمنيين بشكل مباشر، بل جاء بعد تصعيد الحوثيين محاولين لعب دور إقليمي ودولي، باستهدافهم للسفن المتجهة من وإلى الأراضي المحتلة في فلسطين، وقصفهم لقلب الكيان الصهيوني.
أصبح اليمن ورقة للمساومات الأمريكية، يتم التصنيف ورفعه وفقًا لساسية الحزبين العتيدين ولمصالح السياسية، وليس لمصلحة اليمنيين.
فمرة يتم إدراج الحوثيين كإرهابيين بسبب ارتباطهم بايران واستهدافهم لليمنيين والجيران، ثم يتم رفعهم من القائمة في إدارة بايدن بحجة تحريك عملية السلام وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. واليوم، يُعاد تصنيفهم من الرئيس ترامب من جديد ليس بسبب انقلابهم وجرائمهم ضد الشعب اليمني، بل بسبب استهدافهم للربيبة اسرائيل والسفن الدولية.
الحوثيون لم يتوقفوا يومًا عن القتل والاعتقال والتنكيل بالشعب اليمني، ومع ذلك لم يكن ذلك دافعًا لتصنيفهم إرهابيين، بل كان يجب أن يهددوا المصالح الأمريكية والغربية ليُعاد إدراجهم في القائمة السوداء. وكأن حياة اليمنيين لا تستحق الاهتمام في ميزان السياسة الدولية.
يبرر القرار الأمريكي إعادة تصنيف الحوثيين بأنهم أطلقوا أكثر من 300 قذيفة على دويلة إسرائيل منذ أكتوبر 2023، وهاجموا السفن التجارية في البحر الأحمر أكثر من 100 مرة، مما تسبب في مقتل أربعة بحارة مدنيين على الأقل، وأدى إلى اضطرابات في التجارة العالمية،. ويا للعجب! ولا تهزهم شعرة بقتل أكثر من ٢٥٠ ألف يمني.
ورغم ان القرار اشار آلى ان الذي يجري من قبل الحوثيين هو بسبب أنهم سيطروا على معظم المراكز السكانية اليمنية بالقوة عامي 2014 و2015، لكن المفارقة أن ذلك الذي جرى لم يكن سببًا كافيًا لاتخاذ إجراء حاسم لدعم الشرعية اليمنية واستعادة الدولة.
بل إن التصنيف نفسه قد يُستخدم دعاية لصالح الحوثيين، حيث قد يعتبرونه شهادة أمريكية على "بطولاتهم"، و"نضالهم" ضد إسرائيل، رغم أن العديد يشككون في حقيقة دعمهم لغزة. هذا التناقض في السياسة الأمريكية قد يمنح الحوثيين مبررًا للتفاخر، في حين أنهم يمارسون أبشع الجرائم بحق اليمنيين دون أي مساءلة.
في 22 يناير 2025، وقع ترامب أمرًا تنفيذيًا بإدراج الحوثيين مجددًا في قائمة الإرهاب، مبررًا ذلك بعلاقاتهم مع الحرس الثوري الإيراني، واستهدافهم للسفن الحربية الأمريكية، والمطارات السعودية، والهجمات القاتلة على الإمارات، وإطلاقهم مئات القذائف على دويلة إسرائيل. لكن هذا القرار لم يتطرق إلى انتهاكاتهم في اليمن، من قتل واحتجاز تعسفي وتعذيب آلاف اليمنيين، أو حصارهم لمدينة تعز، أو زرعهم للألغام، أو تفجيرهم للمنازل والمساجد، أو استمرارهم في التصعيد العسكري بمختلف الجبهات.
الولايات المتحدة، من خلال هذا القرار، تسعى إلى القضاء على القدرات العسكرية للحوثيين ووقف هجماتهم ضد الشحن البحري، وليس إلى إنهاء انقلابهم أو استعادة الدولة اليمنية. وكأن اليمنيين غير معنيين بالقضية، ولا يستحقون حتى الذكر في الحيثيات والتبريرات.
إعادة تصنيف الحوثيين قد يزيد من عزلتهم الدولية، لكنه لن يغير من معاناة اليمنيين شيئًا طالما لا توجد إرادة حقيقية لدعم استعادة الدولة الشرعية وإنهاء الحرب.
وإذا كانت واشنطن جادة في محاربة الإرهاب، فعليها أن تدرك أن أخطر ما فعله الحوثيون لم يكن استهداف السفن، بل تمزيق اليمن وإغراقه في دوامة العنف والفوضى وبالتالي تصدير العنف والإرهاب والأذى للآخرين.
فيا ترامب، تصنيفك سياسي، والحوثيون سيستغلونه كما يحلو لهم، ولكن متى سيتحرك العالم لإنهاء معاناة اليمنيين حقًا؟
-->