سرّ انهيار الجيوش العربية: قراءة تحليلية للأسباب والحلول

د. علي العسلي
الأحد ، ٠٨ ديسمبر ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٤٩ مساءً

 

مقدمة

الجيوش هي الحصن المنيع للدول، لكنها في بعض الدول العربية تحولت إلى أدوات لحماية الأنظمة الحاكمة فقط، وعلى حساب الأوطان.

خلال العقود الأخيرة، شهدنا انهيارات متكررة لجيوش عربية عند أول اختبار حقيقي، مما أثار تساؤلات عميقة عن أسباب هذا الضعف البنيوي. كيف يمكن أن تُنفق مليارات الدولارات على بناء هذه الجيوش، لكنها تنهار سريعًا أمام جماعات مسلحة ذات عقيدة قوية أو قوى خارجية؟

يحاول هذا المقال تفكيك لغز هذه الظاهرة وتقديم رؤية للإصلاح.

 تاريخ الانهيارات: من العراق إلى اليمن  

عند دراسة مسيرة الجيوش العربية، نرى سلسلة من الانهيارات خلال مواجهات مصيرية. من أبرزها:  

 

 •الجيش العراقي 

   انهار عام 2003 أثناء الغزو الأمريكي للعراق، مع دخول المعارضة الشيعية المدعومة إيرانيًا على الدبابات الأمريكية. يعود السبب إلى الحصار المطبق على العراق أكثر من عقد من الزمان وربما بعد شعور الجيش العراقي بان النظام قد دبّه الضعف صار الولاء للطائفة والمنطقة يسبق الولاء للوطن رغم حرص النظام البعثي على بناءه على عقيدة قومية ووطنية لكن الحروب ارهقت الجيش العراقي مما ساهمت بتفككه. أما بعد 2014، واجه الجيش تحديًا آخر عندما اجتاح تنظيم داعش مساحات واسعة من الأراضي العراقية، وهو ما كشف عن فساد إداري وضعف تدريب القوات رغم ضخامة الإنفاق العسكري وولوج الحشد الشعبي لمؤسساته واصبح مشرعن بالجيش العراقي رغم ولائه بالمطلق لإيران.  

 •الجيش الليبي

   تأسس في 9 أغسطس 1951، وكان يُصنَّف ضمن أقوى الجيوش في المنطقة. لكنه تفكك بعد ثورات الربيع العربي بسبب انقسام المؤسسة العسكرية بين شرق وغرب البلاد. أصبحت الأولوية لتوحيد مؤسسة أمنية وطنية كخطوة أساسية نحو حل سياسي مستدام. اليوم، يعتمد المشهد الأمني الليبي على الميليشيات والدعم الإقليمي بدلًا من جيش وطني موحّد.  

 الجيش اليمني 

   كان من أقوى الجيوش في المنطقة قبل أن يتفكك تدريجيًا بعد انقلاب الحوثيين عام 2014. لم يكن الانهيار بسبب مواجهة مسلحة فقط، بل نتيجة عقود من الفساد، الولاءات الضيقة للقيادات، وتفريغ الجيش من عقيدته الوطنية، وبسبب خروج الساحات بالمطالبة بإسقاط النظام ودخول اليمن في مبادرة خليجية للحفاظ على المناصفة لصالح النظام السابق في الدولة وإعادة هيكلة الجيش، كل ذلك أسهم في عملية تسليم وتسلم كما نراه اليوم في سوريا، كانت اطقم من ميليشيات الحوثي تستلم المحافظات دون قتال.  

 الجيش السوري

   فقد السيطرة تدريجيًا أمام المعارضة المسلحة والجماعات المتطرفة خلال الحرب الأهلية. الانشقاقات الجماعية، غياب الولاء الوطني، وعدم انتظام دفع الرواتب ساهمت في انهياره السريع. خلال الأسبوعين الأخيرين انهار الجيش العربي السوري بصورة تامة ،والذي وصل ذروته في هذا اليوم بسقوط بشار الأسد ومنظومته، والذي يعده كثير من السورين يوم تاريخي ويحتفون به منذ الصباح الباكر.

   على الرغم من التدخل الروسي والإيراني، بقي الجيش ضعيف الأداء ولا يعتمد عليه في معظم المواجهات.

اليوم، تُعتبر الجيوش الليبية واليمنية والسورية وغيرها غير فعّالة، حيث تعتمد الدول على ميليشيات محلية أو دعم خارجي بدلًا من جيوش وطنية.  

 أسباب الانهيار البنيوي للجيوش العربية  

• غياب العقيدة الوطنية

   تُبنى الجيوش العربية غالبًا لحماية الأنظمة بدلًا من حماية الأوطان. أصبح ولاء الجيوش مرتبطًا بالشخص الحاكم بدلًا من الدستور أو الشعب، مما أدى إلى غياب الانتماء الوطني.

• الفساد الإداري والمالي

   تعاني كثير من الجيوش العربية من استشراء الفساد، سواء في العقود العسكرية، أو توزيع المناصب القيادية، أو تضخم أعداد الجنود الوهميين الذين يرهقون ميزانيات الدفاع دون أي دور فعلي بينما مرتبات الجنود تستقطع او تتأخر كما في اليمن.

• الانقسامات الطائفية والسياسية

   تتحول الجيوش في كثير من الأحيان إلى أدوات تخدم طائفة، فئة سياسية، أو أسرة حاكمة، مما يجعلها عرضة للانهيار أمام أي تحدٍ داخلي أو خارجي.

• ضعف التدريب والجاهزية

   رغم ضخامة الإنفاق العسكري، تُعاني الجيوش من نقص التدريب وعدم امتلاك استراتيجيات فعّالة. يُنفق الكثير على شراء المعدات بدلًا من بناء قدرات بشرية مؤهلة.

• الاستبداد وتغييب الكفاءات

   السيطرة السياسية المطلقة تُقصي الكفاءات العسكرية لصالح الموالين، مما يُضعف كفاءة الجيوش ويؤدي إلى تفاقم أزماتها.

جيوشنا فاشلة إلا على شعوبها مقارنة مع تجارب دولية ناجحة

- الجيش الفيتنامي: اعتمد على عقيدة وطنية راسخة ومشاركة شعبية واسعة، مما ساعده على الانتصار أمام الولايات المتحدة رغم ضعف الإمكانيات العسكرية.

- الجيش الكوري الجنوبي: أصبح من أقوى جيوش العالم بفضل التركيز على الصناعات الدفاعية الحديثة، التكنولوجيا المتقدمة، والتدريب المستمر.

- الجيش الصهيوني : حافظ على تفوقه بفضل الدعم الأمريكي، التركيز على الصناعات العسكرية المتطورة، والعقيدة الدينية التي تُمثل رابطًا قويًا داخليًا.  

الحلول المقترحة لإصلاح الجيوش العربية

• إعادة بناء العقيدة العسكرية

   يجب أن تعتمد الجيوش على عقيدة وطنية تهدف إلى حماية سيادة الدولة ودستورها بدلًا من حماية الأنظمة الحاكمة.

 • مكافحة الفساد

   - إعادة الهيكلة على أسس وطنية.

   - تطهير الجيش من الجنود الوهميين والمتطرفين.

   - إنشاء هيئات مستقلة لمراقبة الإنفاق العسكري وضمان الشفافية في العقود والمشتريات.

• تعزيز التدريب والتطوير

   التركيز على بناء قدرات الجنود والضباط عبر برامج تدريبية مستمرة وشراكات مع مؤسسات عسكرية دولية ناجحة.

• فصل الجيش عن السياسة

   يجب إبعاد الجيش عن الانتماءات الطائفية والسياسية بقوانين صارمة لضمان استقراره وفعاليته.

• دعم الصناعات الدفاعية المحلية

   الاستثمار في الصناعات العسكرية المحلية لتقليل الاعتماد على الموردين الأجانب وتعزيز الاستقلالية والكفاءة.

• توعية النشء بالانتماء للوطن واحترام جيشه الوطني.

 ختامًا

إن انهيار الجيوش العربية ليس نتيجة مفاجئة، بل هو انعكاس لعقود من التخطيط السيئ، الفساد، والانقسامات الداخلية.

إصلاح الجيوش يتطلب إرادة سياسية قوية لإعادة هيكلتها بناءً على أسس وطنية ومهنية، بعيدًا عن الولاءات الضيقة. فقط من خلال ذلك، يمكن للجيوش العربية أن تتحول إلى قوة دفاعية حقيقية تحمي أوطانها وتحفظ استقرار شعوبها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي