طارق والإصلاح: هل تُطوى الخلافات لاستعادة الدولة؟

د. محمد شداد
الجمعة ، ٠٦ ديسمبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٥١ مساءً

 

هتف العديد من المواطنين وأعربوا عن ارتياحهم وأملهم الكبير في تلاقي القوى السياسية في مديرية المخا بمحافظة تعز، وذلك في إحياء ذكرى انتفاضة الرئيس السابق علي عبدالله صالح ضد الحوثيين في 2 ديسمبر 2017، وهي الانتفاضة التي جاءت متأخرة بكل المقاييس. غير أن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل يمكن للقوى السياسية تجاوز خلافاتها العميقة وترك طموحاتها الشخصية جانباً من أجل بناء وطن موحد؟

 

التاريخ يعلمنا أن التحالفات التي تتشكل في أوقات الحروب غالباً ما تنهار بمجرد تحقيق النصر، إذ تطفو على السطح الطموحات الفردية والمصالح الحزبية، وتبدأ مرحلة صراع جديد بين رفقاء السلاح. هل سيتمكن الفرقاء، الذين فرقتهم الخلافات بالأمس، من تجاوز تلك التباينات اليوم، وإغلاق الملفات المتراكمة، والعمل معاً لتحقيق هدف وطني واحد، يتمثل في تلافي أخطاء الماضي وإعادة اللحمة الوطنية، مع توجيه البوصلة نحو صنعاء لتحريرها من الاحتلال الهاشمي الدخيل على الأمة أرضاً وشعباً؟

 

هل سيُخلص الجميع نواياهم، وكل مشارك في المعركة سيعتبر نفسه جندياً مخلصاً للوطن، وأن لا تطغى طموحات الشخصية التي قد تظهر تظهر لاحقاً؟ وهل يستطيعون التخلي عن مفهوم "أنا الوريث الشرعي للحكم"، وحصريًا حقنا ذلك المرض الذي كان أحد الأسباب الرئيسة لانهيار الدولة، ما سمح للميليشيا بالسيطرة عليها؟ تلك العقلية، إلى جانب التخاذل وهوس بالانتقام، كانتا العامل الأكبر في تمكين الحوثيين، خروجهم من صعدة وفرض سيطرتهم على أجزاء واسعة من البلاد.

 القائد طارق صالح ومن حوله في تعز، ومعهم مختلف القوى الوطنية، أمام اختبار حقيقي: هل بإمكانهم تجاوز رواسب الماضي والعمل كفريق واحد من أجل تحرير صنعاء واستعادة الدولة؟ أم سيقعون مجدداً في فخ الصراعات الداخلية التي أنهكت اليمن طيلة عقود؟..

 

كان ذلك السلوك سبباً في دفع الحراك الجنوبي إلى السطح، ومكّن الحوثية من استغلال المشهد السياسي وارتداء لبوس المظلومية، مذرفة دموع التماسيح على أبواب السفارات الأجنبية، مدعية أنها أقلية سُلبت حقوقها. وهي على خلاف ذلك إذ استغلت نفوذها كسلالة لاحتلاب الجمهورية طولاً وعرض، عبر شبكاتها ولوبياتها المتغلغلة في مفاصل الدولة الحساسة. 

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل سيتمكن الأبناء من التكفير عن أخطاء الآباء ودفن الكوارث التي أرهقت الوطن، ليسلكوا طريقاً يُخلّده التاريخ تقرأه الأجيال من بعدهم، بعيداً عن الشطحات والرواسب التي كانت السبب في نكبة الشعب؟ وهل سيتعلم الجميع من الدرس القاسي الذي خلَّفته الحركة الحوثية بممارساتها التي أضرت بالجميع دون استثناء؟

 

هل ستتوحد الصفوف خلف الشرعية لإسناد جهود الرئيس رشاد العليمي في لملمة الصف الجمهوري وإزالة العقبات بمهارة سياسية فريدة، أدارها في ظل أوضاع بالغة التعقيد، تتطلب تكاتفاً حقيقياً من جميع القوى اليمنية والإقليمية؟ وهل سيؤمن الجميع برمزية الدولة ويعملون على توحيد الوحدات العسكرية تحت قيادة وزارة الدفاع اليمنية لتكوين جيش وطني موحد بعقيدة عسكرية واضحة وقواعد اشتباك محددة؟.

 

المطلوب اليوم هو التخلي عن ثقافة تقاسم الكعكة على حساب الأمة وآلامها، والاعتراف بأن ما يقدمه أي طرف للوطن هو واجب وطني وأخلاقي تستدعية المرحلة بشدة، مع التوجه نحو بناء دولة قائمة على العدل والديمقراطية، والالتزام بخيارات الشعب عبر صناديق الاقتراع عوضًا عن فرض ثقافة الغلبة والقوة. وحفظ السلاح لحماية مصالح الوطن وسيادته، مع خلق بيئة ملائمة للقطاعات المدنية والاستثمارية لتعمل بحرية ودون أذى، بما يسهم في تحقيق التنمية الشاملة التي يتطلع إليها اليمنيون..

 

يجب أن لا نبالغ بالفرحة كعادتنا نحن اليمنيين "نسكر بزبيبة"، حيث تغلبنا العاطفة قبل معرفة حقيقة النوايا وصدق التوجهات، فنجد أنفسنا نصطدم للمرة الألف بخيبات أمل سببها النوايا المستترة والمصالح الخفية. اليوم، نحن بحاجة إلى الحكمة والتروي، وضمان حمل الفرقاء رؤية وطنية صادقة تسعى لبناء الدولة واستعادة مكانتها، بعيداً عن الأجندات الضيقة والطموحات الفردية التي كانت السبب في النكسات المتتالية.

 

بالمقابل، هل سيصدق حزب الإصلاح وباقي الأحزاب السياسية، سيلتزموا بشراكة سياسية حقيقية تقوم على أسس ديمقراطية، لبناء دولة حديثة قائمة على العلم والمعرفة؟ وهل ستتخلى عن سلوك الزوايا المغلقة والتهامس في الخفاء، لتتبنى العمل العلني الواضح بعيداً عن الطلاسم والألغاز؟ وهل ستتمكن هذه الأحزاب من لجم أصحاب الخطاب المتطرف الذين يعادون كل صاحب رؤية وتحيز بحدية للوطن، وإبعادهم عن صفوفها، مع التبرؤ من رواسب التشدد والغلو الديني التي ساهمت في تمهيد الطريق لعودة الإمامة من جديد؟ هذه الخطوات ليست مجرد ضرورة سياسية، بل هي السبيل الوحيد لتحقيق مستقبل مشترك ومستقر لليمن.

 

هل سيتركون لكل أحرار اليمن، أقيالها ومناضليها من كل التيارات، حرية إحياء مناسباتهم الوطنية وإقامة الفعاليات والندوات التي تعيد للأمة هويتها، والاحتفاء برموزها القديمة والحديثة دون غمز أو لمز من المنابر أو منصات التواصل الاجتماعي؟ 

النابشين تاريخ الأئمة الزيدية الهدام بشجاعة دون مراء، يبرزون مساوئه ويعرّون جذور الإرهاب المذهبي الذي لا يزال يعمل بصمت عبر أدواته المتغلغلة في الأحزاب والمنظمات وحتى في الصفوف الوطنية؟ إن اللحظة الراهنة تتطلب وضوح الرؤية والتزاماً دينيًا وطنيًا وأخلاقيا بمواجهة المشروع الحوثي الذي سيزول بإذن الله وبإرادة أبناء الوطن الشرفاء..

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي