مقدمة:
في عالم مليء بالصراعات السياسية والمصالح الإقليمية، تبرز الأساطير كأدوات قوية تُستخدم لتبرير الطغيان وتحقيق الهيمنة. من بين تلك الأساطير التي استُغلت تاريخيًا في اليمن فكرة “اليماني” التي طوّرتها الحركات الشيعية، واستخدمها الحوثيون اليوم كغطاء ديني لتحقيق أهدافهم السياسية بدعم من إيران. إن ما تعانيه اليمن على مر العصور من دماء وطغيان متواصل تحت ذريعة هذه الأسطورة ليس إلا جزءًا من مشروع أوسع يهدف إلى فرض الهيمنة الإيرانية على المنطقة، بما في ذلك الطموح الخطير للسيطرة على الحرمين الشريفين.
الجزء الأول: ولاية الفقيه وأسطورة اليماني
1. ولاية الفقيه كأداة سياسية للهيمنة الإيرانية:
تمثل ولاية الفقيه، التي تبناها النظام الإيراني منذ ثورة 1979، الإطار الذي يحكم به النظام الإيراني سياسته الخارجية والتوسعية. تعتبر هذه النظرية غطاءً دينيًا لمشروع سياسي هدفه تحقيق النفوذ في الدول الإسلامية عبر دعم الحركات الشيعية المسلحة مثل الحوثيين في اليمن.
الحوثيون، بدورهم، يستندون إلى هذا المفهوم في محاولتهم احتكار السلطة في اليمن، متذرعين بأنهم من آل البيت، ويروجون لفكرة “حق الولاية” بهدف السيطرة على المنطقة بما فيها الحرمين الشريفين.
2. خرافة اليماني وتوظيفها في الفكر الشيعي:
فكرة “اليماني” هي جزء من الروايات الشيعية المتعلقة بظهور الإمام المهدي، حيث يُعتقد أن اليماني يظهر في اليمن كأحد أنصار المهدي في آخر الزمان. ومع ذلك، لم يظهر ذكر اليماني في التراث الشيعي المبكر إلا في القرن الرابع الهجري، وتحديدًا في كتب مثل “الغيبة” للنعماني و”الملاحم والفتن” لابن طاووس. يُثير توقيت ظهور هذه الشخصية شكوكًا حول كونها مجرد أداة سياسية استُخدمت لاحقًا لتبرير سيطرة الحركات الشيعية المسلحة على اليمن.
استغل الحوثيون هذه الأسطورة في العصر الحديث لتبرير سيطرتهم على اليمن، حيث يدعي قادتهم، مثل عبد الملك الحوثي، أنهم يمثلون هذا اليماني المنتظر. الهدف من إحياء هذه الخرافة هو خدمة مشروعهم السياسي بالتعاون مع إيران، الذي يسعى إلى فرض الهيمنة الإقليمية على اليمن ومناطق أخرى، بما في ذلك الحرمين الشريفين.
الجزء الثاني: الطغيان عبر التاريخ اليمني تحت غطاء اليماني
1. من الرسي إلى آل حميد الدين:
بدأت المأساة اليمنية مع دخول يحيى بن الحسين الرسي إلى صعدة عام 284هـ، مستغلًا الفوضى السياسية ليؤسس دولته تحت دعوى الحق الديني. دخل الرسي اليمن ليس كحاكم عادل، بل كطاغية استغل الشرعية الدينية لتحقيق السيطرة السياسية. وفي الأجيال اللاحقة، خاصة خلال حكم آل حميد الدين، استُخدمت هذه الأسطورة لترسيخ القمع وإخضاع الشعب اليمني.
المعارضة كانت تُسحق بالقوة، والمجازر ارتُكبت بلا تمييز. الدين كان الأداة الأساسية التي استخدمها الأئمة لتبرير استعباد اليمنيين، حيث تم استخدام النسب النبوي والخرافات الدينية لإضفاء شرعية على حكمهم.
2. الحوثيون وإعادة إحياء أسطورة اليماني:
مع بداية الصراع الحالي، جاء الحوثيون بقيادة عبد الملك الحوثي ليُحيي فكرة اليماني من جديد، متذرعًا بها كدليل على شرعيته وقيادته. يدعي الحوثيون أن زعيمهم يمثل “اليماني” الذي بشرت به الروايات الشيعية، مستخدمين هذه الفكرة كوسيلة لتبرير جرائمهم وتدميرهم لليمن.
الحوثيون، الذين يمثلون أداة إيرانية واضحة، لم يأتوا لإنقاذ اليمن كما يدعون، بل جاءوا حاملين سلاح القمع والدمار. اليمن اليوم يعاني من حرب مستمرة، حيث الأطفال يُقتلون، والمدن تُدمر، والمجاعة تفتك بالشعب. هذه الجرائم ليست إلا استمرارًا للطغيان الذي بدأ منذ وصول الرسي، حيث أُعيدت أسطورة اليماني من جديد لتغطي على أطماعهم السياسية.
الجزء الثالث: مخاطر السيطرة على الحرمين الشريفين
1. الحوثيون والطموح نحو الحرمين:
بالإضافة إلى جرائمهم في اليمن، يسعى الحوثيون لتحقيق طموح أكبر يتمثل في السيطرة على الحرمين الشريفين (مكة والمدينة). الحرمين يمثلان قلب الإسلام السني، والسيطرة عليهما ستمنح إيران ووكلاءها الشرعية الدينية والسياسية التي يسعون إليها. استهداف الحوثيين المتكرر للسعودية، بما في ذلك محاولات قصف مكة، هو جزء من هذه المحاولات الرامية إلى زعزعة استقرار المملكة وتحقيق السيطرة على الأماكن المقدسة.
2. الأدلة من التراث الشيعي حول فتح الحرمين:
في كتب الشيعة، تُشير بعض الروايات إلى دور اليماني في الأحداث الكبرى التي ستسبق ظهور المهدي. وفقًا لكتاب “بحار الأنوار” للمجلسي و**“الغيبة” للطوسي**، فإن اليماني سيخرج من اليمن ويكون على حق، وسيسهم في تغيير مجريات الأحداث في المنطقة، بما في ذلك مكة والمدينة.
استغلال الحوثيين لهذه الروايات ليس أمرًا دينيًا بحتًا، بل هو جزء من مخطط سياسي مدعوم من إيران لتحقيق الهيمنة على المنطقة، وفرض نظام “ولاية الفقيه” الذي يسعى للسيطرة على العالم الإسلامي، بدءًا من الحرمين الشريفين.
الخاتمة: مواجهة الطغيان والخرافات بالوعي والحقائق
لقد عانت اليمن منذ أواخر القرن الثالث الهجري من الطغيان المستند إلى أساطير دينية كاذبة. أسطورة اليماني التي بدأت مع يحيى بن الحسين الرسي وامتدت إلى الحوثيين اليوم، ليست إلا غطاءً لسياسات القمع والدمار. كما أن الطموح الحوثي للسيطرة على الحرمين الشريفين يمثل تهديدًا ليس فقط لليمن، بل للعالم الإسلامي بأسره.
الوعي بخرافة اليماني وأطماع إيران وأدواتها، مثل الحوثيين، هو الخطوة الأولى في مقاومة هذا الطغيان. إن الشعب اليمني، الذي عانى لقرون من القمع تحت ستار الأساطير الدينية، يستحق حياة أفضل خالية من هذه الأكاذيب التي لا تهدف إلا إلى تمزيقه. المعركة ليست فقط مع الحوثيين، بل مع مشروع إيراني يسعى لفرض الهيمنة عبر استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية وتوسعية خطيرة.
مراجع:
1. النعماني، محمد بن إبراهيم، “كتاب الغيبة”، تحقيق فارس الحسّون، 1996م.
2. ابن طاووس، علي بن موسى، “الملاحم والفتن”، تحقيق عباس القمي، دار المرتضى، 2013م.
3. القاضي، إسماعيل الأكوع، “تاريخ اليمن: من الفتح الإسلامي حتى نهاية الدولة العثمانية”، مؤسسة الرسالة، 1990م.
-->