مرّت سنة على طوفان الأقصى، وهي ذكرى تحمل في طياتها الكثير من التحديات والمشاعر المتناقضة، سواء بالنسبة للفلسطينيين أو للعالم العربي والإسلامي بأسره. ما حدث في الأقصى في تلك الفترة كان منعطفا خطيرا ليس فقط في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل أيضا في تعميق الانقسامات الإقليمية والدولية حول هذا الصراع المستمر. ولكي نحلل ما حدث وما سيحدث، يجب أن نتناول الأحداث من عدة زوايا، بدءا من الأثر المباشر على القضية الفلسطينية، مرورا بالموقف الدولي، وصولاً إلى التوقعات المستقبلية.
ما حدث
ما يُعرف بطوفان الأقصى كان نتيجة تصعيد حاد في المواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، بدأت شرارتها من الانتهاكات المستمرة بحق المسجد الأقصى والاعتداءات على الفلسطينيين في القدس الشرقية. كانت هناك محاولات إسرائيلية لفرض واقع جديد على الأرض، سواء من خلال تكثيف الاستيطان في القدس ومحيطها أو تعزيز السيطرة على الحرم الشريف.
ردت الفصائل الفلسطينية المسلحة، ولا سيما في قطاع غزة، بإطلاق صواريخ نحو إسرائيل، مما أدى إلى مواجهات عسكرية شرسة استمرت لأيام. كانت هذه المواجهات بمثابة استعراض للقوة الفلسطينية، حيث أظهرت قدراتها العسكرية المتزايدة وأثبتت أن قضية القدس والأقصى لا تزال خطا أحمر لدى الفلسطينيين، رغم الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي يمرون بها. بالمقابل، ردت إسرائيل بقصف غزة بقوة مدمرة، مستهدفة البنية التحتية، مما خلف دمارا هائلا وخسائر بشرية فادحة.
الموقف الدولي:
على الصعيد الدولي، أثار طوفان الأقصى موجة من الإدانات والدعوات لوقف التصعيد، لكن الاستجابة الفعلية كانت محدودة. العالم بدا وكأنه متعب من هذا الصراع الطويل، ولا تزال الانقسامات الجيوسياسية تحول دون اتخاذ أي موقف حاسم. في الغرب، خصوصا في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ظلت إسرائيل تحظى بدعم سياسي وعسكري كبير، رغم الانتقادات المتزايدة من بعض الأوساط الشعبية والسياسية لسياسات الاحتلال.
من جهة أخرى، كان هناك نوع من الفتور العربي في مواجهة ما حدث. بعض الدول العربية، التي أبرمت اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، وجدت نفسها في موقف حرج. في حين أن الدعم الشعبي للفلسطينيين ظل قويا، فإن الحكومات العربية الكبرى اكتفت ببيانات الشجب والاستنكار دون اتخاذ خطوات عملية ملموسة، خوفا من الإضرار بمصالحها الاستراتيجية أو الاقتصادية مع الغرب.
ما سيحدث:
مع مرور عام، واضح أن الوضع لم يتغير كثيرا على الأرض، لكنه يتجه نحو مزيد من التعقيد. من المتوقع أن تستمر إسرائيل في تعزيز سيطرتها على القدس، خاصة مع حكومة يمينية متطرفة لا تخفي نواياها لتغيير الواقع في الحرم القدسي. قد نشهد المزيد من الاقتحامات المتكررة من قبل المستوطنين، ومحاولات لفرض تقسيم زماني ومكاني في المسجد الأقصى، مما سيشعل موجات جديدة من الغضب الفلسطيني وربما مواجهات مسلحة أخرى.
على الجانب الفلسطيني، ورغم الظروف الصعبة، تظل المقاومة حاضرة بقوة في وعي الشعب الفلسطيني، لا سيما في قطاع غزة والضفة الغربية. قد تتجه الفصائل نحو تعزيز الوحدة الفلسطينية لمواجهة التحديات الجديدة، خاصة في ظل الاعتداءات المتزايدة على الأقصى. وقد تلعب المقاومة في الضفة الغربية دورا أكبر في المرحلة المقبلة، لا سيما مع تزايد الضغط الشعبي والإحباط من المفاوضات السياسية التي لم تحقق أي تقدم ملموس.
في الأفق:
التوقعات للأفق القريب تشير إلى استمرار حالة الجمود السياسي، مع احتمالية انفجار الأوضاع في أي لحظة. إن استمرار الانتهاكات الإسرائيلية في الأقصى سيظل عاملا محفزا للتوترات، وسيزيد من عزلة إسرائيل دوليا، خاصة إذا ما ترافق ذلك مع المزيد من الخسائر البشرية في صفوف الفلسطينيين. في المقابل، قد تحاول بعض الدول العربية تطبيع العلاقات مع إسرائيل بشكل أكبر، ولكن ذلك سيواجه مقاومة شعبية قوية.
والشاهد ان ما حدث في الأقصى خلال طوفان العام الماضي يعكس حالة الصراع المستمرة منذ عقود، ولكن هذه الأحداث تؤكد أن الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن حقوقه، وأن الأقصى سيظل رمزا للكرامة والمقاومة.
*
القسام قصفت تل أبيب بذكرى الحرب وقالت "خيارنا استنزاف الاحتلال، أما نتنياهو فقد تعهد بمواصلة القتال حتى تحقيق أهداف الحرب.
الحملة العسكرية الإسرائيلية المدمرة على القطاع، خلفت نحو 42 ألف شهيد معظمهم مدنيون، وفق وزارة الصحة في القطاع.
وفي الفاتيكان، ندّد البابا بـ"عجز الأسرة الدولية المخزي وكذلك أقوى الدول، عن إسكات الأسلحة ووضع حد لمأساة الحرب".
المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" ناحوم برنياع قال، إن "ما بدأ بمجزرة وفشل قيادي وعسكري، لا يوجد أخطر منهم، ينتهي بإنجازات عسكرية ميدانية وبفرصة للتغيير، وربما السنة الثانية، ستكون سنة تنفيذ وبشرى، وسنة نظام جديد في الشرق الأوسط".
لكنه تابع أنه "ربما العكس، يمكن أن تكون سنة إهدار فرص، وسنة انكسار. وأمور كثيرة متعلقة برئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو". وأشار إلى أن "الضربة التي أنزلتها حركة حماس على الجبهة الداخلية المدنية، وعلى المشروع الصهيوني كله، كانت أشد من أي تحد عسكري، ولم يكن أبداً وضعنا في العالم، وكذلك في العالم اليهودي، أسوأ. وخلال أسبوع تحولنا من علامة تقدم وتنوير، إلى جنوب إفريقيا، في فترة الأبارتهايد "وأضاف برنياع، "قيل في السنة الحالية الكثير من الأمور مع وضد الحكومة، لكن لم تُسمع تغريدة ضد الحرب واستمرارها، لا في جبهة غزة، ولا في جبهة لبنان، ولا في جبهة إيران. والانتقادات شديدة في الغرب ضد الحرب، وإجماع حولها في الديار".
ولفت إلى أن "أضرار الساعات الأولى (لهجوم طوفان الأقصى) لا يمكن إصلاحها. وبنيامين نتنياهو وصّف في خطابه الأسبوع الماضي، تحول منتظم ومدروس، بدايته في حرب غزة، واستمر في لبنان. وقد تعهد ونفذ، لكن لا علاقة بين وصفه والواقع".
وأضاف أن "القيادة الإسرائيلية تمتنع بشكل متعمد، عن وضع نهاية للحرب وإستراتيجية خروج منها".
وجاءت تحليلات برنياع ضمن تحليلات سياسية عدة، خرجت في إسرائيل مع دخول الحرب عامها الثاني.
وكتب الصحافي والمحلل في صحيفة "معاريف" بن كاسبت: "لقد خانت إسرائيل مواطنيها، وعليها إعادة الأسرى إلى الديار، ودفع الثمن الكامل لذلك. وأي نتيجة أخرى غير مقبولة، وستشكل انتهاكاً أساسياً للعهد الإسرائيلي بيننا وبين دولتنا".
وأشار إلى أنه من المفترض أن تحقق لجنة تحقيق رسمية، في جميع الإخفاقات، "والتي ببساطة لا يمكن إقامتها، مضيفاً أنه إذا "ما لم تتم إعادة إخوتنا من غزة، فمن المستحيل تنفّس الصعداء. ولن يكون بالإمكان تحقيق النصر، ولا العودة إلى جدول الأعمال الحياة الاعتيادية، وسيكون من المستحيل النظر في المرآة".
ويرى المحلل السياسي المستقل أحمد جابر أنه "بعد مرور سنة على الحرب في غزة، باتت واضحة جدا صورة الحرب في فلسطين، وفي لبنان. تغيّرت الوقائع، ولم تتغيّر الشعارات. في لبنان وفي فلسطين، تعلن المقاومتان الثبات على هدف النصر القريب، وفي إسرائيل يعلنون هدف تدمير المقاومتين، ويتدرّجون في تثبيت ركائز توسّع جغرافي جديد، وركائز هيمنة عسكرية وسياسية جديدة، تتجاوز فلسطين إلى جوارها وإلى ما يحيط بهذا الجوار.
من دون مكابرة، حرب إسناد غزّة التي أعلنتها المقاومة الإسلامية اللبنانية، فقدت قاعدتها المادية، بعد أن انتقلت غزّة من حالة استردادها بعد اتفاق أوسلو إلى حالة إعادة احتلالها بعد طوفان الأقصى.
ومن دون إنكار للواقع، باتت المقاومة الإسلامية اللبنانية في حاجة إلى من يؤازرها في الحرب التي تدور فوق أرضها، بعد أن انكشف المشهد الإقليمي، خصوصاً الإيراني منه، عن حدود قوته، وعن حدود ضعفه.
باختصار شديد كما يرى المحلل السياسي المستقل أحمد غازي الجمل،انه "بعد مرور عام على طوفان الأقصى لا تزال أصداء هذا الهجوم تتردد بقوة في الأوساط الإسرائيلية نظرا لآثاره العميقة التي تركها على المجتمع والدولة في إسرائيل، وأدت إلى إخفاقات على جميع الصعد سياسيا واقتصاديا وأمنياً".
وباتت إسرائيل تعاني تراجعا في الشرعية الدولية وانقساما داخليا عميقا وتباطؤا لمسارات التطبيع والسلام الإقليمي، كما أن جدارها الأمني مني بضربة قوية أفقدت الجمهور الإسرائيلي جزءا كبيرا من شعوره بالأمن، مما أسفر عن حركة هجرة عكسية واسعة
-->