عام على العدوان الصهيوني على غزة: بين الموت والصمود

صفوان سلطان
الثلاثاء ، ٠٨ اكتوبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٥٣ مساءً

 

مرّ عامٌ كامل على تلك الليالي السوداء التي عاشها أهل غزة تحت نيران العدوان الصهيوني. ليالٍ اختلط فيها صوت القصف بصراخ الأطفال وعويل الأمهات، حيث كانت المنازل تتهاوى فوق رؤوس ساكنيها دون تمييز. هنا، في غزة، لم يكن هناك وقت للتفكير أو للهرب، فالسماء كانت تمطر نارًا، والجدران التي كانت توفر الأمان صارت قبورًا للعائلات بأكملها.

 

في أحد تلك البيوت، كانت أسرة بأكملها تحتمي بزاوية من بيتهم، ظنوا لوهلة أن الجدران ستحميهم من هذا الجنون. لكن فجأة، ودون إنذار، سقطت القذيفة. انهارت السقف فوق رؤوسهم، واندفنت أحلام أطفالهم تحت الركام. تحوّل البيت الذي كان يومًا يعج بالحياة إلى كومة من الحجارة، مخلفًا وراءه أسرةً بلا مأوى، بلا أب، بلا أم، بلا أطفال. كل ذلك بسبب قصف لا يرحم، قصف أعمى لا يميز بين مقاوم ومدني، بين طفل وجندي.

 

حق المقاومة: دفاع عن الوجود

 

في مواجهة هذا الظلم الفادح، يظل الشعب الفلسطيني متمسكًا بحقه المشروع في مقاومة الاحتلال. هذه المقاومة ليست خيارًا عابرًا أو رغبة في العنف، بل هي رد فعل طبيعي وضروري على واقع يتجسد فيه الموت والدمار كل يوم. كيف يمكن لأمة أن تقف مكتوفة الأيدي وهي تُجَرّد من أرضها وحقها في الحياة بكرامة؟ كيف يمكن لشعب أن يسكت بينما يُهجّر ويُقتل؟ إن حق الفلسطينيين في المقاومة هو دفاع عن وجودهم، عن حقهم في الحياة والحرية، وهو أمر لا يمكن لأي قوة في العالم أن تنكره أو تنتقص منه.

 

حدود الرابع من حزيران: أساس السلام

 

لا يمكن الحديث عن السلام دون الإشارة إلى حقيقة واحدة واضحة: إسرائيل لن تنعم بالسلام طالما رفضت إعادة الأراضي التي احتلتها بالقوة. الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي تضم الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشريف، ليست جزءًا من كيان الاحتلال، بل هي أراضٍ فلسطينية تم احتلالها في العام 1967. المبادرة العربية التي قدمتها المملكة العربية السعودية، والتي تعتمد على مبدأ حل الدولتين بحدود الرابع من حزيران 1967، تمثل خارطة الطريق الوحيدة نحو سلامٍ حقيقي.

 

تم إطلاق هذه المبادرة في قمة بيروت عام 2002، ووافقت عليها جميع الدول العربية، حيث تضمن الاعتراف بإسرائيل في حال انسحابها من الأراضي المحتلة، بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان السوري، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف. هي دعوة للسلام العادل، ولكنها قوبلت بالتجاهل من قبل الاحتلال. دون هذا الحل، ستبقى المنطقة تدور في حلقة مفرغة من العنف والصراع.

 

المبادرة العربية: أملٌ مفقود؟

 

لقد قدّم العالم العربي فرصة حقيقية لتحقيق السلام عبر هذه المبادرة، التي نادت بعودة الأراضي المحتلة في مقابل السلام الكامل. ولكن ما كان رد إسرائيل على هذه المبادرة؟ رفضٌ مستمر، وعدوانٌ لا ينقطع. كيف يمكن لدولة أن تدّعي رغبتها في السلام وهي تقتل أبناء الشعب الفلسطيني وتوسّع المستوطنات على حساب أرضه؟ هذا السلوك يؤكد للعالم أن إسرائيل لا تريد السلام بقدر ما تسعى إلى تكريس احتلالها وقمعها للشعب الفلسطيني.

 

الاحتلال: طريق مسدود

 

إسرائيل تسير في طريق مسدود إذا كانت تعتقد أنها تستطيع العيش بسلام بينما تُبقي ملايين الفلسطينيين تحت نير الاحتلال. هذا الاحتلال ليس مجرد مشكلة سياسية، بل هو جرحٌ عميق في جسد الشرق الأوسط، جرحٌ لا يلتئم إلا بعودة الحق إلى أصحابه. السلام لا يُبنى على الظلم، ولا يتحقق تحت تهديد السلاح. إنما يتحقق عندما تعترف إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، دولة ذات سيادة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشريف.

 

بين الحلم والواقع

 

إن ما يحدث في غزة ليس مجرد صراع محلي، بل هو اختبار للعدالة الدولية، اختبارٌ للعالم بأسره. الشعب الفلسطيني يستحق الحرية كما تستحقها كل الشعوب، ويستحق أن يعيش على أرضه دون خوف أو تهديد. لكن هذه الحرية لن تأتي دون نضال، ولن تتحقق دون مقاومة. وفي ظل هذا الصمود المستمر، تظل المبادرة العربية هي الطريق الأمثل لتحقيق سلامٍ عادل ودائم.

 

إسرائيل لن تنعم بالسلام وهي ترفض إعادة الأراضي وتستمر في قتل الأبرياء. إنما السلام الحقيقي يأتي عندما تعود الحقوق إلى أصحابها، وعندما يتوقف الاحتلال وتقام الدولة الفلسطينية المستقلة.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي