يبدو أن اليمن اليوم يقف في مشهد لا يحتاج إلى كثير من الوصف، بل إلى قليل من التأمل. كأنها سيارة قديمة متروكة على قارعة الطريق، تعصف بها الرياح وتغرقها الأمطار، ولا أحد يجرؤ على اتخاذ قرار بسحبها أو إصلاحها. نحن في حالة "اللا حرب واللا سلم"؛ تلك الحالة الغريبة التي تجعل من الحلم كابوسًا ومن الكابوس واقعًا، وتجعل المواطن اليمني يدور بلا هوادة بين رحى الفقر والانهيار الاقتصادي.
مع كل ضربة تنزل على العملة المحلية، يشعر المواطن اليمني وكأنما تلقى لكمة أخرى في معدته الفارغة. لا ماء، لا كهرباء، ولا صحة، وكأننا على مشارف التحول إلى مسلسل ديستوبي من تلك التي تعرضها منصات البث الرقمي. لكن في هذه القصة، لا يوجد بطل خارق لإنقاذنا.
هل فرض علينا هذا الوضع؟ أم نحن من اخترناه؟؟؟
الأمر المثير للسخرية هنا هو أنه، بينما يشتكي الجميع من الأوضاع، لا أحد يريد الاعتراف بحقيقة بسيطة: لقد أسهمنا جميعًا في هذه الفوضى. إذا نظرنا إلى القيادات التي تقودنا، نجدها انعكاسًا دقيقًا لشعب ينتظر دائمًا أن يأتي الحل من الخارج. بدلًا من أن نبادر ونحاول تصحيح المسار، نحن نتقن دور الضحية التي تنتظر مبادرة دولية أو تدخلًا سحريًا. إننا نمثل حالة انتظار بامتياز.
المستفيدون من حالة "اللا حرب واللا سلم"…
وفيما نتقاذف المسؤوليات بين الداخل والخارج، هناك من يجلس على كرسيه الفخم، يراقب المشهد مستمتعًا وكأنه يشاهد مباراة شطرنج لا تنتهي. التحالف والشرعية ينتظرون بفارغ الصبر انتهاء الانتخابات الأمريكية لمعرفة من سيستلم دفة القيادة في البيت الأبيض. هل سنرى رئيسًا يدفع نحو الحرب مجددًا أم نحو تقديم مزيد من التنازلات للحوثيين؟ ومن يدري، فقد يكون الحوثي جالسًا في مكان ما، يخطط للمزيد من الصواريخ والمفاوضات "المؤقتة"، على أمل أن يبقى في مركز الابتزاز الدولي.
نعم، الحوثي يلعب لعبة كبيرة. تلك الصواريخ التي تنطلق نحو البحر الأحمر أو الأراضي المحتلة ليست سوى وسائل ضغط سياسي. والمفارقة الكبرى؟ دول الإقليم تساعده بطريقة غير مباشرة، خوفًا من اندلاع حرب جديدة، وكأنها تقول: "دعنا نتجنب القتال الآن، فلنرَ ما سيفعله الرئيس الأمريكي القادم".
لكن بينما ننتظر جميعًا، الحوثي لا ينتظر. إنه يستغل هذه الحالة لتعزيز قوته العسكرية، بفضل تقنيات إيرانية ولوجستيات متعددة، متجاهلًا أي اتفاقية سلام قد تُطرح في المستقبل. وعلى الأرجح، إذا ما حدثت هذه الاتفاقية، فسيتم تجاهلها كما حدث مع كل الاتفاقيات السابقة.
العالم في مسرح اللامعقول…
من المثير للسخرية أن العالم ينظر إلى الحوثي وكأنه خطر إقليمي، بينما هو في الحقيقة خطر عالمي. نعم، هذا ليس مبالغة؛ فقد نجح الحوثي في تقديم نفسه على أنه تهديد يتجاوز حدود اليمن والإقليم ليصل إلى العالم بأسره. هل نحن أمام خطر يعيد لنا مشاهد الحرب العالمية الثانية؟ ربما، لكن الفرق هنا هو أن هذا الخطر لا يستهدف فئة بعينها، بل الجميع؛ من اليمنيين إلى العرب إلى باقي دول العالم.
وهكذا، ونحن نقف على قارعة الطريق نستجدي السلام من ميليشيا إرهابية ونطلب الحياة من دعاة الموت، يبدو أننا أمام قصة لا تنتهي.
-->