بين إلحاد ماركس وإسلام يحيى الرسي وطعنه بالأعراض

د. محمد شداد
الاثنين ، ١٩ أغسطس ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٤٦ مساءً

 

في الوقت الذي يتحدث بعض أشياع الهادوية وأحفادها عن الكاهن يحيى الرسي صاحب الفتنة الكبرى في اليمن وصاحب فكرة نهب الأموال ومصادرة الأراضي وهدم البيوت، صاحب السيف الذي تناسخ منه أسياف ارتوت من دماء القبائل اليمنية المشايعة له والمناوئة، وطعن في أعراضهم وشوّه تاريخهم الحضاري والجهادي، وهم الذين دخلوا في دين الله أفواجا وانطلقوا جيوشًا قادة وأجناد في سبيل نشر الإسلام وتثبيت دعائمه ودوله، وقالوا جاء الرسي ليعيد اليمنيين للإسلام الذين انتشرت قبورهم في بقاع الأرض مجاهدين وحملة فكرة حضارة.

 

شنوا الحملات على الفيلسوف ماركس ولاحقوا أشياعه والمعتقدين بصحة نظرياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبعيدًا عن الدين والمعتقد، وبصرف النظر عن تفوق كارل ماركس في أشياء وإخفاقه في أشياء، إلا أنه وهب حياته الفكرية الأكاديمية والفلسفية للفقراء والدفاع عنهم، والتأسيس لنظرية الإشتراكية وشيوع الأموال التي جاءت كردة فعل للكهنوت الديني، ومحاربة فجور البرجوازية وفحش أصحاب رؤوس الأموال في عصره، وامتدت الفكرة إلى يومنا هذا نتيجة ملامستها لقلوب المضطَهدين اقتصادياً واجتماعيًا في بقاع الأرض، وعاش فقيرًا معهم وفيهم، وهو الحامل لرسالة الدكتوراة في زمانه وكان لا يجد ما يطبب أبناءه وقوت يومه وهو القادر علميًا وفلسفيًا.

 

نعم ماركس الشيوعي الملحد ولد يهوديًا ونشأ مسيحيًا أقام الدنيا ولم يقعدها نتيجة لثورته ضد الإقطاع واستغلال الطبقة العاملة وجعلها تروس في مصانعهم تعمل حتى الموت بأقوات يومها ودون فائدة تذكر.

 

ولنترك الدين جانبًا ونذهب إلى الجانب الإنساني، الفضائل الشخصية والاجتماعية ونوايا خدمة الإنسان والإنسانية لكلا الرجلين الكاهن يحيى الرسي وكارل ماركس. كنا نفزع عند ذكر اسمه أي ماركس أما الاعتقاد بفكرته فكانت تهمة تستحق الملاحقة والعقاب والسجن والتشهير عند أشياع الرسي، عكفته ونظراؤه والمعتقدين بفكرته، وبرغم إلحاده كان مؤمنًا بوجود الرب، غير أنه كفر بالرب الذي تؤمن به الكنيسة ورجال دينها وتمجد السلطة ورأس المال وتسحق الفقراء.

 

آمنوا بما جاء به الرسي عبر تاريخه من سقوط ديني وأخلاقي، وحرق الخصوم السياسيين عبر تاريخ الهادويين السلاليين في اليمن، ومع دعاويهم أنهم خزانات علم الله في الأرض، وقرناء القرآن، وأن الدين بدونهم عمى وأنهم من أعادوا القبائل اليمنية أنصارهم إلى الإسلام كما ورد في رسائل الرسي الذي لم يدنُ يوماً من الفقر ولم يحس بمعاناتهم واحتياجاتهم، بل قال حفيده يحي حميد الدين عندما سأله الناس الغوث وخزائنه من حقولهم ملأى، رفض وقال "من مات فهو شهيد ومن عاش فهو عتيق" شهادة، وعتق، استخدم الدين ليبرر جرائمه وخلوه من الحس الإنساني الصِرف. 

 

تجاوز السلاليون سقوطهم الماضوي وعبروا إلى الحاضر وبدأ البعض منهم اليوم يقرأ زوراً وبهتاناً ماكتبه الرسي في رسائله ودونه مؤرخيه، أعادوا ما كتبه أجدادهم بحق أعراض اليمنيين، ويرددونه على الفضائيات دون حياء، بل أعادوا صناعة الطعن بالأعراض والتكفير والتفسيق بلون آخر، بعد تمكنهم من منابر صنعاء ومن فوقها طعن أحدهم بعرض ثلاثة آلاف امرأة من الجنوب ويقفز ناطقهم سريع ليطعن بشباب وقادة الإصلاح الذين أوقفوا عجلتهم الملعونة.

حاربوا الماركسين وكفَّروا البعض وأصدروا أحكام بالردة والإعدام بحق البعض الآخر منهم، إيمانًا بالسلالية والجهوية وترضيةً للشقيقة حينما صنع منها الغرب حائط صد للمد الاشتراكي. قسوة الخطاب الديني العصبوي راحت ضحيته مشاريع الدولة التي حلُم بها الحمدي والسلال وعبدالرحمن الإرياني ومشاريعهم في بناء جمهورية اليمن الحديثة، واتهموهم بالحزبية والخروج عن قيم الدين وتعاليمه وتمسكوا بالعكفي الذي أعاد فكرة الرسي ودهاقنة الإمامة إلى الحكم.

 

منذ أن دخل الرسيون اليمن ذبحوا الدين بسيف الانتهازية والجشع السياسي، وتشويه الخصوم ووصفهم بما يستحي الرجل العادي إطلاقه عن خصمه ناهيك عن العالم ومحترم المنبت ونبيل الأصل. ليتهم كانوا خصومًا شرفاء وتمسكوا بشرف الخصومة، كما فعل الكثير من الذين اتهموهم بالكفر والإلحاد والخروج عن الدين.

مقارنةً بما فعله الرسيون ومن خلفهم وأشياعهم بما فعله أصحاب الفكرة الإشتراكية بالشعوب سلبًا وإيجاب، دمارًا وإعمار، قتلاً وتعذيب، سنجد برغم تطرف بعض أشياع الماركسية وإيمانهم بفكرة الثورة الحمراء التي لا تصح إلا مع الدم، سنجد أنها بنت الإتحاد السوفيتي الذي كان يدعم نصف دول العالم الفقيرة، وانتصر على النازية في الحرب العالمية الثانية وأسس لصناعة جيش ناطح الغرب كله لعقود، ولازالت آثارة حتى اللحظة.

دعم ثورة فيدل كاستروا التي حررت كوبا وبنته من الصفر وقارعت أمريكا بجلالة قدرها، وكذلك شاوشسكوا الذي ترك رومانيا صفر من الديون وبنية تحتية آوت الفقراء وأشبعتهم، تبكيه اليوم الجماهير بعد إعدامه. كذلك عبدالناصر الذي آمن بالإشتراكية الوطنية تخفيفًا من حدة الأصل وأعاد بناء مصر ونفذ خطة الإصلاح الزراعي وأعاد الأراضي من يد الإقطاع إلى ملاكها، وبرغم هتاف الشعوب العربية باسم عبدالناصر من المحيط إلى الخليج ومحاربته للقوى الرجعيه سماه الماركسيون بالبرجوازي الصغير ودعم الكثير من ثورات العالم الثالث ضد استعمار الغرب البغيض..

 

سنجد بالمقابل أن السلالية الهادوية الزيدية الرسية، دمرت اليمن، لم تبن دولة ولم تشيد مصنع ولم تبن مدرسة أو جامعة أو جامع إلا ما دمرته من سدود اليمن آثارها قصورها ومعالمها، حد أنها لم تحفظ حتى أعراض اليمنيين من التشويه وتصون تاريخهم من القدح بالشرف وانتقاص الكرامة، وكتبهم تنضح بذلك وبالرجوع إليها سيجد القارئ ما يصعقه ويشل تفكيره.

المقال القادم بين جيفار...وعبده الحوثي

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي