نعيش اليوم خداعا شديدا وقلبا للمفاهيم على كل المستويات، وتصوير الإسلام بصورة العاشق للموت، المحب للدّمار، الداعي إلى إبادة وإزالة المخالف بالقوّة العسكرية وسفك الدّماء.
وهذا -في نظري- هو هدف الماسونية العالمية؛ لكي تصور لشعوب العالم أن الإسلام دين قتل ودمار وإرهاب وليس دين محبة وسلام ووئام، وللأسف ساعدها في ذلك مجموعة من الجهال الذين اندفعوا بقصد أو بدون قصد لمساعدتها على تحقيق ذلك.
فصناعة صاروخ باليستي وطائرة مقاتلة لا تعتبر إنجازا، وإن كانت تبدو كذلك؛ لأنها من أدوات القتل، والإسلام يدعو إلى الحياة [من أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعا].
إذاً، المنجز الحقيقي هو بناء مركز نموذجي لجراحة القلب، والأوعية الدّموية ينقد آلاف الناس، ويعيد إليهم الأمل بالحياة، ويُدخل إليهم السرور.
المنجر الحقيقي هو بناء مستشفى متخصص بزراعة الكُلى يعيد الأمل لآلاف الناس المصابين الذين نراهم أمام مراكز الكُلى الاصطناعية، يتزاحمون من أجل الحصول على غسلة تبقيهم على قيد الحياة ولو لأيام معدودات.
المنجر الحقيقي هو بناء مراكز متخصصة لعلاج أورام السرطان، وإيجاد جامعة تؤهل الكوادر للعمل في ذلك.
المنجز الحقيقي هو حماية الأطفال من الأوبئة والفيروسات، وإيجاد منظومة طب وقائي حديثة، وتوفير خدمات الرعاية الصحية الأولية في كل قرية.
المنجز الحقيقي هو زراعة مساحات واسعة بالحبوب والفواكه والخضروات، وإشباع بطون الجائعين على امتداد مساحات واسعة من العالم.
هذه المنجزات التي نريد أن نفاخر بها؛ لأنها تصنع الحياة، فمن العيب المفاخرة بمنجزات الموت، التي لن تستخدم -كما يتصوّر الجهال- ضد العدو المحارب، بل في قتل بعضنا البعض.
وللعلم، عندما تصنع صاروخا وطائرة مقاتلة وتهمل بقية الجوانب، ستعود وتستجدي عدوك لكي يمدك بالغذاء والدواء والملبس وقطع الغيار، وحين ذلك، وفي ذروة الحرب، حتما سيمنعها عنك، مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى كوارث لم ولن تحمد عقباها على المستويات كافة، وهذا ما هو حاصل الآن.
فصناعة الحياة ليست كصناعة الموت، صناعة الحياة صناعة صعبة تحتاح إلى قلوب حيّة وعقول نيّرة، وأفئدة تحمل الحب والخير للإنسانية، فهذه السمات لا يمكن أن يمتلكها تُجار الحروب، عُباد المال، سافكو الدّماء.
صناعة الموت بضاعة سهلة يجيدها دائما الفاشلون والتافهون والحقراء وأصحاب القلوب المريضة.
سيقول قائل إن صناعة بضاعة الموت هي استجابة لأمر الله "وَأَعِدّوا".. نقول: هذا كلام حق يُراد به باطل. كلام الله واضح، فالله تعال يقول: [وأَعِدّوا لَهُم مَا استطعتم مِن قُوّة].
القوّة هنا بمفهومها الشامل، ليست القوّة العسكرية فقط، بل تشمل إلى جانب ذلك أولا بناء الإنسان، وتنمية مهاراته، وإعطاءه كامل حقوقه، وتشمل أيضا القوّة الاقتصادية، والوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في المأكل والملبس والدواء، وقبل كل ذلك قوّة الوحدة والترابط، ووحدة الصف.. فالله تعالى "لا ينظر إلى الصف الأعوج"، فما بالك بالصف المُمزّق والمُفتت.
إن الشعوب القوّية والمتحضّرة تسعى قبل امتلاك القوّة العسكرية إلى امتلاك القوّة السياسية والاقتصادية، وقبل ذلك قوّة الوحدة والترابط، التى تحقق السيادة الحقيقية، وتمنع تدخّل الآخرين في شؤونها.
إننا أمّة هداية، بعث الله فينا محمد -عليه الصلاة والسلام- لهداية الناس، وإخراجهم من ظلمات الدنيا إلى نور الله.
إننا أمّة الكلمة الطيّبة، والحُجة البالغة، والرِّسالة الخالدة، نحب الحياة للكل الأمم، ولسنا دُعاة موت وقتل ودمار.
فالله أمرنا أن ندعو الناس "بالحكمة والموعظة الحسنة"، وأنا نكون نُورا يهتدي به العالم إلى نور الإسلام وعدله.
-->