لقد حلّت الفرص على الحوثي منذ فبراير 2011، إذ أتيح له التحرك وعرض (مظلوميته) التي كان يدّعيها، وتعاطف معه الكثير!
وجاءت المبادرة الخليجية، فرفضها، فاستوعبته في مخرجاتها في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، فتقدّم على احزاب عريقة في التمثيل، ومرّر كثيراً من اطروحاته في كل المحاور المعروضة.
لكن لأن له أجندة خارجية فقد عمد إلى فرض ما استورده من أفكار (خمينية) على الشعب اليمني بقوة السلاح.. فتعلّم وأجاد ممارسة الحرس الثوري الايراني الارهابي، في المحاورة والمناورة مع المحاربة، فكان يحاور ويحارب بآن واحد!
فتوسع في عدوانه على المناطق حتى أتمها في انقلابه في ذلك اليوم المشؤوم في الواحد والعشرين من سبتمبر 2014!
ورغم انقلابه وقتله للشعب اليمني واستعدائه لدول الجوار؛ فقد انهالت عليه العروض والترضيات والرشوات لجلبه لطاولة المفاوضات!
تفاوض اليمنيون معه بصدق وحسن نيّة وبإيجابية عالية ، وكانوا على قاب قوسين أو أدنى من ابرام اتفاق في الكويت معه، وبالتالي طي صفحة الخلاف والاختلاف، والاقتتال والإحتراب، والتوجه لبناء دولة تضم الجميع؛
لكن المُشغّل رفض ذلك، وجعله يرفض التوقيع، واستغلوا تقديم التنازلات والتعامل بايجابية من قبل الشرعية من اجل اليمن، ووجدوا ذلك فرصة سانحة لتحقيق أطماعهم في السيطرة على المنطقة والبحار اليمنية، وهكذا كانت النتيجة تعطيل اتفاق الكويت!
هذا.. وكانت قوات الشرعية على بعد كيلومترات معدودة من العاصمة صنعاء، لكن امريكا أجبرتها على التوقف وتحوّلت من الهجوم للدفاع، وقدمت تضحيات جراء هذا المنع.. فأستشهد أنبل الرجال بالقنص والهجوم والالغام وحتى بنيران صديقة وما أكثرها!
ولو سأل احدنا عن سرّ، هذه الإطالة في الحرب، لوجد أن امريكا هي السبب، وهي من مكّنت الحوثي في البقاء حتى اليوم، بزرعها موانع وعوائق وخطوط حمراء أمام السلطة الشرعية والتحالف العربي، وكل تلك العوائق والخطوط الحمراء خدمت بالضرورة الحوثي ومشغله!
وهكذا استمر التفاوض والحوار مع الحوثيين بجولات مفاوضات متعددة، وكلها دخلها الحوثي ليس بهدف تحقيق سلام ومصالحة، وانما لكسب الوقت وتثبيت مواقعه، والمراهنة على غسل ادمغة الشعب وخصوصاً فئة "الشباب والاطفال" الذين هم عماد الأوطان، وذخيرة الأيام، ومستقبل الأمة!
وتعلمون كيف تمّ توقيف تقدم الجيش الوطني والمقاومة الوطنية من استعادة الحديدة بموانئها، وفرض اتفاق ستوكهولم المشؤوم على الشرعية، فبموجبه بقي الحوثي في الحديدة، وتدفق له السلاح والموارد، وللاسف أعادت التشكيلات التابعة للشرعية انتشارها بعشرات الكيلومترات!
وبمرور الأيام والشهور أزداد الضغط على الشرعية والتحالف العربي؛ فالشرعية مطلوب منها تقديم مزيد من التنازلات، والتحالف مطلوب منه ايقاف طلعاته ومراقبته، فصار ما صار، ودخلت المسيرات والغواصات والقوارب العائمة، واحدث ما انتجته الآلة الحربية الايرانية!؛
بالمقابل اتخذت الحكومات الغربية سلسلة من الاجراءات أفضت إلى توقيف الدعم على الشرعية والتحالف، وتحديداً من قبل امريكا، حيث سحبت بطارياتها، والدعم اللوجستي، وصولاً لتوقيف التسليح!.. أرأيتم كيف المشهد على الساحة اليمنية قد تطوّر؟!
أمام هذا التطور كان امام التحالف فقط البحث عن البدائل؛ ومنها الحوار والتفاوض مع المُشغّلين بوساطة وضمانة صينية، بغرض تخفيض التصعيد والتوتر في المنطقة، وعلى ضوئه فُتح التفاوض مع الحوثي على أوسع نطاق، وقيل أن الاطراف كانت على وشك توقيع خريطة طريق بين كل المكونات اليمنية برعاية عمانية_سعودية ، ولايزال مطروحاً على الطاولة؛
على الرغم من هروب الحوثي إلى الأمام بعسكرة البحر الأحمر!؛ الذي أدى إلى تعزيز الحضور الايراني في المنطقة، وتقوية الموقف التفاوضي له مع الغرب في ملفاته الخاصة!
ومن العجيب جداً أن تضخم أمريكا الحوثي باعترافها بالعجز عن منعه لوحدها من استهداف السفن بالبحر الأحمر!!
والأعجب أن تراها ترفع من شعبية الحوثي بتصرفاتها الحمقاء بعدونها الشكلي عليه، في الوقت نفسه تدعو وتحرض الشعب اليمني، عبر مبعوثها إلى اليمن، الى رفض الحوثيين وايران، حيث قال: " لا أستطيع أن أتخيّل أن الشعب اليمني يريد هؤلاء الإيرانيين في بلاده؛ هذا يجب أن يتوقف"!؛
والأنكى أن ترى امريكا تدّعي أنها حليفة لكل دول مجلس التعاون الخليجي، وفي الوقت ذاته تتخلى عن دعمهم في التحالف العربي للحفاظ على أمن واستقرار اليمن والمنطقة والممرات البحرية، وتتجاوزهم بانشاء تحالف الازدهار لعسكرة البحر الأحمر!؛
ولا تحترم المنطقة وحكوماتها بالتحيز الفاضح والاشتراك الفعلي في العدوان الصهيو-امريكي على غزة، وايضا تبوقيف تسليحها لدول التحالف؛ بينما تركت ايران تقوم بتقديم كل أوجه الدعم للحوثيين.. ولولا ذلك لما رأينا الحوثي يصّعد من خطابه، وتحديه لامريكا والعالم!؛
ويدّعي أن لديه مفاجآت لا يتوقعها الأعداء، بل تفوق ما يتوقعه الأعداء والأصدقاء..
والمسألة كلها لا تحتاج لبطولة ولا ادعاء،فامريكا اصلاً معلنة أن عملياتها فقط لمنع الحوثيين من استهداف السفن، ومن انها لا تريد حرباً معهم، وأنها لا تستهدف ابداً إنهاء تحكمهم في المناطق التي يسيطرون عليها، ولا تستهدف أبداً قياداتهم.. فعلام التشنج في بيان صادر؟!
.. بعد الذي عرضناه؟ أيمكن لأي عاقل ان يقتنع بأن استئناس هذه الجماعة مدنياً وسياسياً ممكن؟ وهي قد تولدّت من رحم التوحش والبارود والعنف والقتل؟!؛
فمن وجهة نظري، لا أرى جدوى من استمرار عملية التفاوض وإطالة الوقت، ولا أرى أن هذه الجماعة قابلة للإستئناس!؛ قبل أن يتم تجفيف تمويلها، وُيتوقف تسليحها، ويُمنع وصول الخبراء من ايران وحزب الله إليها؛
وليس قبل أن تفيق أمريكا من احلامها الوردية حول هذه الجماعة، ولا قبل أن تغير نظرتها عن هذه الجماعة، وتبتعد عن توظيفها كــ"بعبع" ضد دول الخليج.
ينبغي على امريكا أن تدرك بأن مصلحتها ليس ببقائهم (بعبع) للخليج، بل بوجود دولة ديمقراطية ذات سيادة منخرطة كلياً في محيطها الخليحي والعربي، وتحافظ على الاستقرار في اليمن وتُسهم في السلم والأمن الدوليين!
كفى يا عالم قتلاً لليمنيين، وهدراً للوقت،مع جماعة ليس من استراتيجيتها السلام والتعايش،بل تبحث عن المتاعب والتصعيد وعسكرة اليمن براً وبحراً وجواً، وكذا لإقلاق المنطقة والعالم!!
-->