الرئيسية > اقتصاد > لماذا تزداد سطوة الدولار في العالم العربي.. ما السبب!!

لماذا تزداد سطوة الدولار في العالم العربي.. ما السبب!!

" class="main-news-image img

 

رغم الاتفاق على رفع سقف الدين الأمريكي يبقى الحصول على الدولار مرتفع التكلفة ويستمر رفع الأسعار ليس في دول كمصر وتونس ولبنان فقط، بل وحتى في الدول النفطية. وهذا ما يعزز حضوره المهيمن هناك. لكن هل من بديل للعملة الخضراء؟

 

خلال زيارتي الأخيرة إلى سوريا في نيسان/ أبريل الماضي 2023 سألت بائعة للخضار في الهواء الطلق بالقرب من قريتي النائية عن سبب ارتفاع أسعار الطماطم والبطاطس والخضار الأخرى التي تبيعها أكثر من مرة خلال أقل من أسبوعين قضيتهما هناك، فأجابتني: "هذا ليس ذنبي، يا أخي كل ما نط (قفز) الدولار نطة بينط معه كل شي حتى سعر الهندباء البرية التي تنمو من رحمة السماء دون الحاجة إلى بذور وأسمدة ومستلزمات أخرى مستوردة". كلام البائعة وإن دل على شيء فعلى أن الدولار أصبح طاغيا أكثر من أي وقت مضى على صعيد احتساب أسعار البضائع بما في ذلك تلك التي لا علاقة لإنتاجها به.

 

ويمكن القول إن الحضور الطاغي للعملة الأمريكية والذي وصل إلى بائعة لا تعرف شيئا عنها سوى الاسم أصبح، ظاهرة مألوفة في الدول العربية عدا التي يلعب اليورو فيها دورا كبيرا كما هو عليه الحال في بعض البلدان المغاربية. وفي دول مثل لبنان يمكن الدفع بالدولار إسوة بالليرة اللبنانية. ولا يُستغرب ذلك في منطقة تطول قوائم مستورداتها بالدولار سنة بعد أخرى على ضوء استمرار عجز اقتصاداتها عن تنويع مصادر دخلها وإنتاجها بشلك يقلص مستورداتها من المواد الغذائية على الأقل.

 

الدولار في كل بيت ولكل تجارة خارجية

 

ولم يصل الدولار إلى كل بيت وحسب، فالاستيراد به مسألة مفروضة كونه ليس عملة للولايات المتحدة وحسب، فهو أيضا عملة التجارة الخارجية وخاصة في البلدان النامية كالدول العربية. ويعد العالم العربي من أكثر مناطق العالم ارتباطا بالدولار الأمريكي. فعملات معظم دوله وعلى رأسها السعودية والإمارات ودول النفط الغنية الخليجية الأخرى والعراق ومصر مربوطة به. كما أن العملة الأمريكية هي العملة الرئيسية للاحتياطات المالية العربية، لاسيما وأن الصادرات من النفط والغاز والمواد الأخرى تُباع بالدولار الأمريكي. ومن المعروف أيضا ان الدول العربية الخليجية والعراق تستثمر أكثر من 260 مليار دولار في السندات الأمريكية التي لا يرتبط سعرها وعوائدها بصعود وهبوط الدولار فقط، بل أيضا بالسياسات المالية والنقدية في الولايات المتحدة.

 

مشاكل مزمنة مستمرة رغم رفع سقف الدين

 

من هنا كان قد ساد القلق والمخاوف أيضا في العالم العربي من احتمال عدم الاتفاق بين الرئيس جو بايدن والحزب الجمهوري المعارض على رفع سقف الدين الأمريكي لتجنب الحكومة الأمريكية الإفلاس الذي كان سيعني تراجع البورصات وارتفاع سعر الدولار وتكاليف الاقتراض به. ومما كان سيعنيه ذلك المزيد من الصعوبات في تأمينه لتمويل المستوردات الضرورية.

 

ومع الإعلان عن الاتفاق على رفع السقف البالغ 31.4 مليار دولار حاليا بين الطرفين تراجعت المخاوف المذكورة وساد الارتياح في البورصات العربية وأسواق المال بعد موافقة الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ عليه. وينص الاتفاق على رفع سقف الدين حتى نهاية العام القادم 2024 مقابل إجراءات تقشفية محدودة تقوم بها الحكومة الأمريكية في مجال الانفاق غير العسكري.

 

صحيح ان الاتفاق أتى بالارتياح في الأسواق العربية إسوة بالعالمية، غير أن ذلك سيكون مؤقتا نظرا لاستمرار ارتفاع التضخم والمديونية الحكومية في الولايات المتحدة. وقد أضحت الأخيرة بمثابة قنبلة مالية موقوتة كونها شكلت ما يزيد على 120 بالمائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي المقدر بنحو 33 مليار دولار خلال العام الماضي 2022 حسب المؤسسة الألمانية للتجارة والاستثمار.

 

ومع الاتفاق على رفع سقف الدين العام وترجيح تكرار رفعه لاحقا ستقدم الحكومة في واشنطن أيضا ليس على طباعة المزيد من الدولارات وشراء السلع بها من الأسواق الخارجية فقط، بل وعلى رفع أسعار الفائدة الأمريكية بشكل يؤدي إلى استمرار تصدير جزء من التضخم الأمريكي إلى الأسواق ومن ضمنها الأسواق العربية.

 

شح في الدولار ومزيد من ارتفاع الأسعار

 

ومن تبعات ذلك المزيد من ارتفاع الأسعار والمزيد من التراجع في سعر العملات العربية تجاه الدولار. وسيدفع ثمن ذلك فئات واسعة من أصحاب الدخل المحدود بحيث تتسع دائرة الفقر، لاسيما وأن اقتصاديات البلدان العربية عدا النفطية منها لا تتمتع بالقدرة على زيادة صادراتها لسد العجز المزمن في موازينها التجارية.

 

وهو الأمر الذي يضطرها إلى مزيد من الاقتراض بالدولار من أجل تأمين مستلزمات استيراد السلع الأساسية المتزايدة وخدمة فوائد وأقساط الديون الخارجية التي يزداد تراكمها سنة بعد الأخرى. وقد ارتفعت تكلفة هذا الاقتراض مؤخرا بسبب قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر الفائدة الرئيسي أكثر من مرة خلال العامين الماضيين لتصل إلى لتزيد على 5%.

 

ويزيد الطين بلة في هذا الإطار حقيقة أن أعدادا متزايدة من الدول العربية حتى التي لم تعاني من الحروب مثل مصر ولبنان وتونس تواجه شحا غير مسبوق في الدولار. وهو الأمر الذي يجعلها غير قادرة على وقف التدهور في قيمة عملاتها وتراجع مستوى المعيشة لسكانها بسبب فشلها في الحصول على الكميات الإضافية من الدولارات لسداد فواتير الواردات من السلع الأساسية كالأغذية والأدوية ومستلزماتها. ولا يعود ذلك إلى الارتفاع المستمر في الأسعار العالمية بنسب تراوحت بين 30 و50 بالمائة على ضوء تبعات كورونا والحرب في أوكرانيا وحسب، بل أيضا إلى زيادة الكميات المطلوب استيرادها من هذه السلع على ضوء الزيادات السكانية وضعف أداء قطاعات الزراعة والصناعات الغذائية الوطنية.

 

كما أن المزيد من سكان هذه الدول يتوجه إلى التخلص من مدخراته بالعملة الوطنية لشراء الدولار والعملات الصعبة الأخرى للحفاظ على قيمتها. وهو الأمر الذي يؤدي إلى المضاربة بسعر الدولار الذي يرتفع على حساب العملات العربية التي فقد الكثير منها خلال السنوات الخمس الماضية من قيمتها تجاهه أكثر مما فقدته على مدى ثلاثة عقود، والمقصود بذلك الفترة من أوائل تسعينات القرن الماضي وحتى أواخر العقد الماضي. ومن الأمثلة على ذلك تدهور القدرة الشرائية لليرة اللبنانية والجنيه المصري والدينار التونسي وعملات أخرى فقدت بين 50 إلى 90% من قيمتها في غضون السنوات الثلاث السابقة.

 

خوف العرب على احتياطاتهم بالدولار

 

تواجه الدول العربية غير النفطية في الوقت الحاضر صعوبات متزايدة في الحصول على الدولار من أجل تمويل مستورداتها الأساسية. وفي الدول النفطية ودول أخرى كثيرة في العالم تزداد المخاوف على احتياطاتها بالدولار على ضوء تزايد التوقعات بقرب أفول عصره.

 

ويزيد من هذه المخاوف تقليص العديد من الدول كروسيا والصين واليابان والسعودية والكويت استثماراتها به بسبب عدم اليقين من تبعات تراكم جبال الديون في الولايات المتحدة والخلافات السياسية الداخلية الأمريكية حول مستقبل السياسات المالية والنقدية. وهناك خشية متزايدة أيضا من الاستخدام المتزايد للعملة الأمريكية كسلاح أساسي في فرض العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي تشمل تجميد الاحتياطات المالية لتحقيق أهداف سياسية.

 

ولا يقتصر الأمر هنا على دول تعتبرها الولايات المتحدة معادية لها مثل روسيا وإيران وفنزويلا وسوريا وكوبا، بل يشمل أيضا قطاعات وشركات وأشخاص من دول حليفة وغير حليفة كالصين ودول الاتحاد الأوروبي وتركيا والإمارات العربية المتحدة.

 

صعوبة التجارة الخارجية بالعملات العربية

 

على ضوء ذلك تعمل دول وعلى رأسها الصين وروسيا والهند وإيران على تشجيع التبادل التجاري البيني بالعملات الوطنية على صعيد عدة سلع على رأسها مصادر الطاقة. كما قامت بتخفيض استثماراتها في السندات الأمريكية لصالح الذهب وعملات أخرى والتخطيط لمشاريع داخلية.

 

وهناك حديث عن قيام السعودية بتخفيض استثماراتها في السندات المذكورة من 119 إلى 111 مليار دولار خلال العام الماضي. وبدورها خفضت الكويت هذه الاستثمارات من 51 إلى 43 مليار دولار في نفس الفترة. وفي تصريح لافت قال وزير التموين المصري على المصيلحي أن بلاده "تدرس إمكانية استخدام عملات شركائها بما في ذلك الصين والهند وروسيا في محاولة لتقليل الحاجة للدولار".

 

مما لا شك فيه أن اعتماد العملات الوطنية في التبادل التجاري بشكل متزايد يخفف من الاعتماد على العملات الصعبة وعلى رأسها الدولار الذي يهمين على التجارة الدولية. غير أن الأمر ليس سهلا بالنسبة للدول العربية - باستثناء السعودية والإمارات إلى حد ما- بحكم الحجم المتواضع لاقتصاداتها مقارنة بالصين والهند وروسيا والبرازيل. ومما يعنيه ذلك أنها ستجد صعوبة كبيرة في تحقيق طلب على عملاتها من قبل شركائها التجاريين حتى في الصين والهند والبرازيل وغيرها.

 

ونظرا لهذه الصعوبة فإنها تخاطر بالوقوع في فخ المديونية باليوان أو الروبية كما وقعت في فخ المديونية بالدولار. ومن هنا فإنه حري بها أن تعمل كل في وسعها لتنويع اقتصاداتها ومصادر دخلها المحلية من خلال إنتاج أغذيتها وأدويتها والبستها بهدف تقليص طلبها على الدولار والعملات الأجنبية الأخرى. وفيما عدا ذلك فإنها ستبقى رهينة المزيد من الاقتراض الخارجي، لاسيما وأن أسعار السلع الأساسية إلى ارتفاع من موسم لآخر.

 

(DW عربية)

 


الحجر الصحفي في زمن الحوثي