الكيف المعرفي والزيف العلمي

عمار البذيجي
الخميس ، ١٤ يوليو ٢٠٢٢ الساعة ٠٨:٤٧ مساءً

 

حين كنت في الصف السادس الإبتدائي قدر لي ولزملائي أن تتحفنا وزارة الترببة والتعليم بصعلوك عابث بصفتة مدرسا مبتعثا، وكان #شعبان _وهذا اسمه_ يكتفي من الوقت المخصص للتدريس بحصة أو حصتين وما بقى ندرس فيه #كيف_تبتلع_بيضة_بزردة؟ #كيف_تسيح_مع_عبدالحليم، #قواعد_الإصغاء_لأم_كلثوم، وأحيانا يستدعي مختلا او مهبولا من القرية ليعلمنا #كيف تجعله مدرسا، والأسوأ أنه كان مدرسنا الوحيد لجميع المواد. 

كنا نسأله ونعبر عن مخاوفنا كأطفال فيجيب: لا تقلقوا سأعلمكم طريقة ذهبية لحصد أعلى المعدلات، وكيف تنافسون على المراكز العشرة الأولى لأوائل الجمهورية باعتبار أن الشهادة الإبتدائية كانت وزارية عامة، ومع قرب الاختبارات كشف لنا عن الطريقة الذهبية وسر التفوق وهي الدخول لقاعة الامتحان مبكرا واخفاء الكتاب داخل الطاولة والنقل منه، مشددا على أن الأمر يتطلب فقط ضبط النفس والتركيز فكلما ابتعد المراقب ارجع مقعدك للخلف وافتح كتابك وحين يبدأ في الاقتراب اعد الكتاب والصق نفسك بالطاولة.

غير أن الصدمة والمضحك أننا دخلنا في أول يوم للامتحانات فوجدنا الطاولات معكوسة وفشلت الخطة الشعبانية السحرية، وحين اعلنت النتائج كانت الكارثة أننا رسبنا جميعا باستثناء 5 طلاب نجحوا بمستوى مقبول، نعم تقبلنا الأمر ولكن بقيت الحسرة في صدورنا والغصة في حلوقنا حتى الساعة لأننا لم نجده بعدها ولم نتمكن من الوصول إليه لمكافأته على طريقة #صبحي_كابر للكباب والكفتة. 

 بعدها بسنوات وخلال دراستي الجامعية كنت أتردد على الساحات والأرصفة التي تعرض الكتب، ولأني قد أكلت #مقلب_كيف_الشعباني  في السادس الإبتدائي فقد كنت أحرص على شراء الكتب والمجلات البالية والممزقة أحيانا ذات المحتوى المعرفي والثقافي الرصين، متجاوزا الكتب الجديدة ذات التصاميم الجذابة والأغلفة المصقولة والعناوين المثيرة مثل ( #كيف_تتحدث_الإنجليزية_في_5_أيام، #أسرار_ليلة_العمر، #دليلك_للثراء_السريع ...) والغريب المضحك أن كثير منها على تعدد مواضيعها وعلومها مؤلفها واحد وتصدر عن دار النشر ذاته.

 تراجعت كتب الكيف، وعرف الناس ضحالتها وزيفها العلمي والمعرفي بمرور الوقت، بينما صمد العلم الراسخ، واستمرت المعرفة الرصينة والثقافة غير الزائفة، ومع ذلك عاد الكيف المعرفي والزيف العلمي يتصدر المشهد بقوة وبذات العناوين في منصات التواصل الإجتماعي، فبين منشور مفيد وأخر نافع تداهمك منشورات الكيف المعرفي والزيف العلمي التي تبشرك باحتراف مهارة ما في 7 خطوات، أو تعدك بتغيير حياتك للأبد بمجرد الضغط على الرابط، وأخر يتحداك أنك ما تتكلم انجلش بعد 30 دقيقة من سماع الفيديو الخاص به، والأسخف أن تجد من يحلف لك أن المادة التي يقدمها لك هي كل العلم في #التسويق أو #البرمجة أو #المحاسبة أو #الهندسة ، ولست محتاج لتسجل في الجامعة أصلا. 

 #خلاصة_الأمر: لكل شيء من اسمه نصيب، فمثلما يسمى الأتباع أتباعا لأنهم بالفعل أتباع جمع " #تبع " وهو الثور الصغير أو العجل، فكذلك كتب ومنشورات ووسائط الكيف المعرفي والزيف العلمي التي لا تعدو أن تكون نوعا من الكيف بمعناه القائم على تعديل المزاج أو النشوة وقد يصل لحد السكر والثمالة والهلوسة، وربما توصل للانهيار العصبي والجنون والتوحش، بحسب نوعية وطبيعة مادة الكيف ودرجة تأثيرها على متعاطيها، فقد تكون مجرد كوب من القهوة الصباحية، وقد تكون علب سجائر، أو حزمة قات، لكنها تكون أعظم خطرا وأسوأ تأثيرا حين تصبح قنينة نبيذ أو لفافة حشيش وصولا للعقاقير والحبوب شديدة التخدير.       ..ودمتم بألف خير..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي