تعرضت الهوية اليمنية عبر مئات السنين لشتى أنواع المخاطر، وكغيرها من البلدان . عرفت اليمن غزوات واحتلالات من جهات متعددة . ومن كل حدب وصوب. والعجيب أن هذا الحضور الأجنبي، بدءاً من الأحباش . مروراً بالأتراك، وانتهاءً بالإنجليز .لم يشكّل تهديداً حقيقياً للهوية اليمنية. فلم يرصد التاريخ أي نشاط عدائي منهم ضد تراث أو تاريخ أو مواقع أثرية تمس جوهر الأمة اليمنية.
على النقيض من ذلك فإن أخطر ما واجهته الهوية اليمنية جاء من الداخل من طائفة السلالة الرسيّة التي لم تدّخر جهداً في استخدام كل الوسائل المتاحة لطمس الهوية اليمنية، وتدمير ملامح الشخصية اليمنية المستقلة. لقد أعلنت هذه الطائفة حرباً شاملة على كل ما هو يمني. وسعت بشراسة إلى محو الإرث الوطني . وتزييف الوعي الجمعي. ورغم هذا الخطر الداهم برزت على امتداد التاريخ شخصيات يمنية فولاذية كرّست نفسها وقوتها وجهدها للدفاع عن الهوية والتاريخ، وخاضت حروباً وسجالات فكرية ودفعت أرواحها ثمناً للحفاظ على الشخصية اليمنية المستقلة. لقد وقفوا سداً منيعاً في وجه تيار عاتٍ توفرت له كل أدوات التسلط والمال والإعلام والثقافة المضللة فضلاً عن الدعم السياسي من عواصم الخلافة آنذاك من بغداد شرقاً إلى قاهرة المعز غرباً مروراً بأصفهان وأطراف الدولة الفاطمية. ومن بين هؤلاء الأبطال الذين يجب أن نجلّهم ونحتفي بهم: الإمام محمد بن الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني . والمناضل نشوان بن سعيد الحميري . والإمام محمد بن علي الشوكاني. كما لا ننسى أيضاً أبطالاً آخرين وقفوا بقوة ضد محاولات طمس الهوية اليمنية مثل أبو طاهر يحيى بن محمد الحميري، وعروة بن سعيد الحبيشي، وعبد الله بن جياش اليافعي وآل طاهر مؤسسو الدولة الطاهرية ومحمد بن ناصر الفقيه وناصر بن سعيد الخولاني وغيرهم من الشخصيات والأسر اليمنية الأصيلة.
إن هذه الأسماء تمثّل الزاد الحقيقي لتعزيز الهوية اليمنية ويجب أن تُفرد لها المساحات الواسعة في كتبنا ومؤلفاتنا وفقالاتنا ومشاركاتنا فى وسائل التواصل المختلفة و مناهج التعليم، وفي وسائل الإعلام تعريفاً بمواقفهم، ونضالاتهم، ومقولاتهم، ومآثرهم الخالدة .
ورغم ضخامة الهجمة الحديثة على الهوية من قبل أحفاد الرسي إلا أنني مؤمن بأن ملايين النسخ من نشوان بن سعيد قد تخلقت اليوم. أولئك الذين كان نشوان يمثلهم وحده ذات يوم باتوا اليوم بالملايين ولديهم من العزيمة والقوة والوعي ما يؤهلهم للانتصار لهويتهم ويمنيتهم. كما يمتلكون الوسائل اللازمة لنشر رسائلهم، وتعزيز وعي العامة، وعلاج من تضرر منهم بفعل التضليل والتدليس ومحاولات توظيف الدين توظيفاً قسرياً محرفاً عن مقاصده. ولكن معركة الوعي اليوم ايضاً بحاجة إلى صياغة مدركاتها ومقاصدها الوطنية بمنهجية واضحة ومحددة، تستند إلى كل الوسائل الممكنة، لتكون منطلقاً حقيقياً لبناء وعي الأمة، وتأسيس ثقافتها الحاضرة والمستقبلية على أسس راسخة من الانتماء والكرامة والحرية وليس غير ذلك ..
والله من وراء القصد .
-->