عيد الوحدة الـ35... بين وهج الماضي وتحديات الحاضر!

د. علي العسلي
الاربعاء ، ٢١ مايو ٢٠٢٥ الساعة ١٠:٠٥ مساءً

 

في زمنٍ تتلاطم فيه أمواج

الفوضى، وتتجاذب فيه الأهواء، وتغيب فيه البوصلة الوطنية، يسطع نور الوحدة اليمنية

كفجرٍ يبزغ في ليلٍ حالك، يبعث الأمل ويوقظ الضمير الجمعي من سباته. إنها ليست ذكرى

عابرة، بل روح شعب وأمل أمة، خطّها الشهداء بدمائهم، وغذّاها الأوفياء بتضحياتهم،

واحتضنها الملايين بفرحتهم، يوم 22 مايو 1990. لقد كانت الوحدة حلمًا وغايةً

نبيلة، تجسدت واقعًا لا يُنكر، مهما حاول الواهمون طمسها، أو طعنها في الظهر.

خمسة وثلاثون عامًا مرّت

على تحقيق الوحدة اليمنية، وهو عمر كافٍ لنضج الفكرة، وتثبيت الجذور، وبناء

اللبنات، لكنها تعرضت لكثير من المحن، وأسوأها حين تم التعامل معها كغنيمة، لا

كشراكة، وكضمٍّ لا كاتحاد، فتحوّلت من حلم جميل إلى واقع شاق مليء بالجراح.

ومع ذلك، تبقى الوحدة

قدرًا لا فكاك منه، وهي اليوم أكثر من أي وقت مضى، ضرورة وطنية للنجاة من جحيم

التشظي والاحتراب والارتهان، وهي الرد الطبيعي على مشاريع الكهنوت الحوثي،

والانفصال، والتقسيم. فالوحدة ليست مراهقة سياسية تعبث بها الأهواء، بل ركن ركين

في كيان الدولة اليمنية الحديثة.

سلام الله على من ناضلوا

في سبيلها، على أولئك الذين آمنوا بها ودفعوا ثمنها،

سلام على أول مجلس رئاسي

في دولة الوحدة: من الرئيس علي عبد الله

صالح – رحمه الله – إلى القائد علي سالم البيض – أطال الله عمره –، الذي ضحى بالمنصب

من أجل الوطن، إلى القاضي عبد الكريم العرشي – رحمه الله –، وعبد العزيز عبد الغني – رحمه الله

–، وسالم صالح محمد – حفظه الله –، وغيرهم من رجال الحركة الوطنية، الذين سطّروا

المجد بصبرهم، فكانت الوحدة ثمرة لعقود من النضال.

ويكفي أن نُصغي لشعرائنا

وهم ينشدون:

"لِمَنْ كل هذه

القناديل تُضوي؟ لِمَنْ؟

للأرض عاد لها ذو يزن،

فعاد الزمان، وعادت عدن،

لِمَنْ؟ لِمَنْ؟ لأجل

اليمن."

تلك الروح هي ما نحتاجه

اليوم. لا لأننا نحتمي بها من الماضي، بل لأنها الجسر نحو المستقبل. فالوحدة، رغم

ما اعترى طريقها من أخطاء، تبقى السبيل الوحيد لدولة العدل والدستور، ولليمن

الاتحادي الذي يحفظ الحقوق ويُقرّ بالتوزيع العادل للثروة والسلطة.

نُحيي في هذا العيد القائد الوحدوي علي سالم البيض، الذي بقي – رغم

الاختلافات – وفيًا لفكرة اليمن الواحد، وبكى من الغدر والجحود، لا من الوحدة ذاتها.

فالوحدة كانت في وجدانه حبًا وعقيدة، ولم يكن انفصاليًا، بل رافضًا لتحوّل الشراكة

إلى استئثار وضم.

ونُحيي كذلك شهداء ما بعد

الوحدة: من عمر الجاوي، إلى جار الله عمر، إلى المهندس الحروي، وماجد مرشد سيف

وغيرهم، الذين اغتيلوا لأنهم حملوا مشعل الوحدة في وجه رياح التشظي، فأطفأتهم

أيادي الغدر، لكنهم بقوا مشاعل تنير الدرب، وعمدوا الوحدة بدمائهم الزكية.

لقد ظُلم كثير من أبناء

الجنوب بعد الوحدة، فتم إقصاؤهم، وظُلموا في لقمة عيشهم، وكان لا بد من إنصافهم.

فجاءت لجنة باصرة–هلال، وأقر مؤتمر الحوار ضمانات سُميت بالنقاط العشرين، ثم أُضيفت إليها

عشر نقاط، كلها كانت في سبيل معالجة المظالم في جنوبنا الحبيب، لم يُعالجها أحد، إلا

مشكورًا الرئيس العليمي، الذي بدأ بمعالجة تلك الملفات، فدفع رواتب المسرّحين، وسط

ظروف صعبة. إنها خطوات أولى، وينبغي أن تتواصل حتى يُنصف كل مظلوم، من أي منطقة

كان، فالوحدة لا تستقيم بظلم، ولا تُبنى على الإقصاء.

وها نحن في ذكرى الوحدة،

نرى بعض مسؤولي الشرعية يتجاهلون هذا اليوم الوطني العظيم، بل ويرفضون حتى الإجازة

الرسمية، وكأنهم بلا انتماء أو ذاكرة، متناسين أنهم أقسموا على احترام الدستور،

الذي تنص مواده على أن الوحدة هي أساس الجمهورية اليمنية، وأن يوم الثاني والعشرين

من مايو هو يوم وطني لا يُمس.

وإذ نُذكّرهم بذلك، نقول

لهم: لقد أقسم المجلس الرئاسي المؤسس للجمهورية اليمنية، ونعيد قسمهم بالنص، لأن بعض

أعضاء مجلس القيادة الرئاسي الحالي قد تلاعب بالقسم، ولأن محتوى القسم بحاجة ماسة لمن يطبقه اليوم.

لقد أقسم أعضاء مجلس الرئاسة – إبّان قيام دولة الوحدة في 22 مايو 1990 – بهذا

القسم الدستوري:

"أقسم بالله العظيم

أن أكون متمسكًا بكتاب الله وسُنّة رسوله، وأن أحافظ بإخلاص على النظام الجمهوري،

وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب وحرياته رعاية كاملة، وأن أحافظ

على وحدة الوطن واستقلاله وسلامة أراضيه."

فهل أوفى كل من يحكم اليوم

بهذا القسم أمام الله وأمام الشعب؟!

فالقسم الذي أُقسم ليس

مجرد كلمات تُقال أمام الكاميرات، بل هو ميثاق شرف يجب أن يُترجم إلى مواقف وأفعال.

فاحترموا إرادة الشعب، وطبقوا الدستور، ولا تكونوا شركاء في تغييبه. إن احترام

الوحدة لا يكون في الاحتفال فقط، بل في السياسات، والخطاب، والمواقف، وفي جعلها

أساس أي حل مستقبلي.

أما المتربصون، ممن

يراهنون على واقع الانقسام لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، فنقول لهم: خاب فألكم.

فالشعب اليمني، الذي امتزجت دماؤه من صعدة إلى عدن، لن يقبل بتمزيقه، ولن يبيع

تاريخه ووحدته لمن يفتش عن دويلات الوهم ورايات التفرقة. سيظل اليمن، رغم الجراح، واحدًا

موحدًا، صامدًا، شامخًا، كجبلي شمسان وعيبان، يطاول السماء، ولا يهزه دخان

المشاريع الصغيرة.

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي