خاطرة جمعة (7): التوابون والمتطهرون.. طريق المحبة الإلهية

د. علي العسلي
الجمعة ، ١٦ مايو ٢٠٢٥ الساعة ١٢:١٩ صباحاً

 

في رحاب قوله تعالى:

"وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ، وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ، فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" (البقرة: 222)

في هذا النص القرآني البديع، تتجلّى لنا إحدى صفات المحبة الإلهية التي تُشع أملًا في قلوب المذنبين، ونورًا يهدي التائهين، وبشارة تُطهر الأرواح. فالله يحب التوابين، ويحب المتطهرين.

أولًا: تدبّر الآية الكريمة

نزلت هذه الآية في سياق سؤال الصحابة عن أحكام المعاشرة أثناء الحيض، فجاء الجواب الإلهي شاملًا أبعادًا متعددة:

فقهيًا، طبيًا، نفسيًا، وروحيًا.

إنها آية تهذّب السلوك، وتُرشد إلى الطهارة الجسدية والروحية معًا؛ ففي حين يُنهى عن الاقتراب من الزوجة زمن الحيض كونه أذًى، يُربّى المؤمن على أن العلاقة لا تُستأنف إلا بعد اكتمال الطهرين: الطبيعي (الانقطاع)، والشرعي (الاغتسال).

والبلاغة تتجلى في أن الطهارة الظاهرة تُذكّرنا بالطهارة الباطنة، كما أن القرب من الله لا يكون إلا بعد التوبة.

ثانيًا: المعنى اللغوي والروحي

● التوابون:

هم الذين يُكثرون الرجوع إلى الله، لا ييأسون من رحمته، يتوبون عن الصغائر والكبائر، ويتجدد إيمانهم مع كل ندم صادق.

● المتطهرون:

هم الذين يحرصون على نقاء الظاهر والباطن، يطلبون الطهارة للجسد من النجاسة، وللروح من الذنوب، ويعيشون في سكينة الطهر ونقاء السريرة.

ثالثًا: دروس وعِبَر

1. التوبة تطهّر الباطن، والطهارة تطهّر الظاهر

كلاهما طريق لمحبة الله.

2. طهارة القلب مقدّمة على طهارة الجسد

فطهارة البدن بلا إخلاص القلب لا تُقرّب من الله.

3. المؤمن الصادق يجمع بين ظاهر نقي وباطن صادق

فالدين ليس مظهرًا فقط، بل جوهرًا وسلوكًا.

4. الطهارة شرط للصلاة، والتوبة شرط للرحمة

فلا يقبل الله عبادة من قلب غافل، ولا من جسد نجس.

5. الطهارة والتوبة عملان متكرران في حياة المسلم

فكما يجدد وضوءه، يجدد توبته.

رابعًا: الحكمة الربانية في الربط بين التوبة والطهارة

لأن الدين في جوهره هو طهارة شاملة:

طهارة البدن من النجاسة، وطهارة النفس من الرذيلة.

فالتوبة بلا سلوك طاهر ناقصة، والطهارة بلا رجوع إلى الله جوفاء.

خامسًا: أثر الآية في السلوك

تربية المسلم على نقاء السر والعلن.

الحث على الاستمرار في تجديد العلاقة مع الله.

بث الأمل في قلوب من أذنبوا، وأخطأوا، وزلّوا.

تعزيز مفهوم أن الطهارة ليست مائية فقط، بل قلبية وسلوكية.

دعاء من نور الآية

اللهم يا من تُحب التوابين، وتُحب المتطهرين...

اجعلنا من عبادك الذين لا يملّون من الرجوع إليك،

طهّر قلوبنا من النفاق، وأبداننا من الذنوب، وأرواحنا من الغفلة.

اللهم ارزقنا توبة نصوحًا لا ننقض عهدك بعدها،

واجعلنا ممن إذا أذنبوا استغفروا، وإذا استغفروا تطهّروا،

وإذا طهُروا أحببتهم، وإذا أحببتهم رفعتهم في عليين.

آمين يا رب العالمين.

... جمعة مباركة ...

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي